هل يَجتَمِعُ البَغْيُ مع الإيمَانِ؟!!
يَقُولُ تَعَالى: (وإنْ طَاٸِفتَانِ مِن المُٶمِنِینَ اقْتتَلُوا) حيثُ سمَّاهُم مُٶمِنِینَ. وقَالَ أمِیرُ المُؤمِنینَ (علَيه السَّلامُ): (هُم إخوَانُنا بَغَوْا علَیْنا) فلِمَاذا يُنكِرُ الشِّيعَةُ إيمَانَ مَن قَاتَلَ أمِيرَ المُؤمِنِينَ (علَيه السَّلامُ)؟
الأخُ المُحتَرمُ.. السَّلامُ علَيكُم ورَحمةُ اللهِ وبَركَاتُه.
مِن الصُّعُوبةِ بمَكَانٍ أنْ نَقُولَ: إنَّ الآيَةَ الكَرِيمةَ وَصَفتْ البُغَاةَ بالمُؤمِنِينَ، بل هذا وَصْفٌ قَبلَ بَغْيِهِم وتَعدِّيهِم، وإلَّا صِرْنَا للتَّناقُضِ في كِتَابِ اللهِ، وهو مُحَالٌ عَقلاً وشَرعاً؛ لأنَّ البَغْيَ في اللُّغَةِ - كمَا عن ابنِ مَنظُورٍ في لِسَانِ العَرَبِ ج 1 ص 457-: هو التَّعدِّي. وبَغَى الرَّجُلُ علَيْنا بَغْياً عَدلَ عن الحَقِّ واسْتطَالَ. الفرَّاءُ في قَولِه تَعَالى: (قل إنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وما بَطَنَ والإثْمَ والبَغْيَ بغَيْرِ الحَقِّ) قَالَ: البَغْيُ الإسْتِطَالةُ على النَّاسِ. وقَالَ الأزْهَريُّ: مَعنَاهُ الكِبَرُ، والبَغْيُ الظُّلْمُ والفَسَادُ. انتَهى.
ومِن حيثُ الشَّرعُ قَالَ النَّووِيُّ في "المَجْمُوع شَرحُ المُهذَّبِ" ج19 ص191: "كِتَابُ قِتَالِ أهلِ البَغْيِ":
لا يَجُوزُ الخُرُوجُ عن الإمَامِ لما رَوَى ابنُ عُمَرَ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) قَالَ: مَن نَزَعَ يَدَه مِن طَاعَةِ إمَامِه فإنَّه يَأتِي يَومَ القِيامَةِ ولا حُجَّةَ له. ومَن مَاتَ وهو مُفارِقٌ للجَمَاعةِ فإنَّه يَمُوتُ مِيتَةً جَاهِليَّةً.
ورَوَى أبو هُرَيرَةَ (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: مَن حَمِلَ علَيْنا السِّلَاحَ فَليسَ منَّا. انتَهى.
وأيضَاً جَاءَ في صَحِيحِ البُخارِي بأنَّ الفِئةَ البَاغِيةَ التي قَاتَلتْ أمِيرَ المُؤمِنِينَ عليّاً (علَيه السَّلامُ) كَانَتْ تَدْعُو إلى النَّارِ.
فقَد رَوَى البُخَارِيُّ في صَحِيحِه [رَقمُ الحَدِيثِ 2601] أنَّ رَسُولَ اللهِ (ص) قَالَ: (وَيحُ عمَّارٍ تَقتُلُه الفِئَةُ البَاغِيَةُ، عمَّارٌ يَدعُوهُم إلى اللهِ ويَدعُونَه إلى النَّارِ). انتَهى.
فمَع كُلِّ هذِهِ البَيانَاتِ اللُّغوِيَّةِ والشَّرعِيَّةِ النَّبوِيَّةِ كيفَ يُمكِنُ لنا أنْ نُطلِقَ على الظَّالِمِينَ والمُعتَدِينَ والدُّعَاةِ إلى النَّارِ بأنَّهُم مُؤمِنُونَ؟!!!!
نعم، يُمكِنُ القَولُ بأنَّهم مُسلِمُونَ لأنَّهم لم يَكفُرُوا بالأُصُولِ الثَّلاثَةِ (التَّوحِيدُ والنُّبوَّةُ والمَعَادُ) فكَانُوا مِن هذِهِ النَّاحِيَةِ إخوَاناً للمُسلِمِينَ كمَا وَصَفَهُم الإمَامُ أمِيرُ المُؤمِنِينَ عليٌّ (علَيه السَّلامُ) بقَولِه: (إخوَانُنَا بَغَوْا علَيْنا) .. ومِن هُنا تَجِدُ كُلَّ عُلمَاءِ المُسلِمِينَ يَقُولُونَ: كُلُّ مُؤمِنٍ مُسلِمٌ ولا عَكْسَ. أي مِن المُمكِنِ أنْ يَكُونَ الإنسَانُ مُسلِماً لكنَّه يَرتَكِبُ الآثَامَ والمَعَاصِيَ ويَتَعدَّى الحُدُودَ فلا يُسمَّى مُؤمِناً.
ودُمتُم سَالِمينَ.
اترك تعليق