علماءُ أَهلِ السُّنَّةِ يَعترِفون بولادةِ الإِمامِ المهديِّ الحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ ﴿ع﴾.
زيدٌ - العِراق: هل يَعترِفُ أَهلُ السُّنَّةِ بولادةِ الإِمامِ المهديِّ ﴿عليه السًّلامُ﴾؟
الأَخُ زيدٌ المحترمُ، السَّلامُ عليكُم ورحمةُ ٱللهِ وبركاتُهُ
إِعترافُ أَهل السُّنَّةِ بولادةِ الإِمامِ المهديِّ محمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ العَسْكَرِيِّ ﴿عليهما السَّلامُ﴾ هو أَمرٌ ثابتٌ ومفروغٌ منه، وسنَذكُرُ هُنا طريقينِ لإِثباتِ الولادةِ الميمونةِ مِن خلالهما:
الأَوَّلُ: شهادةُ علماءِ الأَنسابِ عِندِهم بهذهِ الولادةِ.
الثَّاني: إعترافُ علماءِ أَهلِ السُّنَّةِ أَنفسِهِم بالولادةِ.
أَمَّا الطَّريقِ الأَوَّلُ، فقد شَهِدَ علماءُ الأَنسابِ والمُتخصِّصونَ مِنهم ولادةَ الإِمامِ المهديِّ ﴿عليهِ السَّلامُ﴾، وأَنَّهُ ابْنُ الإِمامِ الحسنِ العسكريِّ ﴿عليه السلام﴾، ونَذكرُ مِنهُم بحَسَبِ التَّسَلسُلِ الزَّمنيِّ:
1- النَّسابةُ الشَّهيرُ أَبو نَصر سهلُ بْنِ عبدِ ٱللهِ بْنِ داوودَ بْنِ سُليمانَ البُخَارِيُّ، مِن أَعلامِ القرنِ الرَّابعِ الهِجريّ، والَّذي كان حَيَّاً سَنةَ ( 341 هـ)، وهو مِن أَشهرِ علماءِ الأَنسابِ المعاصرينَ لُغيبةِ الاِمامِ المهديِّ الصُّغرىٰ الَّتي انْتَهت سنة 329 هـ.
قال في "سِرِّ السِّلسِلةِ العلويَّةِ": (( وَوَلَـدَ عليُّ بنُ محمَّدٍ التَّقِيُّ ﴿عليه السَّلامُ﴾: الحسنَ بنَ عليٍّ العسكريّ ﴿عليهِ السَّلامُ﴾ مِن أُمِّ ولدٍ نوبيَّة تُدعَىٰ: ريحانةُ، ووُلِـدَ سنة إِحدَى وثلاثينَ ومِائَتَينِ وقُبِضَ سنة سِتِّينَ ومِائَتَينِ بِسامراءَ، وهُو ابنُ تسعٍ وعشرينَ سنةً.. وَوَلَدَ عليُّ بنُ محمًّدٍ التَّقِيُّ ﴿عليهِ السَّلامُ﴾ جعفرَ وهو الَّذي تُسَمِّيهِ الإِماميَّةُ جعفرَ الكذَّابَ، وإِنَّما تُسَمِّيهُ الإِماميَّةُ بذلكَ؛ لِادِّعائِهِ مِيراثَ أَخيهِ الحسنِ ﴿عليهِ السَّلامُ﴾ دونَ ابنِهِ القائمِ الحُجَّةِ ﴿عليهِ السَّلامُ﴾. لا طَعنَ في نَسَبِهِ)) إِنتَهَىٰ.
2- النَّسَّابَةُ العُمَريُّ المشهورُ مِن أَعلامِ القرنِ الخامسِ الهِجرِيّ والَّذي قال ما نَصُّهُ في [ المُجدِي في أَنسابِ الطَّالِبِيِّينَ: 130] : ((وماتَ أُبو محمَّد ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾ وَوَلَدُهُ مِن نرجس ﴿عَلَيهَا السَّلَامُ﴾ معلومٌ عندَ خاصَّةِ أَصحابِهِ وثِقاتِ أَهلِهِ، وسنَذكرُ حالَ وُلادتِهِ والاَخبارَ الَّتِي سَمِعنَاها بذلكَ، وامْتُحِنَ المُؤمِنُونَ بل كآفّةُ النَّاسِ بِغيبتِهِ، وَشَرَهَ جعفرُ بْنُ عليٍّ إِلى مالِ أَخيهِ وحَالَهُ فدفع أَنْ يكونَ لهُ ولدٌ، وأَعانَهُ بعضُ الفراعنةِ على قبضِ جوارِي أَخيهِ )) إِنتَهىٰ.
3- الفَخرُ الرَّازِيّ الشافعي ( ت : 606 هـ)، قال في كتابه "الشجرة المباركة في أنساب الطالبية" تحت عنوان : أولاد الامام العسكري عليه السلام ما هذا نصه: (( أَمَّا الحسنُ العسكريُّ الإمام ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾ فَلَهُ ابنانِ وبِنتانِ: أَمَّا الابْنانِ، فأَحدُهُما : صَاحِبُ الزَّمَان﴿عجل إلله فرجَهَ الشَّريفَ﴾، والثَّانِي موسى، دَرَجَ في حياةِ أَبيهِ. وأَمَّا البِنتانِ: ففاطِمةُ، دَرَجُت في حياةِ أَبِيها، وأُمُّ مُوسى دَرَجَت أَيضَاً )) إنتهَىٰ.
4ـ النَّسَّابَةُ محمَّدُ الحُسَينِيُّ اليَمانِيُّ الصَّنعَانِيُّ، مِن أَعيانِ القرنِ الحادي عَشَرَ. ذُكِرَ في المُشَجَّرَةِ الَّتِي رسمَها؛ لبيانِ نسبِ أَولادِ أَبي جعفرَ محمَّدِ بْنِ عليٍّ الباقرِ بْنِ عليٍّ بْنِ الحُسَين بْنِ عليِّ ابْنِ أَبي طالب ﴿عَلَيهِمُ السَّلَامُ﴾ [ روضةُ الأَلبابِ لِمعرفةِ الاَنسابِ] ، وتحتَ ٱسمِ الإِمام عليٍّ التَّقِيِّ المعروفِ بالهاديِ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾ خمسة مِنَ البنينِ وهُم: الإِمامِ العسكريّ﴿ع﴾، الحُسَين، موسى، محمَّد، عليّ. وتحتَ ٱسمِ الاِمامِ العسكريّ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾ مباشرةَ كُتِبَ: (محمَّد بْن) وبإزآئِهِ: (منتظر الاِماميَّة) إنتهَىٰ.
5ـ مُحَمَّدُ أَمِين السُّويديُّ (ت:1246 هـ) قال في "سَبَائِكِ الذَّهَبِ في معرفةِ قبائلِ العربِ": (( مُحَمَّد المهديّ: وكان عمرُهُ عندَ وفاةِ أَبيهِ خمسَ سِنينَ، وكانَ مربوعَ القامةِ، حسنَ الوجهِ والشَّعرِ، أَقنى الأَنفِ، صَبيحَ الجبهةِ)) إنتهَىٰ.
فهذه أقوالُ جملةٍ مِن علماءِ الأَنسابِ المشهورينَ على مَرِّ القُرونِ يُثبِتُونَ الولادةَ الميمونةَ لِلإِمامِ المهديِّ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾ وأَنَّهُ ابْنُ الإِمامِ الحَسَنِ العسكريّ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾...
وأَمَّا اعْتِرافُ علماءِ أَهلِ السُّنَّةِ بهذهِ الولادةِ فَحَدِّثْ ولا حَرَجَ، فقد أَحصى السَّيِّدُ ثامر العَمِيدِيّ في كتابهِ "دفاعٌ عن الكافي" 128 عالِماً مِن علماءِ أَهلِ السُّنَّة مِن فقهاء ومُحدِّثِينَ ومُفسِّرِينَ وغيرِهِم، وعلى مَرِّ القُرونِ، ممَّنِ اعْترفَ بهذه الولادةِ المباركةِ.
ونذكرُ هُنا جملةً مِنهم مَعَ الإِشارة إِلَى المصدرِ والصَّفحةِ فقط ،وحَسَب التَّسَلسُلِ الزَّمَنِي:
1 ـ ابنُ الأَثيرِ الجزريّ( ت :630 هـ ) في كتابهِ (الكاملُ في التَّأرِيخ 274:7، آخرِ حوادثِ سنة 260 هـ.).
2 ـ ابنُ الخَشَّابِ البَغداديّ المؤَرِّخ ( ت: 643 هـ ) في (تأريخِ مواليدِ الأَئَمَّةِ: 6).
3 ـ مُحَمَّدُ بنُ طلحةَ الشَّافعيّ ( ت: 652 هـ ) في (مطالبِ السَّؤولِ في مناقبِ آلِ الرَّسُولِ: ٨٨).
4ـ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسفَ الكَنجِيّ الشَّافِعِيّ ( ت: 658 هـ ) في (البيانِ في أَخبارِ صاحبِ الزَّمَانِ : 336).
5-ابنُ خَلِّكَان ( ت: 681 هـ ) في (وَفياتِ الأَعيانِ 176:4 ، الرقم 562).
6 ـ شَمسُ الدِّينِ الذَّهَبِيّ ( ت :748 هـ ) في كُتُبِهِ: العِبَرِ، وتأريخِ دُولِ الإِسلامِ، وسِيَرِ أَعلامِ النُّبَلاءِ (العِبَرِ 31:3. تأريخِ دُولِ الإِسلامِ 113 حوادثِ سنوات ( 251 ـ 260 هـ ). سِيًرِ أَعلامِ النُّبَلَاء 119:13، الرقم 60).
7 ـ ابنُ الوَردِيِّ ( ت :749 هـ ) في ذيلِ تَتِمَّةِ المُختَصرِ، المعروفِ بـ تأريخِ ابنِ الوَردِيِّ (نَقَـلَ ذلكَ عنهَ الشَّبلنجيّ في نورِ الأبصارِ 186).
8 ـ ابنُ الصَّبَّاغِ المالكيُّ ( ت: 855 هـ ) في (الفُصولِ المهمَّةِ: 273)
9 ـ عبدُالوهّابِ الشَّعرانيُّ ( ت: 973 هـ ) في اليواقيتِ والجواهرِ (اليواقيتِ والجواهرِ 145:3).
10 ـ ابنُ حَجَرِ الهيتميّ الشَّافِعِيّ ( ت :974 هـ ) في (الصَّواعقِ المحرقةِ: 207).
11 ـ الشُّبْرَاوِيُّ الشَّافِعِيّ ( ت :1171 هـ ) في (الإِتحافِ بحبِّ الأَشرافِ: ٦٨).
12 ـ القَندَوزيُّ الحنفيُّ ( ت: 1293 هـ ) في ( ينابيعِ المَوَدَّةِ 301:3 ـ 306، الباب 79).
13 ـ مُؤمِنُ بْنُ حَسَنِ الشَّبلنجيُّ ( ت :1308 هـ ) في (نورِ الأَبصارِ: 186).
14 ـ خَيرُ الدِّينِ الزَّرْكَليُّ ( ت :1396 هـ ) في كتابِهِ (الأَعلامِ 80:6.).
وراجعْ بقيةَ الأَسماءِ ( وهُم بالعشراتِ ) في المَصدرِ المُتَـقَـدِّمِ.
ومِنَ العلماءِ المتقدِّمينَ ممَّن نَصَّ على أَنَّ الإمامَ مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ العسكريَّ هو المهديُّ المنتظرُ نفسُهُ، نذكرُ مِنهُم:
1- مُحيِيَ الدِّينِ بنَ عَرَبِي، على ما نقلَه عنهُ الشَّعرانِيُّ الشَّافِعِيّ في "اليواقيتِ والجواهرِ" ، حيثُ قال : (( وعبارةُ الشَّيخِ مُحيِيِ الدِّينِ في البابِ السَّادِسِ والسِّتِّينَ وثلاثمائة مِنَ الفُتوحاتِ: واعْلَمُوا أَنَّهُ لا بدَّ مِن خروجِ المَهديِّ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾، ولكن لا يخرجُ حَتَّى تَمتلِئ الاَرضُ جَوراً وظُلماً فيملؤها قِسطَاً وعَدلاً، ولو لم يكن مِنَ الدُّنيا إِلاّ يومٌ واحدٌ لَطَوَّلَ ٱللهُ تعالى ذلكَ اليومَ حَتَّى يَلِيَ ذلكَ الخليفةُ، وهو مِن عترةِ رسولِ ٱلله﴿ﷺ﴾، مِن وُلْـدِ فاطمة ﴿عَلَيهَا السَّلَامُ﴾، وجَدُّهُ الحُسَينُ بْنُ عليِّ ابْنِ أَبي طالبٍ، ووالدُهُ الحَسَنُ العسكريُّ ابْنُ الاِمامِ عليٍّ النَّقِيّ )) إنتَهىٰ.
2- مُحَمَّدُ بْنُ طلحةَ الشَّافِعِيّ - الَّذِي يَصِفُهُ الذَّهَبِيّ في "سِيَرِ أَعلام النُّبَلَاء" بالعلَّامةِ الأَوحدِ عند ترجمتِهِ لهُ - قال في كتابهِ "مطالبِ السَّؤولِ": ((أَبي القاسمِ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ الخالصِ بْنِ عليِّ المُتوِّكلِ بْنِ القانعِ بْنِ عليِّ الرِّضَا بْنِ موسى الكاظمِ بْنِ جعفرٍ الصَّادقِ بْنِ مُحَمَّدٍ الباقرِ بْنِ عليِّ زينِ العابدينَ بْنِ الحُسَينِ الزَّكيِّ بن علي المرتضى أمير المؤمنين ابنِ أَبي طالبٍ، المهديِّ، الحُجَّة الخلفِ الصالحِ، المنتظرِ ﴿عَلَيهِمُ السَّلَامُ﴾ ورحمة الله وبركاتُهُ)) إِنتَهى.
3- سِبطُ ابْنُ الجوزيّ الحنبليّ قال في "تَذكرةِ الخواصِّ" عن الاِمام المهديِّ: (( هو مُحَمَّدُ بنِ الحسن بنِ عليِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عليِّ بْنِ موسى الرِّضَا بنِ جعفرَ بنِ مُحَمَّد بنِ عليِّ بنِ الحُسَين بنِ عليِّ ابنِ أَبي طالبٍ ﴿عَلَيهِمُ السَّلَامُ﴾، وكنيته أَبو عبد إللهِ، وأَبو القاسمِ، وهو الخلفُ الحجّةُ، صاحبُ الزَّمَانِ، القائمُ، والمنتظرُ، والتالي، وهو آخرُ الأَئِمَّةِ)) إنتَهَىٰ.
4- شمسُ الدِّينِ محمد بن طولون الحنفي مؤرخ دمشق (ت:953 هـ) قال في كتابهِ"الاَئمّة الاثنا عشرَ" عن الاِمامِ المهديِّ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾: (( كانت ولادته رضي الله عنه يوم الجمعة ، منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولما تُوِّفِيَ أُبوه المتقدِّمُ ذكرَه (رَضِيَ ٱللهُ عنهُما) كانَ عمرُهُ خَمسَ سِنِينَ.
(ثُمَّ ذُكِرَ الأئِمةُ الاثنا عشر ﴿عَلَيهِمُ السَّلَامُ﴾ في قَصيدةْ لهُ وقال في آخرها:)
عـسـكــريُّ الــحـــســـنُ الـمـطـــهـَّرُ * مـُحَـمـَّدُ الـمـهـديُّ سـوفَ يـظهـرُ )) إنتهَى.
5ـ نورُ الدِّين علي ُّ بنِ مُحَمَّد بنِ الصَّبَاغِ ،الفقيه المالكي ( أنظُر ترجمتَهُ في الأَعلامِ للزَّركَلِيِّ )، قال في أَوَّلِ الفصلِ الثَّانِي عشر مِن كتابِهِ "الفصولِ المهمَّةِ": (( في ذِكْرِ أَبي القاسمِ الحُجَّةِ، الخلفِ الصالحِ، ابنِ أَبي مُحَمَّد الحَسَنِ الخالصِ، وهو الاِمامُ الثاني عشرَ، وتأريخِ ولادتِهِ، ودلائلِ إِمامتِهِ، وطرفاً مِن أَخبارِهِ، وغيبتِهِ، ومدَّةِ قيامِ دَولتِهِ الكريمةِ، وذِكْرِ كُنيِتهِ، ونسبِهِ، وغيرِ ذلكَ ممَّا يتَّصلُ بهِ رضي الله عنه وأرضاه)) إِنتهَىٰ.
6- أَحمدُ بنُ يُوسفَ بنِ سِنان القَرمانيُّ الدِّمَشْقِيُّ (ت:1019 هـ) قال في كتابِهِ "أَخبارِ الدُّوَلِ وآثارِ الأُوَلِ" في الفصلِ الحادي عشر: في ذِكْرِ َأبي القاسمِ مُحَمَّدٍ الحُجَّةِ الخلفِ الصَّالحِ:
((وكانَ عمرُهُ عندَ وفاةِ أَبيهِ خمسَ سِنينَ، أَتاهُ ٱلله فيها الحِكمةَ كما أُوتِيها يحيىٰ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾ صَبِيَّاً. وكانَ مربوعَ القامةِ، حسنَ الوجهِ والشعرِ، أَقنى الأَنفِ، أَجلى الجبهةِ... واتَّفقَ العلماءُ على أَنَّ المهديَّ هو القائمُ في آخرِ الوقتِ، وقد تَعَاضَدَتِ الأَخبارُ على ظهورِهِ، وتَظَاهَرَتِ الرُّواياتُ على إشراقِ نورِهِ، وستُسفِرُ ظُلمةُ الاَيَّامِ والليالي بسفورِه، ويَنجلِي برؤيتِهِ الظلمُ انْجلاءَ الصُّبحِ عن دَيجُورهِ، ويَسيرُ عدلُهُ في الآفاقِ فيكونُ أَضوءاً مِنَ البدرِ المُنيرِ في مسيرِهِ)) إنتهَىٰ.
ومِن هؤلاءِ الأَعلامِ، المتقدِّمِ ذكرهُم، ممَّن صَرَّحَ بغيبتِهِ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾ وبقائِهِ حيَّاً إِلى أَن يأذنَ ٱلله بظهورِهِ المباركِ، قال العلَّامةُ الأَوحدُ مُحَمَّدُ بنُ طلحة الشَّافِعِيُّ في كتابِهِ "مطالبِ السَّؤولِ في مناقبِ آلِ الرَّسُولِ":
((وأَمَّا عُمْرُهُ: فإِنَّهُ وُلِدَ في أَيَّامِ المعتمدِ على ٱلله، خافَ فاختفى وإِلى الآن، فلم يُمكنْ ذِكرُ ذلكَ إِذ مَن غابَ وإِنِ انْقَطَعَ خبرُهُ لا تُوجبُ غيبتُهُ وانقطاعُ خبرِهِ الحكمَ بمقدارِ عمرِهِ ولا بانْقضاءِ حياتِهِ، وقدرةِ ٱلله واسعةٌ وحِكَمِهِ وأَلطافِهِ بعبادِهِ عظيمةٌ عامَّةٌ، ولوازمِ عظماءِ العلماءِ أَن يُدركوا حقائقَ مقدوراتِهِ وكُنْهِ قدرتِهِ لم يَجدوا إِلَى ذلكَ سبيلاً، ولا نقلَ طرفِ تَطلُّعهم إِليهِ حسيراً وحده كليلاً، وأَملى عليهم لِسانُ عجزِهِم عنِ الإِحاطةِ بهِ وما أُوتيتُم مِنَ العلمِ إِلَّا قليلاً.
وليسَ ببدعٍ ولا مستغربٍ تعميرُ بعض ِعبادِ ٱللهِ المخلصينَ، ولا امتدادُ عمرِهِ إِلى حين، فقد مدَّ ٱلله تعالى أَعمارَ جمعٍ كثيرٍ مِن خلقهِ مِن أَصفيائِهِ وأَوليائِهِ ومِن مطرودِيهِ وأَعدائِهِ، فمِنَ الأَصفياءِ: عيسى﴿ع﴾، ومِنهُم الخِضرُ، وخلقٌ آخرونَ مِنَ الأَنبياءِ طالت أَعمارُهُم، حَتَّى جاز كُلُّ واحدٍ مِنهُم أَلفَ سنةٍ أو قاربَها كنوحٍ ﴿ع﴾ وغيرِهِ.
وأَمَّا مِنَ الأَعداءِ المَطرُودِينَ: فإِبليسُ، وكذلكَ الدَّجَّالُ، ومِن غيرِهِم كعادٍ الأَولى، كانَ فِيهُم مِن عمرِهِ ما يُقاربُ الأَلف، وكذلكَ لقمانُ صاحبُ لبد.
وكُلُّ هذهِ لِبيانِ اتِّساعِ القدرةِ الرَّبَّانِيَّةِ في تعميرِ بعضِ خلقِهِ، فأَيُّ مانعٍ يَمنعُ مِنِ امتدادِ عُمرِ الصَّالحِ الخَلَفِ النَّاصحِ إِلى أَن يظهرَ فيعمل ما حَكَمَ ٱللهُ لهُ بهِ؟ )) إنتهَىٰ.
وهذا المعنى مِنَ البيانِ الَّذِي صَدَع َ بهِ العلَّامةُ مُحَمَّدُ بنُ طلحة الشَّافِعِيُّ هُنا هو الموافقُ عمليَّاً لِمَا صَرَّحَ بهِ علماءُ الأَنسابِ في حقِّ الإِمامِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ العسكريِّ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾. فَهَاهُوَ النَّسَّابَةُ العمريُّ المشهورُ مِن أَعلامِ القرنِ الخامسِ الهجريّ يُصرّحُ في كتابهِ "المُجدي في أَنسابِ الطَّالِبِيِّينَ" ويقولُ ما نَصَّهُ: ((ومات أَبو مُحَمَّدٍ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾ وَوَلَدُهُ مِن نرجسَ ﴿عَلَيهَا السَّلَامُ﴾ معلومٌ عندَ خاصَّةِ أَصحابهِ وثقاتِ أهلهِ، وسنذكرُ حالَ ولادتهِ والاَخبارَ الَّتِي سَمِعْنَاها بذلكَ، وامْتُحِنَ المؤمنونُ بل كَآفَّة النَّاسِ بغيبتِهِ، وشَرَهَ جعفرُ بنُ عليٍّ إِلى مالِ أَخيهِ وحَالَهُ، فدفعَ أَنْ يكونَ لهُ ولدٌ، وأَعانَهُ بعضُ الفراعنةِ على قَبْضِ جَواري أَخيهِ )) إنتهَىٰ.
وهاهو الفخرُ الرَّازِيُّ الَّذِي نجدُهُ بعدَ أن يُثبتَ وجودَ أَبناءٍ وبناتٍ لِلإِمامِ الحَسَنِ العسكريّ يُنُصُّ على وفاتِهِم في حياةِ أَبيهِم واحداً واحداً يَتركُ التعرُّضَ لِذكرِ وفاةِ الإمامِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بالمرَّةِ ولا يُشيرُ إِلى شيءٍ مِن ذلكَ البتَّة، قال في كتابهِ الشَّجَرَةُ المباركةُ في أَنسابِ الطَّالبيَّةِ تحتَ عنوانِ: أَولادِ الإمامِ العسكريّ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾ ما نصّه: (( أَمَّا الحَسَنُ العسكريُّ الإِمام ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾ فلهُ ابْنَانِ وبِنتَانِ: أَمَّا الابنانِ، فأَحدُهُما : صاحبُ الزَّمَان﴿عَجَّلَ ٱللهُ فرجَهُ الشَّريفَ﴾، والثَّاني موسى دَرَجَ في حياةِ أَبيهِ. وأَمَّا البِنتانِ: ففاطمةُ دَرَجَت في حياةِ أَبيها، وأُمُّ موسى دَرَجَت أَيضَاً)) إنتهَىٰ.
وهَا هُو نسَّابةُ المدينةِ الشَّريفُ أَنَسُ بنُ يعقوبَ الكَتبِيُّ يقول في كتابهِ "الأُصولِ في ذريَّةِ البضعةِ البتولِ": (( ومِنَ الثَّابتِ عندَ أَهلِ العلمِ مِن متقدِّمينَ ومتأخِّرينَ انْقِطاعُ خبرِهِ، وعدمُ معرفةِ قبرِهِ ولا مكانِهِ ...( إِلَى أَن يقول ) ومِنَ التحاليلِ السَّابقةِ والَّتِي استقصَيناها مِنَ الكُتُبِ المعتمدةِ الَّتِي تُؤكِّدُ لنا صحَّةَ اخْتفاءِ الإمامِ المهديِّ في سِنٍّ مبكرٍ وعدمِ ظهورِهِ، فلم يكنْ لهُ عَقِبٌ بالإِجماعِ، وهذا ما أَثبَتَتْهُ كُتُبُ الأَنسابِ والمُشَجَّرَاتِ المتقدِّمةِ المعتمدةِ، بأَن ليسَ لهُ عَقِبٌ بإِجماعِ كبارِ النَّسَّابينَ، وبذلكَ لم يُعرَفُ مكانُهُ ولا ذَراريهِ )) إنتهىٰ.
فها هِيَ أَدلَّتُنَا على ولادةِ إِمامنا المهديّ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾ واستمرارِ وجودِهِ وغيبتِهِ مِن طُرُقِ مُخالِفِينا تَشهدُ على مُدَّعانا، ولا ننفردُ نُحنُ فقط بما نقولُ، فهَل وجدتُّم عقيدةً مِن عقائدِ أَهلِ الدُّنيا يَشهَدُ المخالفونَ لها بمثلِ هذهِ القوَّةِ في كُتُبِهِم ؟!!
فالحَمدُ للهِ الَّذِي بِنِعمتهِ تتمُّ الصَّالِحاتُ.
ودُمتُم سَالِمِينَ
اترك تعليق