استعراض تأريخي للوثنيات القديمة

: الشيخ ليث العتابي

 

 لا بدّ من التعرض ـ هنا ـ وبشكل موجز للوثنيات القديمة المشهورة، والتي تعتبر أساس الشرك، وسبب انتشاره في المجتمعات القديمة، والذي لا زال بعضها موجوداً بنفسه، وبعضها برواسبه التي نراها هنا وهناك حتّى وسط، وداخل الديانات الموحّدة، فالعادات الوثنية، والجاهلية ما انفكت باقية في المجتمعات ما دام أعداء الدين، ومن تلبس بالدين موجودا. لذا سوف نستعرض هذه الوثنيات القديمة لتحصيل فهم تأريخي عام عنها:

1ـ الوثنية البرهمية:

تعتبر الوثنيات الهندية من أقدم الوثنيات على الأرض، وانتشرت تعاليمها وطقوسها إلى المجتمعات، والديانات الأخرى، بحيث نلاحظ طقوساً منها في الكثير من الأديان الأخرى كالمسيحيّة، واليهوديّة، وغيرها، وجاء قدم الديانات الهندية الوثنية بسبب قدم الحضارة الهندية، كما وجاء اسم الديانة البرهمية من (برهمن) أو (براهما)، وهو اسم أول ملوك الهند، والذي يعتبر المشيّد لحضارتها، والمؤسس لقواعد المدنية فيها.

ومن المرجح أنّ (البرهمية) نشأت بعد موت (براهما)؛ لكون قومه قد عبدوه، كما هو ديدن الأمم السالفة التي تخلد عظمائها من خلال عبادتهم، وأقامة التماثيل والنصب والأصنام لهم، كما ويعتبر (براهما) المعبود الأول، والأقدم، والأكبر لدى الهنود، إذ يعتبر ـ حسب معتقدهم ـ أصل كل الموجودات، و(براهما) هذا، يجعله الهنود العاكس للاقانيم الثلاثة التي تمثل الثالوث المقدس للهنود والذي هو: (براهما(1), ويشنوا(2), سيفا(3)) .

وعبدة (براهما) يقال لهم: (البرهميون)، أو (البراهمة)، كما وأنّ كتابهم المقدس هو: (الفيدا)، أو (الويدا)، و(فيدا) كلمة سنسكريتية تعني: المعرفة، ومعنى كتابهم هو: (كتاب المعرفة)، وهو أشبه بالإنجيل والتوراة إذ يحوي على أسفار أربعة هي:

1ـ سفر (رج) أو معرفة ترانيم الثناء.

2ـ سفر (ساما) أو معرفة الأنغام.

3ـ سفر (باجورا) أو معرفة الصيغ الخاصة بالقرابين.

4ـ سفر (أثارقا) أو معرفة الرقي السحرية.

إلاّ أنّه قد حصل (300 ق.م) تحول في الديانة البرهمية أدى إلى ظهور الديانة الهندوسية، التي تؤمن بالثالوث المقدس، مما أدى بالديانة المسيحيّة المحرَّفة، والمتأثرة بالفلسفات اليونانيّة، والشرقيّة إلى القول بالتثليث أيضاً. كما وكان للهنود القدماء عبادات أخرى كثيرة منها: (الناجا, والمانوية, والجانتية, والطوطمية )(4).

2ـ الوثنية البوذية:

البوذية أي الذين يعبدون بوذا (سقياموني) المتوفى سنة (543 ق م)، حسب المدّعى للتاريخ السيلاني. وقصة ولادة (بوذا) هذا تشبه إلى حدّ كبير قصة ولادة عيسى (عليه السلام)، كما وكان المدعو (بوذا) ـ وحسب المدّعى ـ المصلح للديانة البرهمية إذ أصبح (بوذا) الإله المعبود لدى الهندوس، كما وأنّ تعاليمه جمعت في كتاب واحد اسمه (البتاكات) أو (سلال القانون)(5). وقد انتشرت هذه الديانة في المناطق الهندو أسيوية، خصوصاً سكان الهميلايا.

3ـ الوثنية الصينية:

وهي عبارة عن عقائد الحادية قائمة على عبادة غير الله تعالى منها: ـ

1ـ عقيدة (ليتن) أي عبادة السماء.

2ـ عقيدة (يان كو).

3ـ عقيدة (جونك دزة) و(لو دزة).

4ـ الكونفوشيوسية: وهي عبادة كونفوشيوس، المشابهة للبوذية(6).

4ـ الوثنية اليابانية:

وتتكون من عقائد متعددة تجمعها الصبغة الإلحادية ومنها:

1ـ عقيدة (أيزا ناجي) و(أيزا نامي).

2ـ عقيدة (شنتو) وهي: عبادة الأسلاف.

3ـ عقيدة (ماهايانا) وهي: عبادة (اميدا) و(كوانون).

4ـ عقيدة (الميكادو)(7).

5ـ الوثنية المصرية:

فقد آمن المصريون القدماء بتعدد الآلهة، وأنّ هنالك إلهاً واحداً هو أعلى من باقي الآلهة وسموه (إله الآلهة). كما وكان للناس في مصر معبد وإله في كل منطقة، ومن أشهر آلهتهم المسمّى (أمون)(8). وإنّ مبدأ التثليث موجود لديهم إذ يتمثل التثليث المصري القديم بـ(أوزيروس) الإله الأب، و(إيزيس) الأم الحزينة أو إله الموت، و(هورس) إله الشمس(9).

6ـ الوثنية الرومانية:

لقد كان للرومان آلهة لا تعد ولا تحصى، إذ جعلوا لكل شيء إله، حتّى يحصي لهم التاريخ أكثر من ثلاثين ألف إله، فكان همهم الوحيد هو كيفية كسب رضا الآلهة والحصول على عونها. كما وكان رب البيت يعبد في بيته، فإذا مات اتخذ له صنم يعبده أهل بيته(10).

7ـ الوثنية اليونانية:

كان المجتمع اليوناني يعبد آثار الطبيعة من شمس وقمر وكواكب ومؤثراتها، بل كل أشكال الطبيعة. كما وكان لهم آلهة أشهرهم (زيوس)، والذي يعد عندهم رب الأرباب 

كما وكانت له زوجة هي (هيرا)، وله أبناء ثلاث هم: (هرمس) و(ارتميس) و(ابولون). والكثير من العقائد، والآلهة المتعددة والمتنوعة(11).

8ـ الوثنية الفارسية:

كان من أقدم معتقدات هذه الوثنية الديانة (الثنوية)، ومن ثم اعتقدوا بتعدد الآلهة، ومن ثم عبادة (أمشا سبندان) وغيره من الآلهة (الستة) وعبادة (النار) و(الزردشتية) وما شاكلها من الوثنيات المنتشرة في بلاد فارس.

9ـ الوثنية الصابئة أو (الصابئية):

وتقوم هذه الوثنية على ربط الكون والفساد وحوادث العالم الأرضي والإنساني إلى الأجرام السماوية (الشمس، القمر، عطارد، الزهرة، المريخ، المشتري، زحل).

وإنّها بما لها من الروحانيات المتعلّقة بها هي المدبرة للنظام، وهي الوسائط بين الله سبحانه وبين هذا العالم، ومن الواجب ـ حسب مدّعاهم ـ أن يُتخذ لها الأصنام والتماثيل للتقرب لها من خلال عبادة تلك الأصنام والتماثيل، وقد ذكر المؤرخون أنّ المؤسس لهذه الديانة هو: (يوذاسف) المنجم الذي ظهر بأرض الهند في زمن ملك إيران (طهمورث). ومن الصابئيّة انتشر السحر والروحانيات الباطلة ولا زالت.

10 ـ وثنية العرب: 

وقد وضّح القران الكريم هذه الوثنية وأكثر من ذكرها؛ لكونها الأقرب لهذا الكتاب الكريم والوثنية التي خاض الإسلام صراعه معها، إذ قد حارب الإسلام هذه الوثنية ودعا إلى التوحيد ونبذ الشرك وعبادة الله الواحد الأحد الفرد الصمد. 

وديانة العرب قبل الإسلام عبارة عن خليط ما بين حنفية ويهودية ومسيحية ومجوسية وعبادة الأصنام، وذلك بسبب اختلاط العرب مع أصحاب هذه الديانات، أمّا بسبب التجارة، أو الغزو، أو المصلحة، أو الجهل، والفراغ. كما وأنّ عمر بن لحي الخزاعي، وبعد أن استولى على مكة، ومن والاها, مرض مرضاً شديداً فوصفوا له عين حمئة في البلقاء من أرض الشام، وأنّه لو استحم بها بريء, فقصدها واستحم بها فبريء, لكنّه شاهد هناك قوماً يعبدون الأصنام فسألهم عنها فقالوا: هذه أرباب اتخذناها على شكل الهياكل العلويّة، والأشخاص البشريّة نستنصر بها فننتصر، ونستسقي بها فنسقى, فأعجبه ذلك فطلب منهم صنماً من أصنامهم، فدفعوا أليه (هبل)، فرجع إلى مكة، ووضعه على الكعبة، وكان معه (أساف)، و(نائلة)، وهما على شكل زوجين, فدعا الناس إلى عبادة الأصنام، وراج ذلك بين قومه فعبدوها بعد أن كانوا موحدين, حتّى انتشرت عبادة الأصنام لدى العرب كانتشار النار في الهشيم، وأصبح لكل قوم، وجماعة، وقبيلة، بل لكل بيت، وكل فرد صنم يعبده.

يقول سيد حسين أل بحر العلوم: (كان لكل قبيلة من قبائل العرب صنم يفتخرون به، ويعتزون بالخضوع أمامه، ونحر القرابين عنده، واستدرار بركة السماء منه، وربّما اشتركت عدة قبائل في الانضواء تحت صنم واحد)(14).

وأشهر تلك الأصنام: (ود، سواع، اللات، العزى، مناة، جهار، يغوث، يعوق، نسر، عميانس).

يقول السيد محمد حسين الطباطبائي: (الوثنية وإن رجعت ـ بالتقريب ـ إلى أصل واحد هو اتخاذ الشفعاء إلى الله، وعبادة أصنامها وتماثيلها، ولعلها استولت على الأرض، وشملت العالم البشري مراراً كما يحكيه القرآن الكريم عن الأمم المعاصرة لنوح وإبراهيم وموسى (عليهم السلام)، إلاّ أنّ اختلاف المنتحلين بها بلغ من التشتت وأتباع الأهواء، والخرافات مبلغاً كان حصر المذاهب الناشئة فيها كالمحال وأكثرها لا تبتني على أصول متقررة، وقواعد منتظمة متلائمة )(15).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أي الخالق.

(2) أي الواقي.

(3) أي المهلك أو المبيد.

(4) للمراجعة والمزيد من المعلومات عن هذه الديانة وغيرها تراجع الكتب التالية: ـ

1ـ قصة الحضارة، ويل ديورانت .

2ـ قصص الأنبياء والمرسلين، عبد الوهاب النجار.

3ـ فلسفة الخليقة، كاظم ناصر الحسن.

4ـ موسوعة الأديان في العالم، دار اكسبريس انتر ناشيونال.

5ـ مقارنة الأديان، ج 4 (أديان الهند الكبرى)، احمد شلبي.

6ـ تفسير الميزان، السيد الطباطبائي، ج 10 , سورة هود الآية 36 ـ 49.

(5) للمزيد يراجع المصدر السابق.

(6) المصدر السابق.

(7) يراجع المصدر السابق.

(8) يراجع المصدر السابق.

(9) التعددية الدينية، هادي الصادقي.

(10) تفسير الميزان.

(11) المصدر السابق.

(12) المصدر السابق.

(13) المصدر السابق.

(14) ملامح العظمة، ص 12 ـ 13.

(15) تفسير الميزان، ج 10 , ص 294 , سورة هود الآيات 36 ـ 49.