ما موقفُ عُمرَ بنِ عليّ مِن واقعةِ الطف؟

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،إنّ مَن يرجعُ إلى كُتبِ التاريخِ التي عُنيَت بواقعةِ كربلاء وكذلكَ التراجمِ التي عرضَت لشخصيّةِ عُمرَ بنِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ المُلقَّبِ بعُمرَ الأطرفِ ربّما يرى موقفَه في واقعةِ الطفِّ قد شابَهُ بعضُ الغموضِ الذي ينبغي كشفُه وبيانُه وِفقاً لقواعدِ النقدِ العلميّ الذي سلكَه العُلماءُ وذوو الاختصاصِ، إذ وردَت بعضُ الأخبارِ التي تفيدُ أنّه استشهدَ في واقعةِ الطفِّ، وبإزائِها أخبارٌ أخرى تفيدُ أنّه مِـمَّن تخلّفَ عن الإمامِ الحُسين (ع)، وإليكَ بيانَ ذلكَ بحسبِ ما يسعُ المقام. فأقولُ: أمّا المصادرُ التي أفادَت أنّه ممَّن استشهدَ في واقعةِ الطفِّ، فقد وجَدنا مصدرينِ يذكُرانِ ذلكَ بحسبِ تتبّعِنا:  أحدُهما: ما ذكرَه ابنُ أعثم الكوفي في الفتوح - وتبعَه على ذلكَ الخوارزميُّ في مقتلِ الحُسين (ع)- أنَّ عمرَ بنَ عليٍّ كانَ ضمنَ مَن استُشهدَ مِن أولادِ أميرِ المؤمنينَ (ع) بينَ يدي الحُسين (ع) في كربلاء، إذ قالَ في سياقِ الاستعراضِ لتفاصيلِ ما وقعَ يومَ عاشوراء في كربلاء: ثمَّ تقدَّمَ إخوةُ الحُسينِ عازمينَ على أن يموتوا مِن دونِه، فأوّلُ مَن تقدَّمَ أبو بكرٍ بنُ علي- واسمُه عبدُ الله .. فحملَ عليهِ رجلٌ مِن أصحابِ عُمرَ بنِ سعد يُقالُ له زُحرُ بنُ بدرٍ النخعي فقتلَه (رحمَه الله) فخرجَ مِن بعدِه أخوهُ عُمر بن عليٍّ فجعلَ يقول: أضربُكم ولا أرى فيكُم زُحرَ ذاكَ الشقيُّ بالنبيِّ مَن كفر قالَ: ثمَّ حملَ على قاتلِ أخيهِ فقتلَه، واستقبلَ القومَ فجعلَ يضربُ فيهم بسيفِه ضربًا مُنكرًا وهوَ يرتجزُ ويقول: خلُّوا عداةَ اللهِ خلّوا عن عُمر         خلُّوا عن الليثِ العبوسِ المُكفهر ثمَّ حملَ فلم يزَل يقاتلُ حتّى قُتلَ (رحمَه الله). [ينظر: الفتوحُ -ابنُ أعثم الكوفي- ج5 / ص112. مقتلُ الحُسينِ ع الخوارزمي- ج2 / ص33]. والمصدرُ الآخر: ما أوردَه ابنُ شهرِ آشوب في المناقبِ فهوَ يذكرُ ما يقربُ مِن هذا النصِّ، ثمَّ بعدَ ذلكَ يقول: ثمَّ برزَ أبو بكرٍ بنُ علي (ع) قائِلاً: شيخي عليٌّ ذو الفخارِ الأطولِ فلم يزَل يقاتلُ حتّى قتلَه زجرٌ بنُ بدرٍ الجُعفي، ويُقالُ عقبةَ الغنوي. ثمَّ برزَ أخوهُ عُمر وهوَ يرتجز: خلُّوا عداةَ اللهِ خلّوا عن عُمر          خلّوا عن الليثِ الهصورِ المُكفهر وقتلَ زجراً قاتلَ أخيهِ ثمَّ دخلَ حومةَ الحرب". [ينظر: مناقبُ آلِ أبي طالب -ابنُ شهراشوب-ج3 / ص255]. وأمّا الأمورُ التي أفادَت بأنّه ممَّن تخلَّفَ عن الإمامِ الحُسين (ع) فلَم يحظَ بالشهادةِ بينَ يديه، فمِنها: أوّلاً: هناك َمجموعةٌ منَ الأخبارِ يظهرُ مِنها بقاؤه إلى ما بعدَ أحداثِ كربلاء بزمنٍ ليسَ باليسير، فقَد قيلَ إنَّ عُمرَه بلغَ خمسًا وسبعينَ أو سبعًا وسبعين سنةً كما في كتابِ (عُمدةِ الطالبِ في أنسابِ آلِ أبي طالب- ابنُ عنبة- ص362). وبناءً عليهِ تكونُ وفاتُه قد وقعَت في أيَّامِ إمامةِ الإمامِ السجّاد (ع) وقيلَ إنَّه بقيَ إلى أيّامِ الوليدِ بنِ عبدِ الملكِ كما في كتابِ (تاريخِ مدينةِ دمشق -ابنُ عساكر- ج45 / ص306)، وبناءً عليهِ تكونُ وفاتُه قد وقعَت بعدَ السنةِ السادسةِ والثمانين التي تسلَّم فيها الوليدُ زمامَ الخلافةِ الأمويَّة بل قيلَ إنَّ عُمرَه امتدَّ إلى أن بلغَ خمسًا وثمانينَ سنةً كما في كتابِ (سرِّ السلسلةِ العلويَّة -لأبي نصرٍ البُخاري- ص96)، فإذا كانَ مولدُه في بدايةِ خلافةِ عُمر فوفاتُه بناءً على ذلكَ تكونُ في نهايةِ العقدِ التاسعِ منَ الهجرة. وثانياً: قالَ أبو نصرٍ البُخاري في سرِّ السلسلةِ العلويَّة (ص96) عن عُمرَ بنِ عليٍّ أنَّه: "دعاهُ الحُسينُ (عليهِ السلام) إلى الخروجِ معَه فلم يخرُج، فلمَّا أتاه مصرعُه خرجَ في مُعصفراتٍ له وجلسَ بفناءِ دارِه. ويقولُ: أنا الغلامُ الحازمُ ولو خرجتُ معَهم لذهبتُ في المعركةِ وقُتلت. [ينظُر أيضاً: عمدةُ الطالبِ في أنسابِ آلِ أبي طالب- ابنُ عنبة- ص 362]. وثالثاً: أوردَ الشيخُ المُفيدُ في الإرشادِ (ج2 / ص150) قالَ: روى هارونُ بنُ موسى قال: حدَّثنا عبدُ الملكِ بنُ عبدِ العزيز قالَ: لمَّا وليَ عبدُ الملكِ بنُ مروان الخلافةَ ردَّ إلى عليِّ بنِ الحُسين صلواتُ اللهِ عليهما صدقاتِ رسولِ الله وعليٍّ بنِ أبي طالب صلواتُ اللهِ عليهما، وكانتا مضمومتين، فخرجَ عمرُ بنُ عليٍّ إلى عبدِ الملكِ يتظلَّمُ إليه مِن نفسِه، فقالَ عبدُ الملك: أقولُ كما قالَ ابنُ أبي الحقيق، وتمثَّلَ بأبياتٍ له، وامتنعَ مِن إعطائِه أو إشراكِه في الولايةِ على صدقاتِ أميرِ المؤمنين (ع). وفي أنسابِ الأشرافِ (ج7 / ص231) أنَّ عبدَ الملكِ قالَ بعدَ تمثّلِه بأبياتِ ابنِ أبي الحقيق: "لا لعمري لا أُخرجُها مِن ولدِ الحُسينِ إليك، ووصلَه عبدُ الملكِ ورجعَ مِن عندِه. وأوردَ هذه القضيّةَ -مُرسلةً- ابنُ شهراشوب في المناقب (ج3 / ص308) مع اختلافٍ في شيءٍ مِن تفاصيلِها.ورابعاً: ما نقلَه ابنُ شهرِ آشوب في المناقب (ج3 / ص308) قالَ: دخلَ مُحمّدٌ بنُ عُمر على عليٍّ بنِ الحُسين (ع) فسلَّمَ عليهِ وأكبَّ عليهِ يُقبِّله، فقالَ عليٌّ (ع): يا بنَ عمِّ لا تمنعني قطيعةُ أبيكَ أن أصلَ رحمَك، فقد زوّجتُك ابنتي خديجةَ ابنةِ عليّ.وخامساً: ومـمّا يؤيّدُ ذلكَ أنّ المزّيّ أحدَ عُلماءِ السنّةِ ترجمَ له في كتابِه تهذيبُ الكمال (ج2 / ص479)، ولكنَّه لم يذكُر أنَّه استُشهدَ في كربلاء بل ذكرَ أنَّه درجَ أي مات، على أنَّه نصَّ على أسماءِ مَن قُتلَ في كربلاء ولو بنحوِ الاحتمالِ ولم يذكُره منهم. ولأجلِ التعارضِ بينَ الأخبارِ في موقفِه مِن واقعةِ الطفِّ توقّفَ في أمرِه بعضُ العلماءِ كالعلّامةِ المامقانيّ (قدس) كما ذكرَ ذلكَ المُحقّقُ التستريّ في قاموسِ الرّجال (ج8/ص214). ولكنَّ جُملةً مِن أعلامِنا المُحقّقينَ أكّدوا على أنّه ممَّن تخلّفَ عن واقعةِ الطفِّ، فمثلاً: السيّدُ الخوئيّ قدّسَ حينَ عرضَ إلى ترجمتِه في مُعجمِ رجالِ الحديث (14/52) أكّدَ على أنّهُ لم يُذكَر في المُستشهدينَ في واقعةِ الطفِّ في شيءٍ منَ الكتبِ المُعتمدِ عليها. وجزمَ بذلكَ المُحقّقُ التستريّ في كتابِه (قاموسُ الرّجال، ج ٨، ص ٢١٤) لـمّا قال: أمّا عدمُ حضورِه الطفَّ فأمرٌ مقطوع ، فذكرَ الطبريُّ وابنُ قتيبةَ وابنُ عبدِ ربّه وأبو الفرجِ والمُفيد وغيرُهم منَ العامّةِ والخاصّة مَن شهدَ الطفَّ ومَن قُتلَ معه - عليهِ السّلام - ولم يذكروه فيهم ولم يُشيروا إلى اختلافٍ فيه ، كما أشاروا في عُبيدِ اللّه بنِ عليّ ، وإبراهيمَ بنِ عليّ ، وعليٍّ بنِ عقيل ، وجعفرٍ بنِ مُحمّدٍ بنِ عقيل.  ولمزيدٍ منَ التعرّفِ على أحوالِ عُمرَ بنِ الإمامِ عليّ (ع) ومواقفِه في الطفِّ وغيرِها، ينبغي مُراجعةُ كتابِ التسمياتِ للسيّدِ عليٍّ الشهرستانيّ ص347 وما بعدَها]. ودمتُم سالِمين.