هَلْ كَانَ النَّبِيُّ (ص) أُمِّيًّا؟
أَزْهَرُ التَّمِيمِيُّ / العِرَاقُ/: هَلْ كَانَ الرَّسُولُ أُمِّيًّا لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ؟!
الأَخُ أزهر المُحْتَرَمُ .. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
إِنَّ مَسْأَلَةَ إحْسَانِ النَّبِيِّ (ص) لِلْقِرَاءَةِ وَالكِتَابَةِ مِنْ الأُمُورِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا النِّزَاعُ بَيْنَ العُلَمَاءِ، وَنُجْمِلُ الكَلَامَ فِيهِ بِبَيَانِ مَحَلِّ النِّزَاعِ عِنْدَهُمْ:
تَحْرِيرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ:
إِنَّ هَذِهِ المَسْأَلَةَ لَهَا صُوَرٌ:
الصُّورَةُ الأُوْلَى: إحْسَانُ النَّبِيِّ (ص) وَقُدْرَتُهُ عَلَى الكِتَابَةِ وَالقِرَاءَةِ قَبْلَ البِعْثَةِ.
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: إحْسَانُهُ وَقُدْرَتُهُ (ص) لَهُمَا بَعْدَ البِعْثَةِ.
الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: فِي وُقُوعِ الكِتَابَةِ وَالقِرَاءَةِ مِنْهُ (ص) فِعْلًا قَبْلَ البِعْثَةِ.
وَهُوَ مَا يُسَمَّى بِالمُمَارَسَةِ وَالمُزَاوَلَةِ.
الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ: فِي وُقُوعِهِمَا مِنْهُ (ص) بَعْدَ البِعْثَةِ.
هَذِهِ هِي صُوَرُ المَسْأَلَةِ.
أَمَّا الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ العُلَمَاءِ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ كِتَابَةٌ وَلَا قِرَاءَةٌ قَبْلَ البِعْثَةِ، وَلَمْ يُمَارِسْهُمَا.
أَمَّا الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ، فَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَا يُثْبِتُ ذَلِكَ.
أَمَّا الصُّورَةُ الأُولَى، فَأَكْثَرُ عُلَمَائِنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُحْسِنُهُمَا.
وَمَحَلُّ الكَلَامِ وَالنِّزَاعِ بَيْنَهُمْ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، وَالمَشْهُورُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُحْسِنُهُمَا وَيَقْدِرُ عَلَيْهِمَا بَعْدَ البِعْثَةِ:
القَوْلُ الأَوَّلُ: أَنَّهُ كَانَ يُحْسِنُهُمَا بَعْدَ البِعْثَةِ، وَهُوَ مُخْتَارُ الشَّيْخِ المُفِيدِ، وَالطُّوسِيِّ، وَابْنِ إِدْرِيسَ، وَالمُحَقِّقِ الحِلِّيِّ، وَالمِقْدَادِ السُّيُورِيِّ، وَابْنِ فَهْدٍ، وَالفَاضِلِ الهِنْدِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.
القَوْلُ الثَّانِي: عَدَمُ إحْسَانِهِ لَهُمَا، وَهُوَ مُخْتَارُ عَمِيدِ الدِّينِ الأَعْرَجِ، وَالعَلَّامَةِ الحِلِّيِّ، وَالشَّهِيدِ الثَّانِي، وَالمُحَقِّقِ الكَرَكِيِّ، وَالإِمَامِ السَّيِّدِ الخُوئيِّ.
القَوْلُ الثَّالِثُ: التَّوَقُّفُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّرِيفِ المُرْتَضَى، وَالفَاضِلِ الآبِي.
- أَمَّا المُخَالِفُونَ وَأَبْنَاءُ العَامَّةِ فَالمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ مَا كَانَ يُحْسِنُهُمَا بَعْدَ البِعْثَةِ.
وَسَرْدُ أَدِلَّةِ الطَّرَفَيْنِ- المُثْبِتِينَ وَالنَّافِينَ- لَا يَسَعُهُ هَذَا المَجَالُ، إِلَّا أَنَّهُ بَعْدَ المُقَارَنَةِ بَيْنَ الأَدِلَّةِ نَرَى أَرْجَحِيَّةَ أَدِلَّةِ المُثْبِتِينَ بِأَنَّهُ كَانَ يُحْسِنُ القِرَاءَةَ وَالكِتَابَةَ.
هَذَا، وَلِيُعْلَمَ أَنَّ الجَهْلَ بِالكِتَابَةِ وَالقِرَاءَةِ لَيْسَ بِنَقْصٍ، لِأَنَّ الكِتَابَةَ وَالقِرَاءَةَ لَا مَوْضُوعِيَّةَ لَهُمَا، وَلَيْسَتَا عِلْمًا بِحَدِّ ذَاتِهِمَا، بَلْ هُمَا طَرِيقٌ وَآلَةٌ وَوَسِيلَةٌ لِاكْتِسَابِ المَعَارِفِ، وَالنَّبِيُّ (ص) يَقْدِرُ عَلَى الإِطِّلَاعِ عَلَى جَمِيعِ العُلُومِ وَالمَعَارِفِ بِطَرِيقِ الوَحْيِ، فَلَا يَكُونُ جَهْلُهُ بِهِمَا مَنْقَصَةً فِي حَقِّهِ. فَتَدَبَّرْ.
وَأَمَّا الإِسْتِدْلَالُ بِآيَاتِ أُمِّيَّةِ النَّبِيِّ (ص) فَهُوَ قَاصِرٌ عَنْ إِثْبَاتِ المَطْلُوبِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ المُرَادُ مِنْ الأُمِّيِّ فِيهَا نِسْبَةً إِلَى أُمِّ القُرَى، فَالدَّلِيلُ غَيْرُ صَرِيحٍ فِي المَطْلُوبِ.
وَأَمَّا الإِسْتِدْلَالُ بِآيَةِ: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ المُبْطِلُونَ}. العَنْكَبُوتُ 48 فَهُوَ يَنْفِي فِعْلِيَّةَ الكِتَابَةِ وَالقِرَاءَةِ، وَلَا يَنْفِي القُدْرَةَ عَلَيْهِمَا.
وَتَفْصِيلُ هَذِهِ المَسْأَلَةِ وَمُنَاقَشَةُ الأَقْوَالِ نُحِيلُهُ إِلَى كِتَابِ: "إحْسَانِ النَّبِيِّ (ص) القِرَاءَةَ وَالكِتَابَةَ" لِلْعَلَّامَةِ الحُجَّةِ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الجَزِيرِيِّ، الَّذِي طُبِعَ حَدِيثًا.
وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
اترك تعليق