ماهي العلوم الخمسة التي تحدثت عنها روايات أهل البيت (عليهم السلام)

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،إنّ علمَ الأئمّةِ عليهم السلام ما دامَ مُتميّزاً على غيرِه، فلا بدَّ أن تكونَ مصادرُ هذا العلمِ ومنابعُه مُتميّزةً، لأنَّ الطريقَ العاديَّ وهوَ التعلّمُ منَ الناسِ لا يخلو مِن شوائبَ ونقصان، فكيفَ يكونُ هادياً للناسِ مَن يأخذُ العلمَ مِنهم؟ فلابدَّ مِن وجودِ مصادرَ أخرى صافيةٍ ليسَ فيها شائبةٌ مِن نقصٍ أو جهلٍ أو خطأ، لتكونَ الهدايةُ صحيحةً ومأمونةً، وقد تعدّدَتِ المنابعُ التي استقى منها أهلُ البيتِ عليهم السلام علومَهم وإن كانَت ترجعُ بحقيقتِها إلى مصدرٍ واحدٍ هوَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله، وسنذكرُ بعضاً مِنها:  أوّلاً- العلمُ الموروثُ: فقد ورثوا علمَ الرسولِ الأكرمِ صلّى اللهُ عليهِ وآله وعلومَ الأنبياءِ عليهم السلام، وهذا ما تؤكّدُ عليهِ الرواياتُ الكثيرةُ التي مِنها ما رويَ عن أبي عبدِ الله عليهِ السلام قالَ: سمعتُه يقول: إنّا لو كُنّا نُفتي الناسَ برأينا وهوانا لكنّا منَ الهالكين ولكنّها آثارٌ مِن رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله وأصولُ علمٍ نتوارثُها كابراً عن كابرٍ عن كابر نكنزُها كما يكنزُ الناسُ ذهبَهم وفضّتَهم. [بصائرُ الدرجات، محمّدٌ بنُ الحسن الصفار، ص‏319]. وفي الحديثِ المشهورِ عن أبي عبدِ الله عليهِ السلام قالَ: لمّا مرضَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله مرضَه الذي توفّيَ فيه بعثَ إلى عليٍّ عليهِ السلام فلمّا جاءَ أكبَّ‏ عليه فلم يزَل يُحدّثُه ويُحدّثُه قالَ فلمّا فرغَ لقياهُ فقالا بما حدّثَك صاحبُك قالَ حدّثني ببابٍ يفتحُ ألفَ بابٍ كلُّ بابٍ يفتحُ ألفَ باب. [بصائرُ الدرجاتِ، محمّدٌ بنُ الحسنِ الصفّار، ص‏325].  وفي حديثٍ آخر قالَ أبو عبدِ الله عليهِ السلام: إنَّ سليمانَ عليهِ السلام ورثَ داودَ عليه السلام، وإنَّ محمّداً صلّى اللهُ عليهِ وآله ورثَ سليمانَ عليهِ السلام، وإنّا ورثنا محمّداً. [الكافي، الشيخُ الكُليني، ج‏1، ص‏224]. ثانياً- الكتبُ الخاصّةُ عندَهم عليهم السلام: ففي الروايةِ المرويّةِ عن أبي عبدِ الله عليهِ السلام يقولُ: إنَّ عندي الجفرَ الأبيض. قالَ: قلتُ: فأيُّ شي‏ءٍ فيه؟ قالَ عليهِ السلام: زبورُ داودَ وتوراةُ موسى وإنجيلُ عيسى وصحفُ إبراهيمَ والحلالُ والحرام، ومصحفُ فاطمة، ما أزعمُ أنَّ فيهِ قرآناً، وفيه ما يحتاجُ الناسُ إلينا ولا نحتاجُ إلى أحدٍ حتّى فيه الجلدةُ ونصفُ الجلدة وربعُ الجلدةِ وأرشُ الخدش، وعندي الجفرُ الأحمر". قالَ: قلتُ: وأيُّ شيءٍ في الجفرِ الأحمر؟ قالَ عليهِ السلام: السلاحُ وذلكَ إنّما يفتحُ للدمِ يفتحُه صاحبُ السيفِ للقتل. [شرحُ أصولِ الكافي، المولى محمّد صالِح المازندراني، ج‏5، ص‏339]. ثُمَّ أنّ كلمةَ الحلالِ والحرام الواردةِ في الروايةِ هيَ إشارةٌ إلى الصحيفةِ الجامعةِ المذكورةِ في الروايةِ عن أبي عبدِ الله عليه السلام حيثُ سمعتُه يقول عندَما ذُكرَ ابنُ شبرمة في فُتيا أفتى بها: أينَ هوَ منَ الجامعةِ إملاءُ رسولِ الله صلّى اللهُ عليه وآله بخطِّ عليٍّ عليهِ السلام فيها جميعُ الحلالِ والحرام حتّى أرشُ الخدش. [بحارُ الأنوارِ، العلّامةُ المجلسي، ج‏62، ص‏33]. ثالثاً- العلمُ الحادث: ففي الروايةِ عن الإمامِ أبي الحسنِ الأوّلِ موسى بنِ جعفرٍ الكاظم عليهِ السلام كيفَ تكونُ الاستزادةُ حيثُ يقول: مبلغُ علمِنا على ثلاثةِ وجوه: ماضٍ وغابرٌ وحادثٌ فأمّا الماضي فمُفسّر، وأمّا الغابرُ فمزبورٌ وأمّا الحادثُ فقذفٌ في القلوب، ونقرٌ في الأسماعِ وهوَ أفضلُ علمِنا ولا نبيَّ بعدَ نبيّنا صلّى اللهُ عليهِ وآله. [الكافي، الشيخُ الكُليني، ج‏1، ص‏264]. وهذا غيرُ الوحي الذي ينزلُ على خصوصِ الأنبياء وإنّما هذا الذي تعبّرُ عنه الرواياتُ بأنّهُ نقرٌ في الأسماع. وهناكَ رواياتٌ تذكرُ الاستزادةَ في كلِّ ليلةِ جُمعةٍ كما في الروايةِ عن أبي جعفرٍ عليهِ السلام قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله: إنّ أرواحَنا وأرواحَ النبيّينَ توافي العرشَ كلَّ ليلةِ جُمعةٍ فتصبحُ الأوصياءُ وقد زيدَ في علمِهم مثلَ جمِّ الغفيرِ منَ العلم. [بصائرُ الدرجاتِ، محمّدٌ بنُ الحسنِ الصفّار، ص‏152]. وهناكَ رواياتٌ تتحدّثُ عن كونِهم عليهم السلام مُحدَّثونَ مِن قبلِ الملائكة، ففي روايةٍ أخرى أرسلَ أبو جعفرٍ عليهِ السلام إلى زرارةَ أن يُعلمَ الحكمَ بنَ عُتيبة أنَّ أوصياءَ محمّدٍ عليهِ وعليهم السلام مُحدَّثون. [الكافي، الشيخُ الكُليني، ج‏1، ص‏270]. وهذا العلمُ الحادثُ ليسَ مِن قبيلِ التشريع، لأنَّ التشريعَ تمَّ عندَ رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله ولا تشريعَ بعدَه، ولكنَّه مِن قبيلِ التشخيصِ والتطبيقِ وما شابه ذلك... رابعاً- أهلُ البيت (عليهم السلام) هُم العلماءُ بالقرآنِ الكريم ظاهرِه وباطنِه والكتبِ السماويّة: ففي الروايةِ عن الإمامِ الباقرِ عليهِ السلام:ما يستطيعُ أحدٌ أن يدّعي أنَّ عندَه جميعَ القرآنِ كلَّه ظاهرَه وباطنَه غيرَ الأوصياء. [الكافي، للشيخِ الكُليني، ج‏1، ص‏228]. هذا بالإضافةِ إلى علمِهم بالكتبِ السماويّةِ السابقةِ أي التوراةِ والإنجيلِ والزبور وغيرِها ففي الحديثِ عن أبي جعفرٍ عليهِ السلام قالَ: قالَ عليٌّ: واللهِ لا يسألُني أهلُ التوراةِ ولا أهلُ الإنجيلِ ولا أهلُ الزبور ولا أهلُ الفرقانِ إلّا فرّقتُ بينَ أهلِ كلِّ كتابٍ بحُكمِ ما في كتابِهم. [بصائرُ الدرجات، محمّدٌ بنُ الحسنِ الصفّار، ص‏154].خامساً- العلمُ باسمِ اللهِ الأعظم: ففي الروايةِ عن جابرٍ، عن أبي جعفرٍ الباقرِ عليهِ السلام قالَ: إنَّ اسمَ اللهِ الأعظمِ على ثلاثةٍ وسبعينَ حرفاً، وإنّما عندَ آصف مِنها حرفٌ واحدٌ فتكلّمَ بهِ فخُسفَ بالأرضِ ما بينَه وبينَ سريرِ بلقيس، ثمَّ تناولَ السريرَ بيدِه ثمَّ عادَت الأرضُ كما كانَت أسرعَ مِن طرفةِ عين، وعندَنا نحنُ منَ الاسمِ اثنينِ وسبعينَ حرفاً، وحرفٌ عندَ اللهِ استأثرَ به في علمِ الغيبِ عندَه، ولا حولَ ولا قوّةَ إلّا باللهِ العليّ العظيم. [بحارُ الأنوارِ، العلّامةُ المجلسي، ج‏4، ص‏210]. هذا ما استطعنا الوقوفَ عليه مِن علومِ أهلِ البيتِ عليهم السلام. ودمتُم سالِمين.