ما السّندُ الصّحيحُ لزيارةِ الناحيةِ المقدّسةِ؟ ومَن هُم رواتُها؟ 

: السيد رعد المرسومي

السّلام عليكم ورحمة الله، 

لا شكّ أنّ هذه الزّيارةَ قد صدرَت عنِ الإمامِ المعصومِ عليهِ السّلام؛ وذلكَ لأنّ أقدمَ المصادرِ التي نقلَت هذهِ الزّيارةَ الشريفةَ هيَ كتابُ المزارِ للشيخِ المُفيد ( ت 413 هـ )، إذ ذكرَها في أعمالِ يومِ عاشوراء. يقولُ العلّامةُ المجلسيّ: قالَ الشيخُ المفيد قدّسَ اللهُ روحَه ما هذا لفظه: زيارةٌ أخرى في يومِ عاشوراء بروايةٍ أخرى؛ إذا أردتَ زيارتَه بها في هذا اليومِ فقِف عليه عليهِ السّلام وقُل: السّلام على آدمَ صفوةِ الله... » (بحارُ الأنوار للمجلسيّ 317:98.). 

ونقلَ هذهِ الزّيارةَ بعدَ الشيخِ المفيد تلميذُه السيّدُ المُرتضى علمُ الهُدى ( ت 436 هـ ) وِفقاً لِـما جاءَ في كتابِ مصباحِ الزّائر؛ إذ نقلَ ذلكَ السيّدُ الأمينُ في كتابِه أعيانُ الشيعةِ (أعيانُ الشّيعة 219:8.). وقالَ السيّدُ إبنُ طاووس في مصباحِ الزّائر: « زيارةٌ ثانيةٌ بألفاظٍ شافيةٍ يُزارُ بها الحُسينُ صلواتُ اللهِ عليه، زارَ بها المُرتضى علمُ الهدى رضوانُ اللهِ عليه. قالَ: فإذا أردتَ الخروجَ فقُل: اللهمّ إليكَ توجّهتُ... ثمّ تدخلُ القبّةَ الشّريفةَ وتقفُ على القبرِ الشريفِ وقُل: السّلامُ على آدمَ صفوةِ الله... » ( مصباحُ الزّائرِ لإبنِ طاووس 221). 

وقد أشارَ الشيخُ المجلسيّ في كتابِه إلى هذهِ الزّيارةِ المنقولةِ عنِ السيّدِ المُرتضى (بحارُ الأنوار 328:98). وتبع السيّدَ المُرتضى إبنُ المشهدي: أبو عبدِ اللهِ محمّدٌ بنُ جعفرٍ بنِ عليٍّ المشهديّ (كانَ حيّاً سنة 595 هـ )، وهوَ تلميذُ شاذانَ بنِ جبرئيلَ القمّي وعبدُ اللهِ بنِ جعفرٍ الدُّوريستي، وورّام بنِ أبي فراس؛ وهوَ أستاذُ إبنِ نما الحلّي وفخار بنِ معدٍ الموسوي. 

إذ يقولُ إبنُ المشهدي في كتابِه ( المزارُ الكبير ) في شأنِ زيارةِ النّاحية: « زيارةٌ أخرى في يومِ عاشوراء لأبي عبدِ اللهِ الحُسينِ عليه السّلام ممّا خرجَ منَ الناحيةِ إلى أحدِ الأبواب. قالَ: تقفُ عليه وتقولُ: السّلامُ على آدمَ صفوةِ الله... » (المزارُ الكبيرُ لابنِ المشهدي 496 ـ 519). وبعدَ إبنِ المشهدي جاءَ العالمُ الشيعيّ الكبيرُ السيّدُ إبنُ طاووس: رضيُّ الدينِ عليٌّ بنُ موسى بنِ طاووسَ الحسني البغداديّ ( ت 664 هـ )، فنقلَ هذهِ الزّيارةَ في ( مصباحِ الزّائر ) ( 192). ومِن هذينِ الكتابين الأخيرينِ نقلَ متأخّرو علماءِ الشيعةِ في مؤلّفاتِهم في الحديثِ والمزارِ، وألّفوا في شرحِ الزّيارةِ الشروحَ المُتعدّدة. ومِن هؤلاءِ المُتأخرّين: 

1 ـ العلّامةُ المجلسيّ في بحارِ الأنوار ( 317:98)، (وتحفةُ الزّائر، 333)، الزيارةُ الرّابعةُ للإمامِ الحُسين عليهِ السّلام. 

2 ـ المحدّثُ النوريُّ في مستدركِ الوسائلِ (335:10). 

3 ـ الشيخُ إبراهيمُ بنُ محسنٍ الكاشانيّ في الصحيفةِ المهديّة (203). 

4 ـ الشيخُ عبّاسٌ القمّي في نَفَسِ المهموم (233). 

5 ـ المرجعُ السيّدُ محمّد هادي الميلاني في « قادتُنا كيفَ نعرفهم » (6/115)، وغيرُهم. 

فزيارةُ الناحيةِ - إذن - لها سابقةٌ تاريخيّةٌ عريقةٌ تمتدّ جذورُها إلى أكثر مِن ألفِ سنة. 

وقد تسالمَت مؤلّفاتُ الشيعةِ منذُ القِدَم على إنتسابِ الزيارةِ المعروفةِ بزيارةِ الناحيةِ إلى الإمامِ الثاني عشرَ مِن أئمّةِ أهلِ البيتِ عليهم السّلام. وقد تطرّقَ علماءُ الشيعةِ إلى ذكرِ هذهِ الحقيقةِ في مؤلّفاتِهم، فنرى الشيخَ المُفيد ( ت 413 هـ ) يقولُ في كتابِه « المزارُ »: زيارةٌ أخرى في يومِ عاشوراءَ بروايةٍ أخرى. وهيَ جملةٌ تُشيرُ إلى أنّ هذهِ الزّيارةَ قد بلغَتهُ عن طريقِ الرّوايةِ المنقولةِ عنِ الإمامِ المعصومِ (انظر: بحارُ الأنوارِ للمجلسي 317:98 / ح 8؛ مستدركُ الوسائلِ للمُحدّثِ النوري 335:10 / ح16). ونجدُ السيّدَ المُرتضى يقدّمُ هذهِ الزّيارةَ على باقي الزّياراتِ التي يُزارُ بها السّبطُ الشهيدُ أبو عبدِ اللهِ الحُسين عليهِ السّلام. وكذلكَ السيّدُ إبنُ طاووس يقولُ في مصباحِ الزّائر: « زارَ بها المُرتضى علمُ الهُدى رضوانُ اللهِ عليه » (221)، كما نشاهدُ السيّدَ إبنَ طاووس أيضاً يصرّحُ في كتابِ المزارِ (221) بأنّ هذهِ الزّيارةَ هيَ «زيارةٌ أخرى تختصُّ بالحُسينِ صلواتُ اللهِ عليه، وهيَ مرويّةٌ بأسانيدَ مُختلفة، وهيَ أوّلُ زيارةٍ زارَ بها المُرتضى علمُ الهُدى رضوانُ اللهِ عليه ».

ومنَ الجليّ أنّ فقيهاً جليلاً وعالِماً شهيراً كالسيّدِ المُرتضى لا يقدّمُ زيارةً معيّنةً على الزّياراتِ الأخرى ـ مِن أمثالِ زيارةِ عاشوراء ـ ولا يزورُ بها إلّا بعدَ ثبوتِ سندِها لديه. (انظر: مستدركُ الوسائلِ للمُحدّثِ النوري 335:10 / ح 17.). زِد على ذلكَ: أنّ منهجَ السيّدِ علمِ الهُدى المُرتضى في صدورِ الرّوايةِ عنِ المعصومينَّ عليهم السّلام يُعدُّ منَ المناهجِ المُتشدّدةِ في الرّوايةِ، إذ إنّهُ يذهبُ إلى أنّ الرّوايةَ إذا كانَت متواترةً أو محفوفةً بقرينةٍ قطعيّةٍ جازَ العملُ بها، وإلّا فلا. (ينظر: دروسٌ تمهيديّةٌ في القواعدِ الرجاليّةِ ص98 للشيخِ باقر الإيروانيّ)، وكذلكَ نجدُ إبنَ المشهديّ يصرّحُ عندَ نقلِه لهذهِ الزّيارةِ بقولِه: « زيارةٌ أخرى في يومِ عاشوراءَ لأبي عبدِ اللهِ الحُسينِ، ممّا خرجَ منَ النّاحيةِ إلى أحدِ الأبواب» (المزارُ الكبيرُ لابنِ المشهديّ 496).

وفي هذهِ الجُملةِ تصريحٌ بأنّ هذهِ الزّيارةَ تنتسبُ مِن جهةِ صدورِها إلى الإمامِ المُنتظرِ الحجّةِ بنِ الحسنِ العسكري عجّلَ اللهُ تعالى فرجَه، وأنّها ممّا خرجَ عنهُ إلى أحدِ نوّابِه الأربعةِ الخاصّينَ، ثمّ رُوِيَت عنهم حتّى بلغَت الشيخَ المُفيدَ، ومنهُ إلى السيّدِ المُرتضى، ثمّ إلى بقيّةِ الرّواة. 

ومِن هُنا صِرنا نشاهدُ الكتبَ المُتأخّرةَ تصرّحُ بهذهِ الحقيقةِ بغيرِ شك. وعلى سبيلِ المثالِ، فقد كتبَ الشيخُ إبراهيمٌ بنُ محسنٍ الكاشاني في ( الصّحيفةِ المهديّة ) يقولُ عنِ الزيارةِ المذكورةِ: «زيارةٌ صدرَت منَ النّاحيةِ المُقدّسةِ إلى أحدِ النوّابِ الأربعة». ( الصحيفةُ المهديّةُ للكاشانيّ 203). ويقولُ الشيخُ عبّاسٌ القمّي في ( نَفَسِ المهموم ،ص233) في وصفِ حوادثِ عاشوراء: « فكانَ كما وصفَه إبنُهُ الإمامُ المهديّ »، أي في زيارةِ الناحيةِ المُقدّسةِ. ويقولُ السيّدُ هادي الميلانيّ: « ونجدُ في زيارةِ الإمامِ المهدي صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه وصفاً دقيقاً لِما جرى على جدِّه الحُسينِ عليه السّلام » (قادتُنا كيفَ نعرفُهم للسيّدِ هادي الميلاني 115:6). 

فالنتيجةُ أنّ زيارةَ الناحيةِ لها سندٌ يتّصلُ إلى الشيخِ المُفيدِ، والسيّدُ المُرتضى وإبنُ المشهدي. ويُحتملُ أنّها رُويَت مُسندةً في كتابِ مزارِ الشيخِ المفيدِ ومصباحُ السيّدِ المُرتضى، لكنّ فُقدانَ هذينِ الكتابينِ مِن جهةٍ، وحذفَ أسنادِ الزّياراتِ في كتابِ مزارِ إبنِ المشهديّ رعايةً للإختصارِ مِن جهةٍ ثانيةٍ، أسهما في فقدانِ سندِ زيارةِ النّاحية. 

ونلاحظ أنّ إبنَ المشهدي يُصرّحُ في بدايةِ كتابه بأنَّ هذه الزّيارةَ قد بلغَتهُ بسندٍ مُتّصل. يقولُ: « فإنّي قد جمعتُ في كتابي هذا مِن فنونِ الزّياراتِ... ممّا إتّصلَتُ بهِ مِن ثقاتِ الرّواةِ إلى السّادات » ( المزارُ الكبيرُ لابنِ المشهدي 27). ثمّ إنّ إبنَ المشهدي عمدَ ـ رعايةً للإختصارِ، وإطمئناناً منهُ بصدورِ الزّياراتِ عن المعصومِ ـ إلى حذفِ أسانيدِ الزّياراِت التي نقلَها في كتابِه. إذ يقولُ العلاّمةُ المجلسيّ بعدَ نقلِ عبارةِ إبنِ المشهدي المذكورة: « فظهرَ أنّ هذهِ الزّيارةَ منقولةٌ مرويّة» (بحارُ الأنوارِ 328:98). 

أمّا نسخةُ كتابِ المزارِ الموجودةُ في مكتبةِ السيّدِ المرعشيّ فقد وردَت فيها عبارةُ: «وهيَ مرويّةٌ بأسانيدَ مُختلفة ». وتكرّرَت هذهِ العبارةُ في المُستدركِ للمُحدّثِ النوري بلفظِ « وهيَ مرويّةٌ بأسانيدَ » (مستدركُ الوسائلِ 335:10 / ح 17). يضافُ إلى ذلكَ أنّ المجلسيّ نقلَ عنِ الشّيخِ المُفيدِ في كتابِه المزار أنّه وصفَ هذهِ الزّيارةَ بقولِه « زيارةٌ أخرى في يومِ عاشوراء بروايةٍ أخرى » ( بحارُ الأنوارِ للمجلسيّ 317:98 / ح 8). وبهذا أضحى منَ المُسلّمِ أنّ لهذهِ الزّيارةِ أسانيدُ عاليةٌ ومتينةٌ، بَيدَ أنّ الشيخَ المُفيدَ والسيّدَ المُرتضى لم يذكرا أسانيدَها في كُتبِهما، وتبيّنَ أنّ السيّدَ المُرتضى كانَ يقدّمُ هذهِ الزّيارةَ على الزّياراتِ الأخرى ـ كزيارةِ عاشوراء التي لها أسانيدُ مُحكمةٌ ومُتعدّدةٌ ـ فيزورُ بها ويداومُ على قراءتِها. فكلُّ هذا يولّد لدينا إطمئناناً بصحّةِ صدورِ زيارةِ النّاحيةِ المُقدّسةِ، ودمتُم سالِمين.