لماذا يترك الله إبليس دون عقاب؟

السؤال: في الأديان السماوية لماذا يعاقب الله البشر غير المطيعين، ويترك إبليس من دون عقاب؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

لا ندري على أيّ شيء استند السائل حتّى يتّهم الأديان السماوية بأنّها تُعفي إبليس من العقاب وتجعله محصوراً في غير المطيعين، مع أنّ النصوص صريحة وواضحة في خلود إبليس الأبدي في نار جهنم، قال تعالى: (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ)، فالآية صريحة في أنّ عاقبتهما (أي إبليس والذين كفروا) هي الخلود في نار جهنم، فإبليس ومن تبعه من الإنس والجن مصيرهم مشترك وهو الخلود في نار جهنم، قال تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الْإِنسِ ۖ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الْإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا ۚ قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ).

أمّا إذا كان يقصد تأخير عقوبة إبليس إلى يوم القيامة، أي أنّ إبليس ليس له عقوبة في الدنيا كما هو حال بعض الأقوام السابقة، فإنّ السبب في ذلك يعود إلى أنّ الحِكمة من وجود الإنسان تختلف عن الحِكمة من وجود إبليس، وبالتالي ما يترتب على كلّ واحد منها يختلف عن الآخر، ففلسفة العقوبة والعذاب في الدنيا هي قطع دابر الذين ظلموا وطردهم من رحمة الله تعالى بعد أن استنفدوا كل سبل الهداية وانقطع الرجاء منهم، قال تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَٰلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَٰؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ)، وقال تعالى: (فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ)، وقال تعالى: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).

والمتأمّل في ذلك يجدها هي ذاتها العقوبة التي وقعت على إبليس، إذْ طُرِدَ من رحمة الله تعالى، وأصبح من الملعونين، قال تعالى: (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ)، وبذلك تكون العقوبة وقعت بالفعل على إبليس وأصبح مطروداً من رحمة الله تعالى إلى يوم الدّين، فأيّ عقوبة أشدّ من أن يكون مطروداً من رحمة الله تعالى؟ وبذلك يكون إبليس ناله ما نال الأقوام التي قطع الله عزّ وجلّ دابرها وطردها من رحمته.