متى وقعَ أوّلُ شركٍ في البشريّة؟  

: السيد عبدالهادي العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

ذهب البعض إلى أنّ أوّل شرك وقع في البشريّة كان على عهد النبيّ نوح (عليه السلام)؛ إذ عكف قومٌ على عبادة الأصنام، وهم الذين أشار الله تعالى إليهم بقوله: { وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}[نوح: 23].. ذكر ابن كثير في [البداية والنهاية ج2 ص240]: « .. وشابهوا قوم نوح وكانوا أوّل مَن أشرك بالله وعبد الأصنام ولهذا بعث الله إليهم نوحاً، وكان أوّل رسول بعث ينهى عن عبادة الأصنام.. »، وجاء في [التفسير الكاشف ج4 ص223]: « يتلخّص معنى الآيتين بأنّ قومَ نوح كانوا يعبدون الأوثان، وقيل: إنّهم أوّل مَن أشرك بالله، واتّخذ له أنداداً، فأرسله الله إليهم بشيراً ونذيراً ».

وأمّا حكاية اتّخاذ هذه الأصنام فهي معروفة لدى المسلمين.. روى الشيخ الصدوق في [علل الشرائع ج1 ص3] بإسناده عن حريز السجستانيّ، عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام)، في قوله الله (عزّ وجلّ): {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}، قال: « كانوا يعبدون الله (عزّ وجلّ) فماتوا، فضج قومهم وشقّ ذلك عليهم، فجاءهم إبليس (لعنه الله) فقال لهم: أتّخذ لكم أصناماً على صورهم، فتنظرون إليهم، وتأنسون بهم، وتعبدون الله، فأعدّ لهم أصناماً على مثالهم، فكانوا يعبدون الله (عزّ وجلّ) وينظرون إلى تلك الأصنام، فلمّا جاءهم الشتاء والأمطار أدخلوا الأصنام البيوت، فلم يزالوا يعبدون الله (عزّ وجلّ) حتى هلك ذلك القرن، ونشأ أولادهم، فقالوا: إنّ آباءنا كانوا يعبدون هؤلاء، فعبدوهم من دون الله (عزّ وجلّ)، فذلك قول الله تبارك وتعالى: {لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا..} الآية »، وروى الشيخ الكلينيّ في [الكافي ج8 ص280] عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: « يا مفضل، ههنا نصبت أصنام قوم نوح (عليه السلام) يغوث ويعوق ونسراً... ».

ولكن الظاهر وقوع الشرك قبل ذلك، وذلك بعبادة قابيل ابن النبي آدم (عليه السلام) للنيران؛ إذ أنّه أوّل مَن عبد النار واتّخذ لها بيتاً، وورث ذلك عنه ولده، ولم يعثر على مَن أشرك وعبد غير الله تعالى قبل قابيل، فيبدو أنّه أول من أشرك من البشرية. 

روى الشيخ الكلينيّ في [الكافي ج8 ص113]، والشيخ الصدوق في [كمال الدين ص213] عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «... ثم إنّ آدم (عليه السلام) أمر هابيل وقابيل أن يقرّبا قرباناً، وكان هابيل صاحب غنم، وكان قابيل صاحب زرع، فقرّب هابيل كبشاً من أفاضل غنمه، وقرّب قابيل من زرعه ما لم ينق، فتُقبّل قربان هابيل ولم يُتقبّل قربان قابيل، وهو قول الله (عزّ وجلّ): { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ..} إلى آخر الآية، وكان القربان تأكله النار، فعمد قابيل إلى النار، فبنى لها بيتاً ـ وهو أوّل مَن بنى بيوت النار ـ، فقال: لأعبدنّ هذه النار حتى تتقبّل منّي قرباني، ثمّ إنّ إبليس (لعنه الله) أتاه ـ وهو يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق ـ فقال له: يا قابيل، قد تقبّل قربان هابيل ولم يتقبّل قربانك، وإنّك إن تركته يكون له عقب يفتخرون على عقبك ويقولون: نحن أبناء الذي تقبل قربانه، فاقتله كيلا يكون له عقب يفتخرون على عقبك، فقتله.. ». وينظر أيضاً: تفسير العياشي ج1 ص309، علل الشرائع ج1 ص3، بحار الأنوار ج11 ص227.

فالمستفاد من هذه الروايات وغيرها أنّ قابيل هو أول من عبد النار واتخذ لها بيتاً، وقد ورث منه ولده ذلك، ولم يعثر على مَن أشرك وعبد غير الله تعالى قبل قابيل، فيبدو أنّه أول من أشرك من البشرية، وأمّا ما قيل من أنّ أوّل مَن أشرك هم قوم نوح (عليه السلام) بعبادتهم الأصنام فالظاهر أنّها متأخّرة زماناً عن عبادة قابيل للنيران. 

والحمد لله رب العالمين.