مَتَى ظَهَرَ التَّشَيُّعُ؟!!

Renas Baiz/:    سُؤَالٌ: مَتَى ظَهَرَ أَهْلُ الشِّيعَةِ؟

: اللجنة العلمية

     الأَخُ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. 

     إِنَّ التَّشَيُّعَ لِأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وَمِنْ ثَمَّ لِلأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ)، إِنَّمَا بُذِرَتْ بُذُورُهُ الأُولَى وَنَمَتْ مَعَ بِدَايَةِ الدَّعْوَةِ تَمَامًا، بَلْ بِأَوَّلِ إِنْذَارٍ قَامَ بِهِ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) بِتَوْجِيهٍ مِنْ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ)، وَهُوَ إِنْذَارُ عَشِيرَتِهِ الأَقْرَبِينَ.

      فَقَدْ رَوَى الطَّبَرِيُّ فِي تَأْرِيخِهِ، وَابْنُ الأثِير فِي كَامِلِهِ، والحَلَبِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي سِيرَتِهِ، وَآخَرُونَ غَيْرُهُمْ: أَنَّ النَّبِيَّ الأَكْرَمَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ} [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: الآيَةُ 214] عَلَيْهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ ظُهُورِ الإِسْلَامِ بِمَكَّةَ، دَعَاهُمْ إِلَى دَارِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ وَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، يَزِيدُونَ رَجُلًا أَوْ يُنَقَصُونَ، وَفِيهِمْ أَعْمَامُهُ: أَبُو طَالِبٍ، وَحَمْزَةُ، وَالعَبَّاسُ، وَأَبُو لَهَبٍ.

 وَفِي آخِرِهِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ): يَا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ! إِنِّي وَاللهِ مَا أَعْلَمُ شَابًّا فِي العَرَبِ جَاءَ قَوْمَهُ بِأَفَضَلِ مِمَّا جِئْتُكُمْ بِهِ، جِئْتُكُمْ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَقَدْ أَمَرَنِي اللهُ أَنْ أَدْعُوَكُمْ إِلَيْهِ، فَأَيُّكُمْ يُؤَازِرُنِي عَلَى هَذَا الأَمْرِ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَخِي وَوَصِيِّي وَخَلِيفَتِي فِيكُمْ؟

 فَأَحْجَمَ القَوْمُ عَنْهَا غَيْرُ عَلِيٍّ، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ أَصَغَرَهُمْ إِذْ قَامَ فَقَالَ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللهِ! أَكُونُ وَزِيرَكَ عَلَيْهِ.

فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ بِرَقَبَتِهِ وَقَالَ: إِنَّ هَذَا أَخِي وَوَصِيِّي وَخَلِيفَتِي فِيكُمْ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا.

 فَقَامَ القَوْمُ يَضْحَكُونَ وَيَقُولُونَ لِأَبِي طَالِبٍ: قَدْ أَمَرَكَ أَنْ تَسْمَعَ لِابْنِكَ وَتُطِيعَ. انْتَهَى. [انْظُرْ: تَارِيخَ الأُمَمِ وَالمُلُوكِ 2: 64 بِطُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ، الكَامِلَ فِي التَّارِيخِ 1: 585 586; وَقَدْ أَرْسَلَهُ إِرْسَالَ المُسَلَّمَاتِ عِنْدَ ذِكْرِهِ أَمْرَ اللهِ فِيهِ بِإِظْهَارِ دَعْوَتِهِ، السِّيرَةَ الحَلَبِيَّةَ 1: 461.

 وَقَدْ أَخْرَجَ هَذَا الحَدِيثَ بِهَذِهِ الأَلْفَاظِ كَثِيرٌ مِنْ حَفَظَةِ الآثَارِ النَّبَوِيَّةِ، كِ: ابْنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مرْدَوَيْهٍ، وَأَبَو نَعِيمٍ، والْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَدَلَائِلِهِ، والثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ.

 وَأَخْرَجَهُ بِهَذَا المَعْنَى مَعَ تَقَارُبِ الأَلْفَاظِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ جَهَابِذَةِ الحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَرِجَالِ السَّنَدِ، وَالشَّوَاهِدِ مِنْ رِجَالِ الصِّحَاحِ وَمِنْ الثُّقَاتِ المُعْتَبَرِينَ عِنْدَ أَئِمَّةِ الحَدِيثِ].

 فَمَنْ تَأَمَّلَ هَذَا الحَدِيثَ يَجِدُ أَنَّ النَّبِيَّ الأَكْرَمَ (صَلَّى اللهَ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) طَلَبَ مِنْ عَشِيرَتِهِ الأَقْرَبِينَ - بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى - الإعْتِرَافَ بِالتَّوْحِيدِ لِلَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ الإعْتِرَافَ بِرِسَالَتِهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِأَخِيهِ وَوَصِيِّهِ وَخَلِيفَتِهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى التَّشَيُّعِ لِعَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ أَرْبَابُ اللُّغَةِ.

 قَالَ الفَيْرُوزآبادِي فِي القَامُوسِ المُحِيطِ 3: 49: شِيعَةُ الرَّجُلِ بِالكَسْرِ: أَتْبَاعُهُ وَأَنْصَارُهُ، وَيَقَعُ عَلَى الوَاحِدِ وَالإثْنَيْنِ وَالجَمْعِ وَالمُذَكَّرِ وَالمُؤَنَّثِ، وَقَدْ غَلَبَ هَذَا الإسْمُ عَلَى مَنْ يَتَوَلَّى عَلِيًّا وَأَهْلَ بَيْتِهِ حَتَّى صَارَ اسْمًا خَاصًّا لَهُمْ. انْتَهَى.

وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ فِي تَاجِ العَرُوسِ 5: 405: كُلُّ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا عَلَى أَمْرٍ فَهُمْ شِيعَةٌ، وَكُلُّ مَنْ عَاوَنَ إِنْسَانًا وَتَحَزَّبَ لَهُ فَهُوَ شِيعَةٌ، فَإِذَا قِيلَ: فُلَانٌ مِنْ الشِّيعَةِ. عُرِفَ أَنَّهُ مِنْهُمْ... وَأَصْلُ ذَلِكَ مِنْ المُشَايَعَةِ، وَهِيَ :المُطَاوَعَةُ وَالمُتَابَعَةُ. انْتَهَى.

 فَالمُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ أَنَّ بَذْرَةَ التَّشَيُّعِ لِعَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وُضِعَتْ مَعَ بَذْرَةِ الإِسْلَامِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، فالصَّحَابَةُ الَّذِينَ كَانُوا مُمْتَثِلِينَ لِجَمِيعِ مَا أَمَرَ بِهِ الرَّسُولُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) كَانُوا شِيعَةً لِلنَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَشِيعَةً لِعَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي آنٍ وَاحِدٍ، سَوَاءٌ سُمُّوا بِذَلِكَ أَمْ لَمْ يُسَمَّوا، وَقَدْ سُمِّيَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَذَلِكَ لِمَا كَانُوا يَجْهَرُونَ بِهِ مِنْ مُتَابَعَةِ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَمَطَاوَعَتِهِ، مِنْهُمْ: سَلْمَانُ، وَأَبُو ذَرٍ، وَالمِقْدَادُ، وَعَمَّارٌ، وَغَيْرُهُمْ.

 وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو حَاتِمٍ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّجِسْتَانِيُّ المُتَوَفَّى سَنَةَ 205 ه فِي كِتَابِهِ: "الزِّينَةِ"، ج 3 بَاب:" الأَلْفَاظُ المُتَدَاوَلَةُ بَيْنَ أَهْلِ العِلْمِ"، فَقَالَ: أَوَّلُ اسْمٍ ظَهَرَ فِي الإِسْلَامِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) هُوَ: الشِّيعَةُ، وَكَانَ هَذَا لَقَبَ أَرْبَعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَهُمْ: أَبُو ذَرٍ الغِفَارِيُّ، وَسَلْمَانُ الفَارِسِيُّ، وَالمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ الكِنْدِيُّ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، إِلَى أَوَانِ صِفِّينَ، فَانْتَشَرَتْ بَيْنَ مُوَالِيِّ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ). انْتَهَى. 

 وَقَالَ مُحَمَّد كُرْدٌ عَلِيٌّ [مُؤَسِّسُ وَرَئِيسُ المَجْمَعِ العِلْمِيِّ العَرَبِيِّ بِدِمَشْقَ] فِي كِتَابِهِ "خُطَطِ الشَّامِ": عُرِفَ جَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ بِمُوَالَاةِ عَلِيٍّ فِي عَصْرِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، مِثْلُ: سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ القَائِلِ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) عَلَى النُّصْحِ لِلمُسْلِمِينَ، وَالإئْتِمَامِ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالمُوَالَاةِ لَهُ..

 وَمِثْلُ: أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، الَّذِي يَقُولُ: أُمِرَ النَّاسُ بِخَمْسٍ، فَعَمِلُوا بِأَرْبَعٍ وَتَرَكُوا وَاحِدَةً. وَلَمَّا سُئِلَ عَنْ الأَرْبَعِ، قَالَ: الصَّلَاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالحَجُّ. قِيلَ: فَمَا الوَاحِدَةُ الَّتِي تَرَكُوهَا؟ قَالَ: وِلاَيَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. قِيلَ لَهُ: وَإِنَّهَا لَمَفْرُوضَةٌ مَعَهُنَّ؟ قَالَ: نَعَمْ، هِيَ مَفْرُوضَةٌ مَعَهُنَّ.

 وَمِثْلُ: أَبِي ذَرٍ الغِفَارِيِّ، وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، وَذِي الشَّهَادَتَيْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، وَخَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ العَاصِ، وَقَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَبَادَةَ، وَكَثِيرٌ أَمْثَالُهُمْ، وَمَنْ أَرَادَهُمْ فَلْيُرَاجِعْ كِتَابَ "الدَّرَجَاتِ الرَّفِيعَةِ" لِابْنِ مَعْصُومٍ.

  عُرِفَ هَؤُلَاءِ بِاسْمِ شِيعَةِ عَلِيٍّ، ثُمَّ غَلَبَ فَأُطْلِقَ فَقِيلَ لَهُمْ: شِيعَةٌ. ذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِ الزِّينَةِ فِي الأَلْفَاظِ المُتَدَاوَلَةِ بَيْنَ أَرْبَابِ العُلُومِ عَلَى مَا نُقِلَ فِي كِتَابِ الرَّوْضَاتِ: أَنَّ أَوَّلَ اسْمٍ ظَهَرَ فِي الإِسْلَامِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الشِّيعَةُ، وَكَانَ لَقَبَ أَرْبَعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَهُمْ: أَبُو ذَرٍ، وَسَلْمَانُ، وَعَمَّارٌ، وَالمِقْدَادُ، إِلَى أَنْ آنَ أَوَانُ صِفِّينَ فَاشْتَهَرَ بَيْنَ مُوَالِيِّ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ). انْتَهَى [خُطَطُ الشَّامِ 5: 256].

  وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.