سلسلة سؤال وجواب حول التوحيد (7)

الدليل الثالث: تعدد الأرباب، معناه تعدد الأنظمة، والتعدد لازمه الإختلاف, مما يترتب عليه الفساد, إذ لا يمكن أنْ يُدار الكون منْ مُدَبّرَين أثنين أو أكثر, على نحو الإستقلال, فإنّ معناه كلّ ربّ مستقل عن الآخر في فعله, فلو اجتمعا على فعلٍ واحد واختلفا فيه, فهذا معناه الفساد.

الدليل الرابع: فيما تقدم أثبتنا أنّه سبحانه وتعالى واجب الوجود، وهو قادر على كل شيء ومتسلّط على جميع مَن في الكون لأنّه الموجِد له، وفرض أنّ هناك مُدبِّر في عرض تدبير الله سبحانه ينافي واجبيّة وجوده، لأنّه يكون خارج سلطانه وقدرته وهذا باطل جزماً.

الدليل الخامس: إنّ إثبات أن الخالق واجب الوجود، معناه القوة والتسلط على الموجودات جميعاً، فلو فرضنا وجود اثنان واجبا وجود، لازمه أنْ يكونا كلاهما قويين، وفرض قوتهما معاً معناه عدم قوتهما معاً، لأنّ فرض الأول أقوى مِن الثاني فهذا إفناء للثاني، وإذا فرضنا أنّ الثاني أقوى مِن الأول، فهذا إفناء للأول، وبالتالي يستلزم عدم قوتهما بل فناءهما، وهذا باطل بالضرورة، لأنّ واجب الوجود موجود ويستحيل عليه العدم.

الدليل السادس: لو كان هناك واجبا وجود، فالأمر لا يخلو من حالات:

 (أ) إما أنْ يكون قدرة كل واحد منهما كافية في وجود العالم. 

(ب) أو ليست قدرة الواحد منهما كافية. 

(ج) أو قدرة واحد منهما كافية دون الآخر.

وعلى الأول: يلزم اجتماع علتين تامتين على معلول واحد وهذا باطل.

وعلى الثاني: يلزم عجزهما؛ لأنّهما لا يمكن لهما التأثير والإيجاد إلا بالاشتراك.

وعلى الثالث: لا يكون الآخر خالقاً فلا يكون إلها ومُدَبِّراً، بل فقط مَن كان وحده قادراً على الإيجاد والتأثير، فهو الله جلّت قدرته سبحانه وتعالى.

س: ما الأدلة النقلية على التوحيد في الربوبية؟

ج: يمكن الإستدلال نقلاً من القرآن الكريم ومن السنّة الشريفة:

*قوله تعالى: ((لو كان فيهما آلهةً إلا الله لفسدتا فسبحانَ الله ربّ العرش عمّا يصفون))1 .

*قوله تعالى: ((وما كان معه مِن إله إذاً لذهب كُل إلهٍ بما خلق ولعلا بعضهم على بعضٍ سبحان الله عما يصفون ))2 .

*وعن أمير المؤمنين في وصيته لأبنه الإمام الحسن (عليهما السلام): ((واعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لأتتك رُسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطته ولعرفت أفعاله وصفاته))3 .

*وعن الإمام الصادق: ((فلما رأينا الخلق منتظماً والفُلك جارياً، واختلاف الليل والشمس والقمر، دلّ صحة الأمر والتدبير، وائتلاف الأمر على أنّ المُدبر واحد))4 .

*وسأل هشام بن الحكم الأمام الصادق (عليه السلام): ما الدليل على أنّ الله واحد؟ قال: [إتصال التدبير وتمام الصنع كما قال الله عزّ وجل: ((لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا))5] .

إشكال: يظهر مما تقدم، أنّه لا مدبّر في الوجود إلا الله جلّت قدرته سبحانه، وهذا يتعارض مع بعض الآيات الشريفة التي تنسب التصرف والتدبير لبعض الموجودات كالملائكة مثلاً:

*في قوله تعالى: ((فالمُدبرات أمراً))6 .

*ويقول عزّ وجل: ((وهو القاهرُ فوق عباده ويُرسل عليكم حفظةً))7  وهو واضح أنّ هناك تدبيراً تقوم به الملائكة.

*وقوله تعالى: ((والذاريات ذرواً* فالحاملات وقراً* فالجاريات يُسراً * والمقسمات أمراً))8  وهذا واضح إذ الرياح تحمل السحب وتذر البذور على الأرض في كل مكان، وتنزل المطر وغير ذلك.

جوابه: هذا لا يتنافى مع التوحيد في الربوبية، بل هذا عين التوحيد، بلا إشكال، وذلك لأنّ إشكال الربوبية، هو أنْ نعتقد أنّ هناك تدبيراً مستقلاً عن تدبير الله سبحانه، وأما عمل الملائكة هذا فهو في طول تدبير الله سبحانه وتعالى، ومستمد منه، وواقع تحت سيطرته وأمره قال تعالى: ((يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون))9 .

___________________

1- سورة الأنبياء: 22 0

2 - سورة المؤمنون: 91 0

3- وصية الإمام علي (ع)، دار الأضواء، ص21 0

4- التوحيد، للشيخ الصدوق، ص244 0

5-  المصدر نفسه، ص250.

6 - سورة النازعات: 5.

7- سورة الأنعام: 61.

8 - الذاريات: 1-4.

9- النحل: 50.