عِلْمُ الإِمَامِ بِالغَيْبِ وَارْتِدَادُ الأُمَّةِ.

عَبْدُ العَزِيزِ/: تَذْكُرُونَ فِي كُتُبِكُمْ أَنَّ مَسِيرَ الحُسَيْنِ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ ثُمَّ خِذْلَانُهُمْ لَهُ وَقَتْلُهُ كَانَ سَبَبًا فِي رِدَّةِ النَّاسِ إِلَّا ثَلَاثَةً. إِذًا لَوْ كَانَ يَعْلَمُ المُسْتَقْبَلَ - كَمَا تَزْعُمُونَ - لَمَا سَارَ إِلَيْهِمْ.

: اللجنة العلمية

     الأَخُ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

     أَوَّلًا: لَمْ يَقُلِ الشِّيعَةُ بِحُصُولِ الإِرْتِدَادِ لِلأُمَّةِ بِسَبَبِ خُذْلَانِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُكُمْ هُوَ مَا رُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ قَالَ: ارْتَدَّ النَّاسُ بَعْدَ قَتْلِ الحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَلَا ثَلَاثَةً، أَبَا خَالِدٍ الكَابُلِيَّ، وَيَحْيَى بْنَ أُمِّ الطَّوِيلِ، وَجُبَيْرَ بْنَ مطعمٍ، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ لَحِقُوا وَكَثُرُوا. رِجَالُ الكَشِّيِّ 1 ص338.

     فَلَيْسَ المُرَادُ مِنْهُ ارْتِدَادَ النَّاسِ عَنِ الإِسْلَامِ، بَلْ ارْتِدَادُهُمْ عَنْ أَهْلِ البَيْتِ (عَ) وَابْتِعَادُهُمْ وَانْفِضَاضُهُمْ عَنْهُمْ خَوْفًا مِنْ بَطْشِ بَنِي أُمَيَّةَ، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا بِشَكْلٍ تَدْرِيجِيٍّ وَعَادُوا لِلإِلْتِفَافِ حَوْلَهُمْ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)، كَمَا تَنُصُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ.

     ثَانِيًا: الإِمَامُ الحُسَيْنُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كَانَ عَالِمًا بِمَقْتَلِهِ، بَلْ صِغَارُ الصَّحَابَةِ - فَضْلًا عَنْ كِبَارِهِمْ - كَانُوا يَعْلَمُونَ بِذَلِكَ فِي الجُمْلَةِ، فَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) بِمَقْتَلِهِ كَمَا فِي الرِّوَايَاتِ المُتَوَاتِرَةِ مِنْ طُرُقِ الفَرِيقَيْنِ.

     وَأَمَّا لِمَاذَا خَرَجَ؟ فَقَدْ أَجَابَ الإِمَامُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَنْ هَذَا السُّؤَالِ قَائِلًا: وَإِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِرًا وَلَا بَطَرًا وَلَا مُفْسِدًا وَلَا ظَالِمًا، وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جِدِّي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ، وَأَسِيرَ بِسِيرَةِ جِدِّي وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ). بِحَارُ الأَنْوَارِ ج44 ص329.

     وَلَا شَكَّ أَنَّ تَجَاهُرَ يَزِيدَ بِالفِسْقِ مَعَ كَوْنِهِ مُتَقَمِّصًا خِلَافَةَ الرَّسُولِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) صَارَ يُشَكِّلُ خَطَرًا عَظِيمًا عَلَى الإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ، وَكَانَ لاَبُدَّ لِلإِمَامِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) كَأَيِّ مُسْلِمٍ غَيُورٍ أَنْ يَقُومَ ضِدَّ ذَلِكَ الطَّاغِيَةِ المُتَغَلِّبِ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى قَتْلِهِ شَأْنُهُ شَأْنُ كُلِّ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ الَّذِينَ قَاوَمُوا الظُّلْمَ وَالطُّغْيَانَ وَالكُفْرَ وَالجُحُودَ حَتَّى اسْتُشْهِدُوا (سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ).

    ثَالِثًا: إِنَّ عِلْمَ الإِمَامِ بِالمُسْتَقْبَلِ مِنَ الطُّرُقِ غَيْرِ الإِعْتِيَادِيَّةِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ تَكْلِيفًا، فَالإِمَامُ مُكَلَّفٌ بِالعَمَلِ بِعِلْمِهِ الظَّاهِرِيِّ لَا الوَاقِعِيِّ الَّذِي حَصَّلَهُ مِنَ الطُّرُقِ الغَيْبِيَّةِ، مَعَ مُلَاحَظَةِ الأَهَمِّ وَالمُهِمِّ فِي الأُمُورِ، وَالإِمَامُ خَرَجَ لِأَنَّ الوَضْعَ الظَّاهِرِيَّ وَالوَاقِعِيَّ كَانَ يُحَتِّمُ عَلَيْهِ الخُرُوجَ، فَرَسَائِلُ الْكُوفِيِّينَ مِنْ جِهَةٍ (ضَرُورَةٌ ظَاهِرِيَّةٌ)، وَتَجَاهُرُ يَزِيدَ بِالفِسْقِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى (ضَرُورَةٌ وَاقِعِيَّةٌ)، اقْتَضَى الخُرُوجَ، فَالإِمَامُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) سَيَكُونُ هُوَ المُنْتَصِرَ عَلَى الحَالَتَيْنِ، سَوَاءٌ نَجَحَ الكُوفِيُّونَ فِي مُخَطَّطِهِمْ وَسَلَّمُوهُ زِمَامَ الأُمُورِ أَمْ فَشِلَتْ مُخَطَّطَاتُ الْكُوفِيِّينَ وَقُتِلَ الإِمَامُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وَسَيَنْفَضِحُ آنَذَاكَ الخَطُّ الأُمَوِيُّ المُتَلَبِّسُ ثَوْبَ خِلَافَةِ اللهِ عَلَى الأَرْضِ، كَمَا حَصَلَ ذَلِكَ فِعْلًا، فَلَوْلَا خُرُوجُ الإِمَامِ الحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لانْتَهَى الإِسْلَامُ وَمُحِيَ الدِّينُ تَحْتَ أَقْدَامِ الأُمَوِيِّينَ، وَلَكِنْ {يَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ} التَّوْبَةُ 32.

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.