أَقيلوني فإنّ ليْ شَيطاناً يَعْتريني.
عبدُ اللهِ/المغرب/: هلْ قَولُ أبي بَكرٍ : (أَقيلوني فإنَّ ليْ شَيْطاناً يعَتريني) هوَ قولٌ مَنسوبٌ إليهِ؟ وأنْ يكونَ قولَه ليسَ بصَحيحٍ، بدليلِ أنَّ الحديثَ رَواهُ الطَّبَرانيُّ في المُعجَمِ الأوْسطِ 8/267) وفيهِ عيسى بنُ سُليمانَ، وهوَ ضَعيفٌ، وعيسى بنُ عَطيّةَ، وهوَ مجهولٌ، قالَ الهَيثميُّ « لمْ أعرفْه» (مجمع الزوائد5/183). وذَكرَه الطّبَريُّ في تاريخِه (2/245) عنْ سيفِ بنِ عُمرَ الضَّبّيّ، وهوَ رافضيُّ كذّابٌ كما أجمع َعليهِ أهلُ العلمِ بالروايةِ. ورَواهُ عبدُ الرّزاقِ في المُصنَّفِ (11/336) وابنُ عَساكر في تاريخِه (30/304) وفِيه انقطاعٌ بينَ معمَّرٍ وبينَ الحسنِ.
الأخُ عبدُ اللهِ المحترمُ، السلامُ عليكمْ ورحمةُ اللهِ وبرَكاتُه :
وَردَ فيْ سُؤالكَ بعضُ الأمورِ والمُؤاخذاتِ التيْ لا بدّ مِن بيانِها، وُصولاً إلى حَقيقةِ هذهِ المسألةِ:
أوّلاً: نوافقُكَ على أنّ طَريقَ الطَّبَرانيِّ يُعدُّ طَريقأ ضَعيفاً؛ لأنّه اشتملَ على راوٍ ضَعيفٍ وآخرَ مَجهولٍ، ولكنْ فيْ الوقتِ نفسِه لا نُوافقكَ على أنَّ هذا الحَديثَ هوَ الدّليلُ الوحيدُ لهذهِ القضيّةِ التأريخيّةِ، كما سَترى بعدَ قلَيلٍ.
وثانياً: نُوافقُك على أنَّ سَيفَ بنَ عُمرَ الضَّبّيّ، كذّابٌّ، ولكنْ لا نوافقكَ على أنَّه رافضِيٌّ، وذلكَ لأنَّ الرجلَ سُنيٌّ بامتيازٍ، ولمْ يقُلْ أحدٌ مِن علماءِ الجُرحِ والتّعديلِ إنّه شيعيٌّ أو كانَ يميلُ إلى التّشيُّعِ، فراجعْ ترجمتَه في المِيزانِ للذَّهبيِّ، وتهذيبِ التهذيبِ لابنِ حجرِ العَسقلانيِّ.
وثالثاً: نوافقكَ على أنّ رِواية عبدِ الرّزاقِ لهذه ِالقضيّة فيها رجلٌ مجهولٌ سبّبَ انقطاعاً بينَ مَعمَرٍ وبينَ الحسنِ، ولكنْ لا نوافقكَ على أنّ هذهِ القضيّةَ محصورةٌ بِهذا الطّريقِ وحدَه، حيثُ إنّ هذهِ القضيةَ التأريخيّة َكما وَردتْ بطرُقٍ ضَعيفةٍ؛ قدْ وَردتْ أيضاً بطُرقٍ قويةٍ معتبَرةٍ، ومِن هذهِ الطُّرقِ ما رَواهُ المحدِّثُ ابنُ ماسي في كتابِه الفوائدِ (ص١٠٢)، رقمُ الحديثِ ٣٧ بإسنادٍ إلى أبي مَعشَرٍ الحسنِ بنِ سُليمانَ الدّارِميِّ ثنا عبدُ الواحدِ بنِ غِياثٍ ثنا أبو هلالٍ عنِ الحسنِ، فذَكرَ الخبرَ، ورجالُه ثقاتٌ، وأبو هلالٍ هوَ محمدُ بنُ سليمٍ البَصريُّ الراسبيُّ، وهوَ صدوقٌ فيه لِينٌ كما قالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ في التّقريبِ، ولكنّه لمْ ينفردْ عنِ الحسنِ بهذا الخبرِ، بلْ أخرجَه ابنُ سعْدٍ في الطّبقاتِ في ترجَمةِ أبي بكرٍ (3/194) عنْ وهبِ بنِ جريرٍ عنْ أبيهِ عنِ الحسنِ، فذَكرَ الخبرَ نفسَه الذيْ رواهُ أبو هلالٍ عنِ الحسنِ.
ورابعاً: ما يدلُّ على شُهرةِ هذهِ القضيّةِ وعدمِ التشكيكِ فيْ نسبتِها إلى أبي بكرٍ ولاسيّما قولُه: إنّ ليْ شيطاناً يَعتريني، هوَ إخراجُ ابنِ الجَوزيِّ ـ المعروفِ بتشدُّدِه ـ لهذا الخبرِ فيْ كتابِه المعروفِ (المنتظَم في تاريخِ الملوكِ والأُممِ) (ج٤/ص٦٩)، بلْ إنّه كرّرَ هذا الخبرَ نفسَه فيْ كتابِه الآخَر صفةِ الصَّفوةِ (ص٩٨)، ولشُهرةِ هذهِ القضيّةِ ونسبتِها لأبي بكرٍ مِن غيرِ نكيرٍ او تشكيك، تجد الحافظ ابن حجر العسقلاني يعقد باباً تحتَ عنوانِ (كراهيةِ أنْ يحكمَ الحاكمُ وهوَ غضبانُ)، فذَكرَ هذا الخبرَ عنْ أبي بكرٍ على أنّها شاهدٌ على ذلكَ، كما فيْ كتابِه المطالبِ العاليةِ (ج٩/ص٦٢٥)، فراجعْ ذلكَ.
ودُمتمْ سالِمينَ.
اترك تعليق