لِماذا يُكَلِّفُنا اللهُ بالصِّيامِ في هذا الحَرِّ؟
عَلاء فالِح مطر: السَّلامُ عَليكُم .. ماهيَ فَلسفَةُ الصِّيام لِماذا يُكلِّفُنا اللهُ بأنْ نَصومَ لهُ في هذا الحَرِّ الشَّديد ؟ ماذا يَنفعهُ لو صُمنا وماذا يضرُّهُ لو أفطَرنا؟ هَلْ مِنَ المَعقولِ أنَّ اللهَ ليسَ لديهِ أعمالٌ أخرى إلاّ أنْ يَنظرَ إليَّ هل إنّي صُمتُ أم لا؟ لا أعلمُ ما الفائدةُ للهِ مِنْ أنْ أقطَعَ الطَّعامَ والشَّرابَ طِوالَ اليوم؟ هذهِ أسئلةٌ طُرِحَتْ عليَّ وأُحبُّ أنْ آخذَ الإجابَةَ مِنْ مَصدركُم الكَريم وفَّقكُمُ اللهُ لِخدمةِ محمَّدٍ وآلِ مُحمَّد (ص) وجَعلكُم مِنَ المَرضِيينَ عندَ إمامِ زَمانِنا (عج)
لِبَيَانِ الْحِكْمَةِ مِنَ الصِّيَامِ ضِمْنَ مَا طُرِحَ مِنْ أسْئِلَةٍ لَا بُدَّ مِنْ وَضْعِ مُقَدِّمَاتٍ تُسَاعِدُنَا عَلَى ذَلِكَ.
أَوَّلاً: لِمَعْرِفَةِ الْفَلْسَفَةِ وَالْحِكْمَةِ مِنْ أَيِّ شَيْءِ يَجِبُ أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَ الْمُقَدِّمَاتِ الْإِجْرَائِيَّةِ وَالْمُكَوِّنَاتِ الطَّبِيعِيَّةِ لِلشَّيْءِ، وَبَيْنَ الْغَايَةِ الَّتِي يَهْدِفُ إِلَيْهَا الشَّيْءُ، فَمَثَلاً الْمَدْرَسَةُ شَيْءٌ وَالْهَدَفُ مِنْهَا شَيْءٌ آخَر، وَالسَّيَّارَةُ شَيْءٌ وَالْهَدَفُ مِنْهَا شَيْءٌ أُخَر، وَهَكَذَا كُلُّ الْأُمُورِ تُفْهَمُ ضِمْنَ أَهْدَافِهَا لَا ضِمْنَ تَفْصِيلَاتِهَا الْإِجْرَائِيَّةِ، وَعَلَيْهِ لَا يُمْكِنُ النَّظَرُ إِلَى مُكَوِّنَاتِ الْمَدْرَسَةِ مِنْ جُدْرَانٍ وَفُصُولٍ، أَوِ النَّظَرُ إِلَى مُكَوِّنَاتِ السَّيَّارَةِ ثُمَّ نُرِيدُ بِذَلِكَ اِكْتِشَافَ الْحِكْمَةِ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا الْحِكْمَةُ تُكْتَشَفُ عِنْدَمَا نَنْظُرُ لِلْمُؤَدَّى النِّهَائِيِّ الَّذِي يُرِيدُ أنْ يُحَقِّقَهُ شَيْءٌ مَا، وَعَلَيْهِ مَنْ يَنْظُرُ لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ خِلَالِ مُكَوِّنَاتِهَا الذَّاتِيَّةِ لَا يُمكِنُ أَنْ يَفْهَمَ الْحِكْمَةَ مِنْهَا، فَمَنْ يَنْظُرُ لِلصَّلَاةِ مِنْ خِلَالِ رُكوعِهَا وَسُجُودِهَا دُونَ الْاِلْتِفَاتِ إِلَى غَايَاتِهَا سَوْفَ يَرَى فِيهَا حَرَكَاتٍ غَيْرَ مَفْهُومَةٍ، وَهَكَذَا مَنْ يَنْظُرُ إِلَى الصِّيَامِ بِوَصْفِهِ عَطَشاً وَجُوعاً سَوْفَ يَرَى فِيهِ عُقُوبَةً غَيْرَ مُبَرَّرَةٍ، وَهَذَا خَطَأٌ فِي التَّقْيِيمِ طَالَمَا يَفْتَرِضُ أَنَّ الْمُشَرِّعَ حَكيمٌ، وَلِكَيْ نَبْحَثَ عَنْ هَذِهِ الْحِكْمَةِ يَجِبُ النَّظَرُ لِلْأَحْكَامِ ضِمْنَ غَايَاتِهَا وَحِينَهَا سَنَكْتَشِفُ أَنَّ ذَلِكَ الْهَدَفَ يَسْتَحِقُّ كُلَّ هَذَا الْعَنَاءِ.
ثَانِيَاً: الْحِكْمَةُ مِنَ الأحكامِ الشَّرْعِيَّةِ تُفْهَمُ فِي إِطَارِ الْمَخْلُوقِ وَلَيْسَ فِي إِطَارِ الْخَالِقِ، بِمَعنى أَنَّ الْأَحْكَامَ وُضِعَتْ مِنْ أَجَلِ الْإِنْسَانِ، فَقِيمَةُ الْإِنْسَانِ فِيمَا أَرَادَهُ الشَّارِعُ لِلْإِنْسَانِ، وَلَيْسَ فِيمَا أَرَادَهُ مِنَ الْإِنْسَانِ، وَبِذَلِكَ لَا تَكُونُ الْعِبَادَةُ عَطَاءً مِنَ الْإِنْسَانِ بِقَدْرِ مَا هِي عَطَاءٌ لِلْإِنْسَانِ ؛ لِأَنَّ مَعناها حَقِيقَةً لَيْسَ سَلْبُ شَيْءٍ مِنَ الْإِنْسَانِ وَإِنَّمَا تَحْقِيقُ قِيمَةٍ لَهُ.
جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ الْإمَامَ الصَّادِقَ (ع) قَالَ لِمَ خَلْقَ اللهُ الْخَلْقَ ؟ فَقَالَ:( إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ خَلْقَهُ عَبَثًا، وَلَمْ يَترُكْهم سُدًى، بَلْ خَلَقَهُمْ لِإِظْهَارِ قُدْرَتِهِ، وَلِيُكَلِّفَهُمْ طَاعَتَهُ، فَيَسْتَوْجِبُوا بِذَلِكَ رِضْوَانَهُ، وَمَا خَلَقَهُمْ لِيَجْلِبَ مِنْهُمْ مَنْفَعَةً وَلَا لِيَدْفَعَ بِهِم مَضَرَّةً، بَلْ خَلقَهُمْ لِيَنْفَعَهُمْ وَيُوصِلَهُمْ إِلَى نَعِيمِ الْأبَدِ).
فَالْإِسْلَامُ بِهَذَا الْمَعنى، هُوَ النِّظَامُ الْإلَهِيُّ الَّذِي هَدَفُهُ بِنَاءُ الْإِنْسَانِ، وَتَكَامُلُهُ فِي كَافَّةِ الْمَجَالَاتِ، وبالتّالي لَا يُمكِنُ أَنْ نَفْهَمَ الأحكامَ الشَّرْعِيَّةَ بِوَصْفِهَا مُصَادَرَةً لِرَغبَاتِ الْإِنْسَانِ وَإِرَادَتِهِ وَإِنَّمَا تَنْبِيهُ الْإِنْسَانِ إِلَى حَاجَاتٍ أُخْرَى قَدْ تَحْجُبُهَا هَذِهِ الشَّهْوَاتُ.
فَتعَاليمُ الدِّينِ وَتَشْرِيعَاتُهُ عَلَى كُلِّ الْمُسْتَوَيَاتِ، تُحَقِّقُ لِلْإِنْسَانِ غَايَتَهُ، وَهِي الْاِقْتِرَابُ مِنَ اللهِ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ، فَيَكُونُ الْإِنْسَانُ رَبَّانِيًّا مُتسامِياً فَوْقَ الْأَنَانِيَّاتِ الضَّيِّقَةِ وَالرَّغْبَاتِ الدَّنِيَّةِ فَيُصْبِحُ إِنْسَاناً كُلَّمَا إرْتَبَطَ بِاللهِ فِي شُعُورِهِ وَسُلُوكِهِ وَمَعَارِفِهِ،( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)( 162 الْأَنْعَام)، فَلَا تَكُونُ قِيمَةُ الْإِنْسَانِ حينَئذٍ قِيمَةً ذَاتِيَّةً نَابِعَةً مِنْ طَبِيعَتِهِ الشَّخْصِيَّةِ، فَالْإِنْسَانُ بِمَا هُوَ مَخْلُوقٌ نَاقِصٌ بِالطَّبْعِ وبالذّاتِ، وَفَاقِدٌ لِكُلِّ كَمَالٍ، فَتَأتي الأحكامُ الشَّرْعِيَّةُ لِكَيْ تُهَذِّبَ روْحَ الْإِنْسَانِ وَتُرَبِيَّ نَفْسِيَّتَهُ الْمُتَمَرِّدَةَ فَيَرْتَبِطَ بِاللهِ فَيَكْتَشِفَ مَكَانَتَهُ وَكَيْفَ أنَّ اللهَ قَدْ كَرَّمَهُ وَرَفَعَهُ بَعيداً عنْ صَغَائِرِ الدُّنْيَا الزَّائِلَةِ.وإختصَرَتِ السَّيّدةُ الزّهراءُ صَلواتُ اللهِ وسلامُهُ عَلَيها هذا المَعنى في قَولِها في خُطبَتِها:و(جَعَلَ)الصِّيامَ تَثبيتاً للإخلاص.
وَعِنْدَ هَذِهِ النُّقْطَةِ تَتَشَكَّلُ مُفَارَقَةٌ جَوْهَرِيَّةٌ بَيْنَ قِيمَةِ الْإِنْسَانِ فِي الْإِسْلَامِ، وَبَيْنَ قِيمَةِ الْإِنْسَانِ فِي الْفَلْسَفَاتِ الْوُجُودِيَّةِ، الَّتِي تَتَضَخَّمُ فِيهَا الْأَنَا بِشَكْلٍ يُصْبِحُ الْإِنْسَانُ فِيهَا رَبًّا لِلْوُجُودِ، وَهَذِهِ النَّظَرَةُ الْغَافِلَةُ عَنْ حَقِيقَةِ الْإِنْسَانِ الْعَاجِزِ وَالْفَقِيرِ إِلَى اللهِ، لَا تُكْسِبُ الْإِنْسَانَ إِلَّا مَزِيدًا مِنَ الْغُرُورِ وَعِبَادَةِ الذّاتِ، وَهِيَ النُّقْطَةُ الَّتِي تَتَوَقَّفُ فِيهَا مَسيرَةُ الْإِنْسَانِ، عِنْدَما يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ بِعَيْنِ الرِّضا وَالْكَمَالِ، بِعَكْسِ الْمُؤْمِنِ بِاللهِ الَّذِي يَكُونُ إيمَانُهُ سَبَبًا لِعروجٍ لَا حَدَّ لَهُ.
ثَانِياً: الأحكامُ الشَّرْعِيَّةُ يَجِبُ أَنْ تُفْهَمَ ضِمْنَ الْهَدَفِ الْعَامِّ الَّذِي أَرَادَهُ الْمُشَرِّعُ لِلْإِنْسَانِ، وَهُوَ تَحْقِيقُ التَّكَامُلِ الرُّوحِيِّ وَالْمَادِّيِّ لِلْإِنْسَانِ، وَعِنْدَهَا نَفْهَمُ كُلَّ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِوَصْفِهَا تَعْلِيمَاتٍ مُتَكَامِلَةً يَسْتَهْدِفُ كُلُّ حُكْمٍ تَنْمِيَةَ جَانِبٍ فِي شَخْصِيَّةِ الْإِنْسَانِ، فَنَوَاقِصُ الْإِنْسَانِ مُخْتَلِفَةٌ وَمُتَعَدِّدَةٌ وَلَا يُمكِنُ أَنْ نَفْهَمَ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ مَا لَمْ نَفْهَمْ نَوَاقِصَ الْإِنْسَانِ وَحَاجَاتِهِ، فَالْإِنْسَانُ الَّذِي يَنْظُرُ إِلَى نَفْسِهِ بِعَينِ الرِّضَا وَالْكَمَالِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْهَمَ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ ؛ إِذْ كَيْفَ يَفْهَمُهَا وَهُوَ لَا يَفْهَمُ نَفْسَهُ وَمَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ مِنْ نَقْصٍ وَقُصُورٍ ؟ وَالْإِسْلَامُ إسْتَهْدَفَ بِنَاءَ الْإِنْسَانِ عَلَى الْمُسْتَوَى الْفَرْدِيِّ وَالْاِجْتِمَاعِيِّ، وَمِنْ هُنَا فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ يَجِبُ فَهْمُهَا كَوَحْدَةٍ مَوْضُوعِيَّةٍ مُتَكَامِلَةٍ وَمُتَجَانِسَةٍ وُضِعَتْ لِلْاِرْتِقَاءِ بِالْإِنْسَانِ وَمُعَالَجَةِ كُلِّ نَوَاقِصِهِ، فَمَثلاً لَوْ فَرَضنا أَنَّ الْحَجَّ يَسْتَهْدِفُ الْجَانِبَ الْاِجْتِمَاعِيَّ وَالتَّرَابُطُ الْبَشَرِيَّ وَوَحْدَةَ الْأَصْلِ والتّساوي بَيْنَ يَدَيِ اللهِ، يُمْكِنُ أَنْ نَفْهَمَ الزَّكَاةَ أَيْضًا بِوَصْفِهَا مُقَدّمَةً ضَرُورِيَّةً لِتَحْقِيقِ الْإِحْسَاسِ بِالْآخَرِ مِنْ خِلَالِ مُعَالَجَةِ الشُّحِّ وَالْبُخْلِ الَّذِي يَحْجُبُ الْإِنْسَانَ عَنِ النَّظَرِ لِلْمُحْتَاجِ، وَبِمَا أَنَّ الَّذِي يُعِيدُ
الْإِنْسَانَ دَائِمًا إِلَى التَّفَاعُلِ الْإِيجَابِيِّ مَعَ الآخرينَ هُوَ الْاِرْتِبَاطُ بِاللهِ وَعَدَمُ الْاِسْتِغْرَاقِ فِي مَشَاغِلِ الْحَيَاةِ، يُمْكِنُ حِينَهَا أَنْ نَفْهَمَ الصَّلَاَةَ بِوَصْفِهَا تَنْبِيهاً لِلْإِنْسَانِ خَمْسَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ حَتَّى لَا يَغْرَقَ فِي تَفَاصِيلِ هَذِهِ الدُّنْيَا، وَهَكَذَا الصِّيَامُ مِنْ أَهَمِّ الأحكامِ لِأَنَّهُ يُزَوِّدُ الْإِنْسَانَ بِطَاقَةٍ مِنَ الصَّبْرِ وَالْجَلَدِ مِنْ أجْلِ الْاِنْطِلَاقِ بِعَزِيمَةٍ قَويَّةٍ فِي بَقِيَّةِ أَشْهُرِ السَّنَةِ.
إِذَا فَهْمِنَا كُلَّ ذَلِكَ نَأْتِي لِنُجيبَ عَلَى الْأسْئِلَةِ الَّتِي طُرِحَتْ:
1-لِمَاذَا يُكَلِّفُنَا اللهُ بِأَنْ نَصُومَ لَهُ فِي هَذَا الْحَرِّ الشَّدِيدِ ؟ اِرْتِكَازًا عَلَى الْمَبْدَأِ الْأَوَّلِ الَّذِي أَسَّسْنَاهُ، فَإِنَّ الْحِكْمَةَ لَا تُعرَفُ إِذَا نَظَرْنَا لِلصِّيَامِ مِنْ خِلَالِ الْعَطَشِ الَّذِي يُصِيبُ الْإِنْسَانَ فِي الْحَرِّ، وَإِنَّمَا تُفْهَمُ الْحِكْمَةُ مِنْ خِلَالِ الْغَايَةِ وَالْهَدَفِ الْعَامِّ مِنَ الصِّيَامِ، فَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الْغَايَةَ مَثَلًا هِي تَقْوِيَةُ إِرَادَةِ الْإِنْسَانِ وَعَزِيمَتِهِ، حِينَهَا يَكُونُ الصِّيَامُ فِي الْحَرِّ هُوَ الْأَنْسَبُ لِتَحْقِيقِ هَذِهِ الْغَايَةِ، مِثْلَ أَنْ نَعُدَّ مُنَافَسَةً رِيَاضِيَّةً ضِمْنَ ظُروفٍ قَاسِيَةٍ، فَالظُّروفُ الْقَاسِيَةُ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً بِحَدِّ ذاتِها وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ اِختبَارُ قُوَّةِ تَحَمُّلِ اللَّاعِبِ، وَإِذَا اِفْتَرَضْنَا أَنَّ الْغَايَةَ هِيَ إحساسُ الْإِنْسَانِ بِنِعَمِ اللهِ الَّتِي يَسْتَهْلِكُهَا مِنْ دُونِ أنْ يَلْتَفِتَ إِلَيْهَا، حِينَهَا يُصْبِحُ الْعَطَشُ فِي الْحَرِّ مُهِمّاً حَتَّى يَعرِفَ الْإِنْسَانُ نِعمَةَ الْمَاءِ فَيَحْمَدَ اللهَ عَلَيْهَا وَيَعْمَلَ عَلَى اِحْتِرَامِهِ وَعَدَمِ هَدْرِهِ وَالْإِسْرَافِ فِيهِ، وَلَوْ فَرَضنَا أَنَّ الْحِكْمَةَ هِي الْإِحْسَاسُ بِالْآخَرِ الَّذِي لَا مَاءَ لَهُ وَلَا طَاعِمَ حِينَهَا يَكُونُ هَذَا الْعَطَشُ مُهِمّاً لِتَحْقِيقِ هَذَا الْإِحْسَاسِ، وَهَكَذَا يَجِبُ أَنْ لَا نَنْظُرَ لِلْعَطَشِ مُنْفَصِلًا عَنِ الْغَايَةِ مِنْهُ.
2- مَاذَا يَنْفَعُهُ لَوْ صُمْنا وَمَاذَا يَضُرُّهُ لَوْ أفَطَرْنَا ؟ بِحَسْبِ الْمَبْدَأِ الثّاني الَّذِي أسَّسناهُ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَنْتَفِعُ إِذَا صُمْنا أَوْ أَفَطَرْنَا، وَإِنَّمَا الْإِنْسَانُ هُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ، بِمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ مَخْلُوقٌ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ ضِمْنَ خُطَّةٍ لَمْ يُسَاهِمْ هُوَ فِي وَضْعِهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَلْتَزِمَ بِشُرُوطِ هَذِهِ الْخُطَّةِ، وَهِي أَنْ يَكُونَ مَسْؤُولًا عَنْ كَرَامَتِهِ الَّتِي كَرَّمَهُ اللهُ بِهَا، وَلِكَيْ يَصِلَ إِلَى تِلْكَ الْكَرَامَةِ لَابُدَّ أَنْ يَتَرَفَّعَ عَنْ مَلَذَّاتِ الْحَيَاةِ، وَحِينَهَا يُصْبِحُ الصِّيَامُ حُكْماً ضَرُورَياً يُذَكِّرُ الْإِنْسَانَ بِهَذَا الْهَدَفِ.
3- هَلْ مِنَ الْمَعْقُولِ أنَّ اللهَ لَيْسَ لَدَيْهِ أعمالٌ أُخرى إلّا أنْ يَنْظُرَ إليَّ هَلْ إنّي صُمْتُ أمْ لَا؟.
هَذَا السُّؤَالُ يَنْطَلِقُ مِنْ تَصَوُّرٍ مُشَوَّهٍ لِلتَّوْحِيدِ وَفِيهِ مُقَايَسَةٌ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ وَهَذَا مَا لَا يَجُوزُ قَبُولُهُ، فاللهُ لَيْسَ إِنْسَاناً حَتَّى نُجْرِيَ عَلَيْهِ مَا يَجْرِي عَلَى الْإِنْسَانِ، فاللهُ خَالِقُ الْإِنْسَانِ وَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ مُنْقَادًا لِخَالِقهِ أَوْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مُلْكِ اللهِ وَسُلْطَانِهِ، إِذَا عَجَزَ الْإِنْسَانُ عَنْ فِعلِ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَأَدَّبَ عِنْدَمَا يَتَحَدَّثُ عَنْ خَالِقِهِ، فاللهُ خَلْقَ الْإِنْسَانَ وَكَلَّفَهُ بِأَحْكَامٍ وَلَا يَغِيبُ عَنِ اللهِ شَيْءٌ فَمَنِ اِسْتَجَابَ نَجَحَ فِي الْاِختبَارِ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ يَتَحَمَّلُ مَسْؤُولِيَّةَ تَقْصيرِهِ.
4- لَا أعْلَمُ مَا الْفَائِدَةُ للهِ مِنْ أنْ أقطَعَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ طِوالَ الْيَوْمِ ؟ السُّؤَالُ خَاطِئٌ فَلَا أحَدَ يَقُولُ أَنَّ للهِ فَائِدَةً مِنْ صِيَامِنَا، وَإِنَّمَا الْفَائِدَةُ تَرْجِعُ لِلْإِنْسَانِ، فَتَنَازُلِ الْإِنْسَانِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي وَقْتٍ مُحَدَّدٍ إِنَّمَا مِنْ أَجْلِ تَذْكِيرِ الْإِنْسَانِ بِأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَحَسْب كَمَا هُوَ حَالُ الأنعام.
اترك تعليق