الصَّلَاةُ خَلفَ السُّلْطَانِ الظَّالِمِ أَوِ الفَاسِقِ.
أَبُو عَلِيٍّ البَصْرِيّ: السَّلَامُ عَلَيكُم .. هَلْ صَلَّى الإِمَامُ عَلِيٍّ خَلفَ أَبِي بَكرٍ وَ عُمَرَ ؟
الأخُ المُحترَمُ، السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللهِ وبَركاتُهُ
لَمْ نَجِدْ فِي رُوَايَاتِ أَهْلِ البَيتِ ﴿ع﴾ وَلَا فِي كلمات علمائنا الأَبرَارِ مَا يُشِيرُ إِلَى نَفيِ هَذَا الأَمرِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِدقِ وَإِنصَافِ الطَّائِفَةِ المُحِقَّةِ الَّتِي لَا تَخشَى مِنْ أَيِّ مَعلُومَةٍ مَهمَا كَانَتْ مِمَّا قَدْ يَستَغِلُّهُ مُخَالِفهِيهم وُيثِيرُ الشُّبُهَاتِ حَولَ أَحَقِّيَتِهِم.
وَهَذا الأَمرُ وغَيرُهُ مِمَّا يَشبَهُهُ مِنَ ٱختِلاطِ الأَئِمَّةِ ﴿ع﴾ بالغَاصِبِينَ ونُصحِهم والتَّعامُلِ مَعَهُم بِمَا يَتَعَامَلُ بِهِ سَائِرُ النَّاسِ مَعَ أُولئِكَ المُتَسَلِّطِينَ عَلَى هَرَم السُّلطَةِ مِمَّن بَايَعَهم النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ لَا يَشكُلُ عِندًنا أَيُّ إِشكَالٍ أَو شُبهَةٍ فِي مَذهَبِنا حيثُ نَعتقِدُ عِصمَةَ الأَئِمَّةِ ﴿ع﴾ ونَعتقِدُ أَحَقِّيتَهم والنَّصَّ عَلَيهِم فِي وُلَايةِ أَمرِ النَّاسِ والنَّصِّ عَلَيهِم قَطعَاً مَعَ ٱعتِقادِنا بالعَمَلِ بالتًّقيَّةِ بالنِّسبَةِ لأَئِمَّتِنا وَلَنَا.
وَقَدْ نَصَّ الأَئِمَّةُ ﴿ع﴾ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ خَلفَهم تَقِيَّةً بصُورَةٍ مُعيَّنةٍ وهِيَ مُتَابَعَتِهم صُورَةً ولَيسَ حَقِيقةً فَيَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهم ويُصَلِّي صَلاتَهُ مُنفرِداً فِي الوَاقعِ خُذ مِثَلاً:
أَوردَ الفَيضُ الكَاشَاني فِي الوَافي (8/ 1207): بَابِ صِفةِ الصَّلَاةِ خَلفَ مَنْ لا يُقتَدى بِهِ:
الكَافِي، الخَمسَةُ عَنْ أَبي عَبْدِ ٱللهِ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾ قَالَ: «إذا صليت خَلفَ إِمامٍ لا يُقتَدى بِهِ فَٱقرَأ خَلفَهُ سَمِعتُ قِرآءَتَهُ أو لم تَسمًع».
التَّهذِيبُ، ٱبْنِ عِيسَى عَنْ ٱبْنِ يَقطِينَ عَنْ أَخيهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَألتُ أبَا الحَسَنِ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾ عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي خَلفَ مًن لا يُقتًدى بصَلاتِهِ والإِمَامُ يَجهَرُ بالقِرآءَةِ قَالَ: «إقرَأ لِنفسِكَ وإِن لَمْ تَسمَع نَفسَك فَلا بَأسَ».
التَّهذِيبِ، سَعَد عَنْ أحمد عن ابن أبي عمير عَنْ محمد بن إسحاق ومحمد بن أَبي حَمزَة عمَّن ذَكَرَهُ عَنِ الفَقِيهِ، أبي عَبْدِ اللَّه ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾ قَالَ: «يَجزِيكَ إِذَا كُنتَ مَعَهُم مِنِ القِرَآءَةِ مِثلُ حَدِيثِ النَّفسِ».
وقَدْ أَفَادَ الشَّيْخُ مِنْ بَركَاتِهِ مُؤيداً مُسَدَّداً بِمَفادِ الرُّوَايَاتِ المُتَقدِّمًةِ حَيثُ نَقَلَ (قده) فِي كِتَابهِ الفُصُولِ المُختَارَةِ ص69 قَائِلاً: سُئِلَ أَبُو الحَسَنِ عَلِيِّ بْنُ إِسمَاعِيلَ بْنِ مِيثَمَ رَحمِهُ ٱللهُ فَقِيلَ لهُ: لِمَ صَلَّى أَمِيرُ المُؤمِنِينَ ﴿ع﴾ خَلفَ القَومِ؟ قَالَ: جَعَلَهُم بِمِثلِ سُوَارِي المَسجِد.
أَمَّا بالنِّسبَةِ لِمَبَانِي السُّنَّةِ فَقَدْ رَوَوا مَا يُؤَيِّدُ فِعلَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ﴿ع﴾ مِنْ أَقوَالِ عُلمَائِهم وأَفعَالِ سَلَفٓهم مِمِّن كَانُوا يُصَلُّونَ خَلفَ مَنْ لَا يَعتَقِدونَ عَدالَتَهُ مِنْ وُلاةٍ خُذْ مَثَلَاً:
1. أَخرَجَ أَحْمَدُ وأَبُو دَاوُودَ وغَيرُهُما حَدِيثَ (صَلُّوا خَلفَ كُلِّ بَرٍ وفَاجِرٍ) ولَكِن أَكثرُهُم ضَعَّفُوهُ وقَدْ رُوِيَ مَعنَاهُ مُتَحقَقِّاً مِنْ قِبَلِ الصَّحَابَةِ كَمَا أَخَرَجَهُ البُخَارِيّ فِي التَّأرِيخِ (التَّأرِيخِ الكَبِيرِ 6/ 90) عَنْ عَبْدِ الكَرِيمِ قَالَ:أَدرَكتُ عَشَرَةً مِنْ أَصحَابِ مُحَمَّدُ ﴿صَلَّى ٱللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ﴾ يُصَلُّونَ خَلفَ أَئِمَّةِ الجَورِ. وأَخرَجَهُ البَيهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ (3/ 122) أَيضَاً.
وقَالَ المَنَّاوِيّ فِي فَيضِ القَدِيرِ(1/ 686): (أَطِعْ كُلَّ أَمِيرٍ) ولُو جَائِرَاً فِيمَا لَا إِثمَ فِيهِ وُجُوبَاً (وَصَلِّ خَلفَ كُلِّ إِمَامٍ) وَلَو فَاسِقَاً، وَمِن ثُمَّ كَانَ ٱبْنُ عُمَرَ يُصَلِّي خَلفَ الحَجَّاجِ قَالَ الشَّافِعِيّ: وكَفَى بِهِ فَاسِقاً.
2. أَخرَجَ ٱبْنُ أَبِي شَيبَةَ فِي مُصَنِّفِهِ(2/ 271): عَنِ الحَسَنِ قَالَ: لَا يَضُرُّ المُؤمِنَ صَلَاتُهُ خَلفَ المُنَافِقِ وَلَا يَنفَعُ المُنَافِقُ صَلَاةُ المُؤمِنِ خَلفَهُ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ الحَجَّاجِ عِنْدَ أَبوَابِ كِندَةَ وخَرجَ عَلَيهِ.
3. صَلَاةُ المُسْلِمِينَ خَلفَ الفَاسِقِينَ مُعلِنِي الفُسُوقِ مَنَ الوُلَاةِ كَمَا صَلَّى الصَّحَابَةُ والتَّابِعُونَ خَلفَ الوَلِيدِ بْنِ عُقبَةَ وَالِي الكُوفَة فِي عُثمَانَ:
4. قَالَ القُرطُبِيّ فِي تَفسِيرِهِ الجَامع (1/ 356): قَالَ مَالِكُ ويُصَلَّى خَلفُ أَئِمَّةِ الجَورِ وَلَا يُصَلَّى خَلفُ أَهْلِ البِدَعِ مِنَ القَدرِيَّةِ وَغَيرِهِم. وقَالَ ٱبْنُ المُنذِرِ كُلُّ مَنْ أَخرَجَتْهُ بِدعَتُهُ إِلَى الكُفرِ لَمْ تَجُزِ الصَّلَاةُ خَلفَهُ ومَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَالصَّلاةُ خَلفَهُ جَائِزَةٌ، وَلَا يَجُوزُ تَقدِيمُ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ. ثُمَّ قَالَ: قَالَ ٱبْنُ حَبِيبٍ مَنْ صَلَّى وَرَاءَ مَنْ شَرِبَ الخَمرَ، فَإنَّهُ يُعِيدُ أَبَدَاً إِلَّا أَنْ يَكُونَ الوَالِي الَّذِي تُؤَدَّى إِلَيهِ الطَّاعَةُ فَلَا إِعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى خَلفَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حِينَئِذٍ سَكرَانَاً. قَالَهُ مَنْ لَقِيتُ مِنْ أَصحَابِ مَالِكٍ، وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ ٱللهِ أَنَّ رَسُولَ ٱللهِ ﴿صَلَّى ٱللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ﴾ قَالَ عَلَى المِنبَرِ (لَا تُؤمِنُ ٱمرَأَةٌ رَجُلَاً، وَلَا يُؤمِنُ أَعرَابِيٌّ مُهَاجِرَاً وَلَا يُؤمِنُ فَاجِرٌ بَرَّاً إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ذَا سُلطَانٍ).
5. وَأَخِيرَاً قَالَ الحَافِظُ ٱبْنُ حَجَرٍ فِي فَتحِ البَارِي (6/ 193): وَحَكَى ٱبْنُ المُنذِرِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُصَلَّى خَلفَ أَهْلِ البِدَعِ مِنَ القَدرٍيَّةِ، وغَيرِهِم، وَيُصَلًّى خَلفُ أَئِمَّةِ الجَورِ.
وَعَنِ الشَّافِعِيّ: أَنَّهُ يُجِيزُ الصَّلَاةَ خَلفَ مَنْ أَقَامَ الصَّلَاةَ، وِإن كَانَ غَيرَ مُحمُودٍ فِي دِينِهِ. وَٱخْتَارَ ٱبْنُ المُنذِرِ هَذَا القَولَ، مَا لَمْ تُخرِجْهُ بِدعَتُهُ إِلَى الكُفرِ.
وَفِي (تَهذِيبِ المُدَوَّنَةِ): تُجزِي الجُمُعَةُ وَغَيرُهَا خَلفً مَنْ لَيسَ بِمُبتَدِعٍ مِنَ الوُلَاةِ، وإِذَا كَانَ الإِمَامُ مِنْ أَهْلِ الأَهوَاءِ فَلَا يُصَلَّى خَلفَهُ وَلَا الجُمُعَةِ، إِلَّا أَنْ يَتَّقِيَهُ، فَلِيُصَلِّهَا مَعَهُ، وَلِيُعِدْ ظُهرَاً. وَوَقَفَ مَالِكُ فِي إِعَادَةِ مَنْ صَلَّى خَلفَ مُبتَدِعٍ. وَقَالَ ٱبْنُ القَاسِمِ: يُعِيدُ فِي الوَقتِ. إِنْتَهَى
وَبِذَلِكَ يَتَبَيِّنُ أَنَّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ ﴿ع﴾ لَو صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى خَلفَ الخُلَفَاءِ فَلَا إِشكَالَ عِندَنَا فِي ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ لَا إِشكَالَ فِيمَا فِعْلُهُ عَلَى مَذهَبِ العَامَّةِ وِفقَاً لِمًا نَقَلنَا عَنهُم آنِفَاً وَغَيرِهِ.
وَدُمْتُم سَالِمِينَ.
اترك تعليق