هل مُمكنُ أَن يَستَمتِعَ المُؤمِنُ بالدنيا؟

راغِبُ/الأُردُن/: أَلَا يكفي جمالُ الطًّبيعةِ وروعةُ الحياةِ، لكي نتمتَّعَ بوجودِنا، ونعيشَ بأَمانٍ مِن دُون الإِيمانِ بالله؟

: اللجنة العلمية

هذا السُّؤالُ غَيرُ منطقِيٍّ ولا يَنسجمُ مع بديهيَّاتِ التَّفكيرِ عندَ الإِنسانِ؛ لكونِهِ يجعلُ الْاسْتِمتَاعَ بالحياةِ في قِبالِ الإِيمانِ باللهِ وكأَنَّ بينَهما تعارضٌ، وكما قيلَ إِثباتُ الشِّيءِ لا يَنفي ما عداهُ، فمثلاً: مَن يقولُ إنَّ منظرَ الصَّحراءِ جميلٌ لا يعني أَبَداً أَنَّ منظرَ البحرِ ليسَ بجميلٍ، فلكُلُّ واحدٍ مُنهما تعبيرُهُ الخاصُّ عنِ الجمالِ، وعليهِ يُصبحُ هذا السُّؤالُ مَقبولاً إِذا كانَ هناكَ تعارضٌ بينَ الاسْتِمتاعِ بروعةِ الطًّبيعةِ وجمالِ الحياةِ وبينَ الِإيمانِ بٱللهِ تعالى، وعندَ التَّعارضِ يتخيَّرُ الإِنسانُ بينَ الأَمرينِ، أَمَّا إِذا كانَ بإمكانِ الإِنسانِ أَن يستمتِعَ بجمالِ الطًّبيعةِ وفي نفسِ الوقتِ يُؤمِنُ بٱللهِ فما هو المبرِّرُ لِمثلِ هذا السُّؤال؟.

وقد سخَّر ٱللهُ هذه الدُّنيا لِلإنسانِ وأَمرَهُ أَن يتمتَّعَ بما فيها مِن خيراتٍ، بل جَعَلَ المُتعةَ الحقيقةَ خاصَّةً بالمؤمنينَ الَّذينَ يفوزونَ بخيراتِ الدُّنيا ونعيمِ الآخرةِ، قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾. (32 الأَعراف)، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾. (168 البقرة). وقال: ﴿وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ (88 المائدة). وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾. (141 الأنعام)، وغير ذلك مِن الآياتِ الدالَّةِ على أَنَّ ٱللهَ أمر عباده بالاستفادةِ مِن خيراتِ الدُّنيا ونعيمِها؛ بل جعلَ الإِيمانَ بٱللهِ هو الضَّامِنُ؛ لِحياةٍ طيِّبةٍ بعيدةْ عنِ المطامعِ والأَنانيَّاتِ والصِّراعاتِ الَّتِي تُحَرِّكُها شياطينُ الجنِّ والأُنسِ. 

وما فاتَ على السَّائلِ أَنَّ الاستمتاعَ بجمالِ الحياةِ ورعةُ الطبيعةِ دونَ الإِيمانِ بٱللهِ سيكون مجرَّدَ متعةٍ حيوانيَّةٍ شهوانيَّةٍ لا عقلَ فيها ولا بصيرةً، فيُصبحُ حالهُ (كالبهيمةِ المربوطةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ المرسَلةِ شُغلها تقمُّمها، تكترِشُ مِن أَعلافها وتلهو عمَّا يُرادُ بها). فسعادةُ الإِنسانِ الحقيقيَّةِ ليسَت بإشباعِ شهواتِهِ ورغباتُهُ الحيوانيَّة، بعيداً عن القِيَمِ الكبرى، والمُثُلُ العليا الَّتِي تميِّزُهُ كإنسانٍ عن بقيَّةِ الحيوانات، وإِنَّما المُسَاعدةُ في الاستفادةِ مِنَ الدُّنيا وتسخيرِها مِن أجلِ تكاملُهِ الرُّوحيّ والمعنويّ الَّذِي يحلق ُ بهِ بعيداً عن صَغائرِ الأُمورِ، فقيمةُ الإِنسانِ فيما يحملُهُ مِن قِيَمٍ، وفضيلةِ الإِنسان فيما يحملُهُ مِن فضائلِ، وكُّلّ ذلكَ لا يكون دونَ الإِيمانِ بٱللهِ مُصدر الخير والفضيلةِ وكُلِّ القِيَمِ الأَخلاقيَّةِ السَّامية.

وبالتالي يُمكنُ لِلمؤمنِ أن يستمتعً بروعةِ الطبيعةِ وجمالِ الحياةِ، ولكن ليسَ بوصفِهِ حيواناً تُحَرِّكُهُ الشَّهواتُ والرَّغباتُ، وإِنَّما بوصفِهِ إنساناً لهُ عقلٌ وأخلاقٍ وقِيَمٍ ومَناقبَ تربطهُ دوماً بٱللهِ تعالى، أَمَّا غيرُ المُؤمنِ يُمكنُهُ أَن يستمتعَ بذلكَ كما تستمعُ البهيمةُ فتجِدْهُ يلهو في الدُّنيا مِن غيرِ هِدَىً أو بصيرةٍ.

والحَمدُ للهِ ربِّ العالِمِينَ