وُجُودُ الخَالِقِ قَبْلَ وُجُودِ الخَلْقِ.
لُؤَي /: مَا مَعْنَى أَنْ نَقُولَ: إنَّ الخَالِقَ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ أَيُّ شَيْءٍ؟ مَعْنَى هَذَا أَنَّ اللهَ نَفْسَهُ كَانَ خَارِجَ الوُجُودِ، وَهَذَا شَيْءٌ يَسْتَحِيلُ تَصَوُّرُهُ، وَأَجِدُ عَقْلِي يَتَسَاءَلُ: مَا الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهُ الخَالِقُ فِي لَحَظَاتِ اللَّا بِدَايَةَ؟ تُرَى مَا الَّذِي كَانَ يَشْغَلُهُ؟ مَعْنَى أَنَّهُ لَا بِدَايَةَ لَهُ، أَنَّ أَفْعَالَهُ أَيْضًا لَا بِدَايَةَ لَهَا، فَمَا هِيَ هَذِهِ الأَفْعَالُ يَا تُرَى؟ وَأَسْئِلَةٌ كَثِيرَةٌ وَكَثِيرَةٌ أَجِدُ إِجَابَتُهَا تَسْتَحِيلُ عَلَى عَقْلِي!
الأَخُ لُؤَي المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ عَلَيْكَ أَنْ تُؤْمِنَ بِأَنَّهُ لاَبُدَّ لِهَذَا الخَلْقِ وَالْكَوْنِ مِنْ خَالِقٍ، وَهَذِهِ اللَّابُدِّيَّةُ هِيَ لَابُدِّيَّةٌ عَقْلِيَّةٌ يَفْرِضُهَا العَقْلُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَدَلِيلُهَا هُوَ هَذَا:
تُوجَدُ عِنْدَنَا فُرُوضٌ أَرْبَعَةٌ فِي خَلْقِ هَذَا الْكَوْنِ:
1- إِمَّا أَنَّهُ لَمْ يُوجِدْهُ أَحَدٌ، بَلْ كَانَ وُجُودُهُ بِنَفْسِهِ هَكَذَا وَمِنْ دُونِ مُوجِدٍ لَهُ.
2 - أَوْ يَكُونُ هُوَ الَّذِي أَوجَدَ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ.
3 - أَوْ أَوْجَدَهُ شَيْءٌ مِثْلُهُ مَسْبُوقٌ بِالعَدَمِ، لِأَنَّ الْكَوْنَ قَبْلَ وُجُودِهِ كَانَ مَسْبُوقًا بِالعَدَمِ، وَيَكُونُ مُوجِدُهُ مِثْلَهُ مَسْبُوقًا بِالعَدَمِ.
4 - أَوْ أَوْجَدَهُ شَيْءٌ غَيْرُ مَسْبُوقٍ بِالعَدَمِ.
هَذِهِ هِيَ فُرُوضٌ عَقْلِيَّةٌ أَرْبَعَةٌ وَلَا يُوجَدُ لَهَا خَامِسٌ فِي مَوْضُوعِ وُجُودِ الْكَوْنِ.
وَالفَرْضُ الأَوَّلُ مِنْهَا بَاطِلٌ بِكُلِّ وُضُوحٍ، لِأَنَّهُ لاَبُدَّ لِلأَثَرِ مِنْ مُؤَثِّرٍ، وَلَا يُوجَدُ أَثَرٌ لَا مُسَبِّبٌ وَلَا مُؤَثِّرٌ لَهُ.
وَالفَرْضُ الثَّانِي بَاطِلٌ أَيْضًا، لِأَنَّ المَعْدُومَ لَا يُوجِدُ شَيْئًا، فَالْكَوْنُ قَبْلَ وُجُودِهِ كَانَ عَدَمًا فَكَيْفَ يُوجِدُ نَفْسَهُ؟!!
وَالفَرْضُ الثَّالِثُ بَاطِلٌ أَيْضًا; لِأَنَّ المُوجِدَ إِذَا كَانَ مَسْبُوقًا بِالعَدَمِ فَهُوَ يَحْتَاجُ إِلَى مُوجِدٍ أَيْضًا، وَإِذَا نَقَلْنَا الكَلَامَ إِلَى مُوجِدِهِ المَسْبُوقِ بِالعَدَمِ أَيْضًا فَهُوَ يَحْتَاجُ إِلَى مُوجِدٍ كَذَلِكَ، وَهَكَذَا يَتَسَلْسَلُ الكَلَامُ إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ، وَهَذَا بَاطِلٌ.
فَيَبْقَى الفَرْضُ الرَّابِعُ وَالأَخِيرُ، وَهُوَ أَنَّ مُوجِدَ هَذَا الْكَوْنِ بِأَفْلَاكِهِ وَمَجَرَّاتِهِ وَإِنْسَانِهِ وَسَمَائِهِ وَأَرْضِهِ غَيْرُ مَسْبُوقٍ بِالعَدَمِ، وَمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ مَسْبُوقٍ بِالعَدَمِ أَنَّهُ لَا بِدَايَةَ لَهُ.
تَقُولُ: فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، مَاذَا كَانَ يَفْعَلُ مُنْذُ ذَلِكَ الوَقْتِ وَإِلَى الآنَ؟
نَقُولُ لَكَ: نَحْنُ إِلَى الآنَ لَا نَعْلَمُ بِمَا يَجْرِي فِي الكَوَاكِبِ الأُخْرَى الَّتِي نَكْتَشِفُهَا كُلَّ يَوْمٍ بِآلَاتِنَا، وَنُشَاهِدُهَا بِالأَجْهِزَةِ المُتَطَوِّرَةِ، وَنُصَرِّحُ بِشَكْلٍ قَطْعِيٍّ بِوُجُودِ مَلَايِينِ بَلْ مِلْيَارَاتِ المَجَرَّاتِ فِي هَذَا الفَضَاءِ وَلَا نَعْرِفُ مَا هُوَ عَمَلُهَا وَمَنْ فِيهَا، وَنَظُنُّ بِوُجُودِ كَائِنَاتٍ مُعَيَّنَةٍ فِيهَا وَلَكِنَّنَا نَجْهَلُ مَاهِيَّتَهَا وَطَبِيعَتَهَا، فَتُرِيدُنَا أَنْ نَعْرِفَ مَاذَا كَانَ يَفْعَلُ رَبُّنَا قَبْلَ خَلْقِنَا؟!!
إِنَّ هَذَا مَطْلَبٌ بَعِيدٌ عَنْ المَعْرَفَةِ البَشَرِيَّةِ، وَلَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ الإِحَاطَةُ بِهِ إِلَّا بِإِخْبَارِ الخَالِقِ نَفْسِهِ.
وَحَتَّى هَذِهِ الأَلْفَاظِ (الزَّمَانِ وَالمَكَانِ) هِيَ مَخْلُوقَةٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، فَأَنْتَ تَعْرِفُ السَّاعَاتِ وَالأَيَّامَ وَالشُّهُورَ لِأَنَّكَ ضِمْنَ هَذِهِ المَنْظُومَةِ مِنْ حَرَكَةِ الأَرْضِ حَوْلَ نَفْسِهَا وَحَوْلَ الشَّمْسِ، فَمَا بَالُكَ لَوْ غَادَرْنَا هَذِهِ المَنْظُومَةَ الشَّمْسِيَّةَ إِلَى مَنْظُومَةٍ أَكْبَرَ مِنْهَا، وَحَرَكَةِ الكَوَاكِبِ تَخْتَلِفُ فِيهَا، كَيْفَ سَيَكُونُ الزَّمَانُ هُنَاكَ؟!! لَا نَدْرِي وَاقِعًا!!!
فَهَذِهِ المَسائِلُ - أَخِي الكَرِيمُ - وَنَحْوُهَا، سَوَاءٌ عَلِمْنَا بِهَا أَمْ لَمْ نَعْلَمْ، لَا تُبْطِلُ إِيمَانًا وَلَا تُثْبِتُ مُدَّعًى، بَلْ هِيَ أُمُورٌ مَعْرِفِيَّةٌ لَا أَكْثَرُ، إِنْ عَرَفْنَاهَا ازْدَدْنَا مَعْلُومَةً لَا أَكْثَرَ، وَإِنْ لَمْ نَعْرِفْهَا لَا تُؤَثِّرُ عَلَى إِيمَانِنَا بِوُجُودِ خَالِقٍ لِهَذَا الْكَوْنِ، كَمَا أَثْبَتْنَاهُ بِالدَّلِيلِ العَقْلِيِّ القَطْعِيِّ.
أَمَّا قَوْلُكَ: (إنَّ الخَالِقَ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ أَيُّ شَيْءٍ؟ مَعْنَى هَذَا أَنَّ اللهَ نَفْسَهُ كَانَ خَارِجَ الوُجُودِ) فَلَا نَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا مِنْ عَقْلٍ وَلَا ظَنٍّ حَتَّى.. فَهَلْ الوُجُودُ عِنْدَكَ هُوَ الْكَوْنُ فَقَطْ وَغَيْرُهُ لَا وُجُودَ أَمْ مَاذَا تَقْصِدُ؟ وَكَيْفَ يَكُونُ الْكَوْنُ هُوَ الوُجُودَ فَقَطْ وَهُوَ مَسْبُوقٌ بِالعَدَمِ كَمَا أَثْبَتْنَاهُ سَابِقًا، أَيْ يَحْتَاجُ إِلَى مُوجِدٍ يُوجِدُهُ؟!!
نَرْجُو التَّأَمُّلَ جَلِيًّا فِي مُدَّعَيَاتِكَ وَأَرْدِفْنَا بِقَوْلٍ سَلِيمٍ مِنْ عَقْلٍ وَتَدَبُّرٍ وَنَحْنُ بِخِدْمَتِكَ نُجِيبُكَ عَنْ أَيِّ إِشْكَالٍ يَطْرَأُ فِي ذِهْنِكَ.
وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.
اترك تعليق