العَقِيدَةُ المَهدَوِيَّةُ.

حَمُّودِي السُّلُوفَاكِي: فِي الحَقِيقَةِ أَنَّ الشِّيعَةَ الإثْنَي عَشَرِيَّةِ يُهِينُونَ مُعْتَقَدَهُمْ بالمَهْدِيِّ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ. الكُلُّ يَعْرِفُ أَنَّ وُجُودَ أَيِّ إمَامٍ يَقْتَضِي أَنْ يَقُومَ بِوَاجِبَاتِهِ الَّتِي تَرْسُمُهَا لَهُ مَسْؤُولِيَّةُ الإمَامَةِ مِنْ رَدِّ الشُّبُهَاتِ والمُحَاجَجَةِ وَتَوْضِيحِ الدِّينِ وَدَرْئِ التَّفَاسِيرِ العَدِيدَةِ لِلدِّينِ الَّتِي أَنْهَكَتْ الإِسْلَامَ بِمَصَائِبِ التَّكْفِيرِ وَالقَتْلِ بَيْنَ فِرَقِ الإِسْلَامِ. إنَّ الشِّيعَةَ يَقُولُونَ بِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنِ الحَسَنِ مَوْجُودٌ، وَهَذَا لَيْسَ لُبَّ المُشْكِلَةِ، المُشْكِلَةُ الحَقِيقِيَّةُ هِيَ مَا فَائِدَةُ وُجُودِهِ؟؟

: اللجنة العلمية

     السَّلَامُ عَلَيكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ.

     يُمْكِنُ بَيَانُ الجَوَابِ مِنْ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ:  

     الأَوَّلُ: إِنْ عَرَفْتَ شَيْئاً فَقَدْ غَابَتْ عَنْكَ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ، فَإِنَّ للإمَامِيَّةِ فِي عَقِيدَتِهِمْ بِالإِمَامِ الثَّانِي عَشَرَ عَشَرَاتِ الأَدِلَّةِ عَقْلِيَّةً وَنَقْلِيَّةً، وَكُتُبُهُمْ الكَلَامِيَّةُ زَاخِرَةٌ بِتِلْكَ الأَدِلَّةِ. 

     فَدَعْوَى الإهَانَةِ بِالإعْتِقَادِ بِالإِمَامِ الثَّانِي عَشَرَ إِهَانَةٌ مِنْ السَّائِلِ الَّذِي يُبِيِّنُ تَصَوُّرَهُ السَّاذِجَ فَقَطْ، وَجَهْلَهُ بِتِلْكَ الأَدِلَّةِ المَسطُورَةِ فِي مَحَلِّهَا.

     الثَّانِي: أَنْ دَأَبَ الأَئِمَّةِ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) هُوَ تَأْسِيسُ الأُصُولِ، الَّتِي يُرْجَعُ إلَيْهَا عِنْدَ تَفْصِيلِ المَسَائِلِ الَّتِي يُحْتَاجُ إِلَيْهَا فِي مَقَامِ العَمَلِ.

     وَهَذِهِ سَنَّةٌ عُقَلائِيَّةٌ تَجِدُ جَمِيعَ المُجْتَمَعَاتِ المُتَحَضِّرَةِ يَسُنُّ لَهُمْ المُشَرِّعُونَ وَالمُخْتَصُّونَ قَوَانِينَ عَامَّةً كُلِّيَّةً يُرْجَعُ إِلَيْهَا عِنْدَ العَمَلِ كُلٌّ بِحَسَبِ حَاجَتِهِ، وَلَا دَخْلَ لِلمُشَرِّعِ فِي التَّطْبِيقِ، بَلْ المُحَامِينَ والإدارِيِّينَ وَالأَكَادِيمِيِّينَ هُمْ مَنْ يَقُومُونَ بِعَمَلِيَّةِ تَطْبِيقِ تِلْكَ القَوَانِينِ العَامَّةِ الكُلِّيَّةِ عَلَى مَوَارِدِهَا.

     وَهَذَا بِالضَبْطِ مَا يَفْعَلُهُ الفُقَهَاءُ مِنْ تَطْبِيقٍ لِلقَوَاعِدِ العَامَّةِ المُستَفَادَةِ مِنْ الكِتَابِ الكَرِيمِ وَالسُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ عَلَى مَوَارِدِهَا الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَيْهَا.

      الثَّالِثُ: أنَّ عَقِيدَةَ الإمَامِيَّةِ أَيَّدَهُمْ اللهُ تَعَالَى لَيْسَتْ هِيَ مَنْشَأَ التَّكْفِيرِ وَالقَتْلِ، فَإِنَّ السَّائِلَ مِنْ الوَاضِحِ جَلِيّاً أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ وِفْقَ تَصَوُّرَاتِهِ المُجَرَّدَةِ عَنْ قِرَاءَةِ التَّأْرِيخِ، فَرَاجِعْ كِتَابَ "تُحْفَةِ الأحْوَذِي فِي شَرْحِ جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ" تَجِدُ الفَتَاوَى بِقَتْلِ الشِّيعَةِ لَا لِأَجْلِ الإعْتِقَادِ بِالإِمَامِ المَهْدِيِّ، بَلْ لِأَنَّهُمْ شِيعَةٌ، وَرَاجِعْ فَتَجِدُ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ.

     الرَّابِعُ: أنَّ السَّائِلَ يَرَى إصْلَاحَ المُسْلِمِينَ هُوَ بِتَرْكِ عَقِيدَةِ الإمَامِيَّةِ بِالإِمَامِ المَهْدِيِّ، وَهَذَا مُجَرَّدُ تَخَرُّصٍ وَأَوْهَامٍ، فَمَنْ قَرَأَ التَّأْرِيخَ وَاطَّلَعَ عَلَى مَسْأَلَةِ خَلْقِ القُرْآنِ كَمِثَالٍ، يَجِدُ أَنَّ المُعْتَزِلَةَ والأشَاعِرَةَ تَقَاتَلُوا وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِقَتْلِ بَعْضٍ وَسَالَتْ الدِّمَاءُ زَمَاناً طَوِيلاً مَعَ أَنَّ الإِمَامَ المَهْدِيَّ لَمْ يَكُنْ مَوْلُوداً بَعْدُ.

     وَمَا قِصَّةُ تَعْذِيبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ سَوْفَ نَبُلُّ، وَقَتْلِ السَّهرَورْدِي وووو، إِلَّا شَاهِدٌ عَلَى ذَلِكَ، فَلَيْسَ القَاتِلُ يُؤْمِنُ بِالإِمَامِ المَهْدِيِّ وَلَا المُعَذِّبُ، وَلَا المَقْتُولُ وَلَا المُعَذَّبُ كَذَلِكَ.

     الخَامِسُ: لَوْ كَانَتْ الفَائِدَةُ تَنْحَصِرُ بِالحُضُورِ فَلَا فَائِدَةَ مِنْ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَلَا الخُلَفَاءَ وَلَا الصَّحابَةَ وَلَا التَّابِعِينَ وَلَا أَئِمَّةِ المَذَاهِبِ الأَرْبَعِ لَدَى العَامَّةِ، لِأَنَّ الجَمِيعَ لَيْسَ بِحَاضِرٍ.. مَعَ أَنَّ جَمِيعَ المُسْلِمِينَ مُتَّفِقُونَ عَلَى حُصُولِ الفَائِدَةِ مِنْهُمْ مَعَ أَنَّهُمْ أَمْوَاتٌ.

     وَكَذَا العِلْمُ الحَدِيثُ يَنْتَفِعُ مِنْ عُلَمَاءَ هُمْ اليَوْمَ غَيْرُ حَاضِرِينَ أَمْثَالُ سُقْرَاطَ فِي النُّظُمِ الإجْتِمَاعِيَّةِ، وَابْنِ سِينَا فِي الطِّبِّ، وأنشتاين فِي الطَّاقَةِ وَكَثِيرِينَ. 

     السَّادِسُ: أنَّنَا نُؤْمِنُ أَنَّ لِلإِنْسَانِ بَدَناً وَرُوحاً، وَكَمَا أنَّنَا نَحْتَاجُ فِي سُقْمِ الأَبْدَانِ إِلَى طَبِيبٍ حَاضِرٍ لِلمُعَايَنَةِ أَوْ لغَائِبٍ لِمُرَاجَعَةِ عِلْمِهِ وَتَحْلِيلِهِ لِلأَمْرَاضِ كَمَا يُفْعَلُ مَعَ الرَّازِي وَابْنِ النَّفِيسِ، كَذَلِكَ فِي سُقْمِ الأَرْوَاحِ نَحْتَاجُ إِلَى طَبِيبٍ مَعَايِنٍ يُشَخِّصُ المُنَغِّصَاتِ وَيَمْنَحُ الحُلُولَ، مِثْلِ البَابَا عِنْدَ المَسِيحِ، وَالمُرَبِّي لَدَى الصُّوفِيَّةِ، وَالأَخْلَاقِيِّ لَدَى الإمَامِيَّةِ، كَذَلِكَ نَحْتَاجُ إِلَى طَبِيبٍ وَإِنْ كَانَ غَائِباً، لَكِنْ لِمُرَاجَعَةِ عِلْمِهِ وَآثَارِهِ وَتَأْيِيدَاتِهِ الغَيبِيَّةِ.

     وَفِي الخِتَامِ نَحْنُ لَا نَفْرِضُ عَلَى الآخَرِينَ مُعْتَقَدَنَا، لَكِنْ لِلأَسَفِ الآخَرُونَ يَعْتَرِضُونَ عَلَيْنَا دُونَ أَنْ يَعْتَرِضُوا عَلَى البُوذِيَّةِ وَلَا الهِنْدُوسِيَّةِ وَلَا سَائِرِ الطَّوَائِفِ الدِّينِيَّةِ الأُخْرَى مِنْ يَهُودِيَّةٍ بِكَافَّةِ تَقْسِيمَاتِهَا وتَفْرِيعَاتِهَا، وَكَذَلِكَ المَسِيحِيَّةُ، بَلْ وَحَتَّى بَاقِي الفِرَقِ الإِسْلَامِيَّةِ مِنْ أَشْعَرِيَّةٍ ومُعتَزِليَّةٍ بِكَافَّةِ أَنْوَاعِهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِلشُّعُورِ الدَّاخِلِيِّ لَدَى الخَصْمِ - وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ مَغْزَاهُ - بأحَقِّيَّةِ هَذَا المَذْهَبِ الَّذِي مُورِسَ عَلَيْهِ الضَّغْطُ مِنْ مِئَاتِ السِّنِينَ وَهُوَ صَلِبٌ فِي مُعْتَقَدِهِ وَأَدِلَّتِهِ وَمَفَاهِيمِهِ، لِأَنَّهُ يَرْتَكِزُ عَلَى أَرْضٍ صُلْبَةٍ.

     وَأَخِيراً: أنَّ العُلَمَاءَ المُسمَّوْنَ بِالتَّنْوِيرِيِّينَ، مِثْلَ أَركون وَفُؤَاد زَكَرِيَّا وَجَمِيعِ العُلَمَاءِ الَّذِينَ هَاجَمُوا الإِسْلَامَ هُمْ فِي الأَعَمِّ الأَغْلَبِ يَهْجُمُونَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ، لَا مِنْ جِهَةِ عُلَمَاءِ الإمَامِيَّةِ، إلَّا مَنْ اسْتُؤجِرَ وَهُمْ قَلِيلُونَ لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ.