كَيفَ يَصِحُّ تَقليدُنا لِلعُلماءِ وأقوالُهُم لا تُفيدُ إلّا الظَنَّ ؟!

مُحَمّد: بِسمهِ تَعالى ..  السَّلامُ عليكُم ورَحمَةُ اللهِ وبركاتُهُ ..  كيفَ نوفِّقُ بينَ قولِهِ تَعالى : (وَمَا یَتَّبِعُ أَكۡثَرُهُمۡ إِلَّا ظَنًّاۚ إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا یُغۡنِی مِنَ ٱلۡحَقِّ شَیۡـًٔاۚ) وبينَ عَقيدتِنا في التَّقليدِ ؟ إنَّ فَتاوى العُلماءِ أقصى ما تَصلُ اليهِ هيَ الظنُّ المعتَبَرُ لا الحُكمُ الواقِعيّ ؟ وما الفرقُ بينَ الظَّنَّينِ ؟  وبورِكَت جُهودُكم ..

: اللجنة العلمية

الأخُ مُحمّدٌ المُحترَمُ، السَّلامُ عليكُم ورَحمَةُ اللهِ وبَركاتُهُ 

يَصِحُّ تَقْليدُنَا لِلْعُلَمَاءِ مَعَ أَنَّ أَقْوَالَهُمْ لَا تُفِيدُ إِلَّا الظَّنَّ الْمُعْتَبَرَ- كَمَا تَقُولُ- كَمَا صَحَّ أخْذُنَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ، مَعَ أَنَّ الْأخْذَ بِهِ لَا يُفِيدُ إِلَّا الظَّنَّ الْمُعْتَبَرَ أَيْضًا، وَالْمُسْتَنَدُ فِي ذَلِكَ هُوَ السِّيَرَةُ الْعُقَلَائِيَّةُ المُمضاةُ مِنْ قِبَلِ الْمَعْصُومِينَ (عَلَيْهِمُ السَّلامُ)، فَالسِّيَرَةُ الْعُقَلَائِيَّةُ فِي الْأخْذِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بَيْنَ النَّاسِ كَانَتْ تَجرِي عَلَى مَرْأى وَمَسْمَعِ الْمَعْصُومِ (عَلَيْهِ السَّلامُ) وَلَمْ يَرِدْ إِلَيْنَا رَدْعٌ عَنْهَا، فَكَانَ هَذَا السُّكُوتُ هُوَ إقْرَارٌ وَإِمْضَاءٌ مِنْهُمْ (عَلَيْهِمُ السَّلامُ) لِلْأَخْذِ بِالسِّيرَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَإقْرَارُ الْمَعْصُومِ حُجَّةٌ فِي الْمَوَارِدِ الَّتِي يُخْشَى مِنْهَا عَلَى الدِّينِ (لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ كَانَ يَحْتَمِلُ جِدًّا أَنَّهُ سَيَعْمَلُ بِهِ الْمُتَشَرِّعَةُ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ لِذَا كَانَ عَلَى الْمَعْصُومِ (عَلَيْهِ السَّلامُ) الرَّدْعُ عَنْهُ فِيمَا لَوْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الدِّينِ كَمَا رَدَعُوا عَلَيْهِمُ السَّلامُ عَنِ اِسْتِعْمَالِ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُمْ خَافُوا مِنْهُ عَلَى الدِّينِ)، فَنَفْسُ هَذَا الْمَعنى مِنَ السِّيَرَةِ الْعُقَلَائِيَّةِ تَجِدُهُ فِي الرُّجُوعِ إِلَى أهْلِ الْخِبْرَةِ، فَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَرْجِعُونَ إِلَى أهْلِ الْخِبْرَةِ أيَّامَ الْمَعْصُومِينَ (عَلَيْهِمُ السَّلامُ)، بَلْ قَبْلَ زَمَانِهِمْ، وَكَانَ هَذَا الرُّجُوعُ عَلَى مَرْأى وَمَسْمَعِ الْمَعْصُومِينَ (عَلَيْهِمُ السَّلامُ)، وَلَمْ يَثبُتْ صُدُورُ رَدْعٍ عَنْهُمْ (عَلَيْهِمُ السَّلامُ) لِلنَّاسِ فِي عَدَمِ الرُّجُوعِ إِلَى أهْلِ الْخِبْرَةِ.

فَعُدَّ هَذَا السُّكُوتُ وَعَدَمُ الرَّدْعِ مِنَ الْأئِمَّةِ (عَلَيْهِمُ السَّلامُ) إِمْضَاءٌ لِلْأَخْذِ بِهَذِهِ السِّيَرَةِ الْعُقَلَائِيَّةِ فِي الرُّجُوعِ إِلَى أهْلِ الْخِبْرَةِ، وَالْفُقَهَاءُ وَالْمُجْتَهِدُونَ هُمْ مِنْ أهْلِ الْخِبْرَةِ فِي اِخْتِصَاصِهِمْ، فَيَجُوزُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِمْ فِي هَذَا الْجَانِبِ ؛ بِمُوجِبِ هَذِهِ السِّيَرَةِ الْعُقَلَائِيَّةِ المُمضاة مِنَ الْأئِمَّةِ الْمَعْصُومِينَ (عَلَيْهِمُ السَّلامُ).

أَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الظَّنِّ الْوَارِدِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَالظَّنِّ الْمُعْتَبَرِ الَّذِي يَجُوزُ الْأخْذُ بِهِ، فَلَهُ عِدَّةُ بَيَانَاتٍ أَبْرَزُهَا أَنَّ الظَّنَّ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْمُرَادُ بِهِ الظَّنُّ السَّاذَجُ وَالْبَسيطُ الَّذِي لَا يُوجَدُ مُسَوِّغٌ عُقَلَائِيٌّ لِلرُّكونِ إِلَيْهِ، خِلَاَفَ الظَّنِّ الْمُعْتَبَرِ الَّذِي يَقْتَرِبُ مِنَ الْاِطْمِئْنَانِ عِنْدَ النَّاسِ، كَمَا فِي الْأخْذِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ.

أَوْ يُرَادُ بِهِ الظَّنُّ فِي أُصولِ الدِّينِ دُونَ فُرُوعِهِ، فَهَذَا الظَّنُّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ فِي الْأخْذِ بِأُصولِ الدِّينِ الْقَطْعَ وَالْيَقِينَ دُونَ الظَّنِّ، سَوَاءً كَانَ مُعْتَبَراً أَوْ لَا.

  وَدُمْتُم سَالِمِينَ.