الخَامِسُ عَشَرَ مِن رَمَضَانَ وِلادَةُ أوَّلِ سِبطٍ للرَّسُولِ (ص).

زَيدٌ / العِرَاقُ: لِمَاذا سُمِّيَ الإمامُ الحَسَنُ المُجتَبَى (عَليهِ السَّلامُ) بالسِّبطِ؟!

: اللجنة العلمية

الأخُ زَيدٌ المُحتَرَمُ, السَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ 

السِّبطُ فِي لُغَةِ العَرَبِ هُوَ الحَفيدُ، مِنْ جِهَةِ الإبنِ أوالإبنَةِ، وَالحَسَنُ وَالحُسَينُ (عَليهِمَا السَّلَامُ) هُمَا سِبطَا رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) مِنْ جِهَةِ إبنَتِهِ الصِدِّيقَةِ الزَّهرَاءِ (عَليهَا السَّلامُ)، وَكَانَ أوَّلَ نُورٍ أشْرَقَ مِنْ نُورَيهِمَا هُوَ نُورُ الحَسَنِ المُجتَبَى (عَليهِ السَّلَامُ) فِي الخَامِسِ عَشرَ مِنْ شَهرِ رَمَضَانَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ للهِجرَةِ، بَعدَ عَامٍ تَقريبَاً مِنِ اقتِرَانِ أمِيرِ المُؤمِنِينَ عَليٍّ (عَليهِ السَّلامُ) وَالبَضعَةِ الزَّهرَاءِ (عَليهَا السَّلَامُ)؛ إذْ كَانَ زَوَاجُهُمَا فِي ذِي الحِجَّةِ مِنَ السَّنَةِ الثَّانيَةِ للهِجرَةِ. 

وَقَدْ جَاءَ فِي شَأنِ وِلادَتِهِ: لمَّا حَمَلَتْ فَاطِمَةُ (عَليهَا‌ السَّلَامُ) بِالحَسَنِ فَوَلَدَتْ كَانَ النَّبِيُّ (صَلَّى ‌اللهُ ‌عَليهِ ‌وَآلِهِ ‌وَسَلَّمَ) قَدْ أمَرَهُمْ أنْ يَلُفُّوهُ فِي خِرقَةٍ بَيضَاء، فَلفُّوهُ فِي صَفراء، وَقَالَتْ فَاطِمَةُ (عَليهَا ‌السَّلَامُ): يَا عَليُّ سَمِّهِ، فَقَالَ: مَا كُنتُ لأسْبِقَ باسْمِهِ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى ‌الله‌ُ عَليهِ ‌وَآلِهِ ‌وَسَلَّمَ)، فَجَاءَ النَّبِيُّ (صَلَّى‌ اللهُ‌ عَليهِ ‌وَآلِهِ ‌وَسَلَّمَ) فَأخَذَهُ وَقَبَّلَهُ، وَأَدْخَلَ لِسَانَهُ فِي فَمِهِ، فَجَعَلَ الحَسَنُ (عَليهِ ‌السَّلَامُ) يَمُصُّهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى ‌الله‌ُ عَليهِ ‌وَآلِهِ ‌وَسَلَّمَ): ألَمْ أَتَقَدَّمْ إلَيْكُمْ أنْ لَا تَلُفُّوهُ فِي خِرْقَةٍ صَفْرَاء؟! فَدَعَا (صَلَّى ‌اللهُ‌ عَليهِ ‌وَآلِهِ ‌وَسَلَّمَ) بِخِرقَةٍ بَيضَاء فَلَفَّهُ فِيهَا وَرَمَى الصَّفْرَاءَ، وَأذَّنَ فِي أُذُنِهِ اليُمنَى وَأقَامَ فِي اليُسرَى، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ (عَليهِ ‌السَّلَامُ): مَا سَمَّيْتَهُ؟ قَالَ: مَا كُنْتُ لأسْبِقَكَ بِاسمِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى‌ اللهُ‌ عَليهِ ‌وَآلِهِ ‌وَسَلَّمَ): مَا كُنتُ لأسْبِقَ رَبِّي باسمِهِ، قَالَ: فَأوحَى اللهُ عَزَّ ذِكرُهُ إلَى جِبرَئِيلَ (عَليهِ ‌السَّلَامُ): أنَّهُ قَدْ وُلِدَ لِمُحَمَّدٍ ابنٌ، فَاهْبِطْ إلَيْهِ فَأقرَأهُ السَّلَامَ وَهَنِّئْهُ مِنِّي وَمِنْكَ، وَقُلْ لَهُ: إنَّ عَليَّاً مِنْكَ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى فَسَمِّهِ باسْمِ إبنِ هَارُونَ، فَهَبَطَ جِبرَئِيلُ عَلى النَّبِيِّ وَهَنَّأهُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَأمُرُكَ أنْ تُسَمِّيَهُ باسمِ إبنِ هَارُونَ، قَالَ: وَمَا كَانَ إسمُهُ؟ قَالَ: شُبَّرُ، قَالَ: لِسَانِي عَرَبِيٌّ، قَالَ: سَمِّهِ الحَسَنَ، فَسَمَّاهُ الحَسَنَ. [رَاجِعْ: مَعَانِي الأخبَارِ: ٥٧ وَعِللُ الشَّرَائِعِ : ١٣٨].

وَعَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ: أنَّهُ سَمَّى الحَسَنَ حَسَنَاً لِأنَّ بِإحْسَانِ اللهِ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُونَ. [المَنَاقِبُ لابنِ شَهرِ آشُوبَ: ١٦٦]

حِليَتُهُ وَشَمَائِلُهُ: عَنْ جُحَيفَةَ أنَّهُ قَالَ: رَأيتُ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى ‌اللهُ ‌عَلَيهِ ‌وَآلِهِ ‌وَسَلَّمَ) وَكَانَ الحَسَنُ بنُ عَليٍّ يُشبِهُهُ. [السُّنَنُ الكُبرَى للنِسَائِيِّ 5: 49].

وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أشْبَهَ بِرَسُولِ اللهِ (صَلَّى ‌اللهُ ‌عَليهِ ‌وَآلِهِ ‌وَسَلَّمَ) مِنَ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ عَليهِ ‌السَّلَامُ. [مُسنَدُ أحْمَدَ 3: 164].

وَمِنْ هُنَا وُصِفَ الإمَامُ الحَسَنُ بنُ عَليٍّ بِأنَّهُ كَانَ أبْيَضَ مُشَرَبّاً حُمْرَةً، أَدْعَجَ العَينَينِ [أيْ شَدِيدَتِي السَّوَادِ مَعِ سِعَتِهِمَا]، سَهلَ الخَدَّيْنِ، دَقِيقَ المَسْرُبَةِ [الشَّعرُ عِندَهُ وَسَطَ الصَّدْرِ]، كَثُّ اللِّحيَةِ، ذَا وَفرَةٍ [شَعرُهُ إلى شَحمَةِ الأُذُنِ] كَأنَّ عُنُقَهُ إبرِيقُ فِضَّةٍ، عَظِيمُ الكَرَادِيسِ [الكَرَادِيسُ: رُؤُوسُ المَفَاصِلِ]، بَعِيدُ مَا بَينَ المَنكِبَينِ، رَبعَةٌ لَيسَ بِالطَّوِيلِ وَلا القَصِيرِ، مَلِيحَاً، مِنْ أحْسَنِ النَّاسِ وَجْهَاً، وَكَانَ يُخَضِّبُ بِالسَّوَادِ، وَكَانَ جَعَدَ الشَّعرِ، حَسَنَ البَدَنِ.

لَقَدْ كَانَ الحَسَنُ بنُ عَليٍّ (عَليهِمَا ‌السَّلَامُ) خَيرَ النَّاسِ أبَاً وَأُمَّاً وَجَدَّاً وَجَدَّةً وَعَمَّاً وَعَمَّةً وَخَالَاً وَخَالَةً، وَتَوفَّرَتْ لَهُ جَمِيعُ عَنَاصِرِ التَّربِيَةِ المُثلَى، وَانْطَبَعَتْ حَيَاتُهُ مُنْذُ وِلَادَتِهِ بِبَصَمَاتِ الوَحْيِّ الإلَهِيِّ وَالإعْدَادِ الرَّبَّانِيِّ عَلى يَدَي خَاتِمِ الأنبِيَاءِ وَسَيِّدِ الأوصِيَاءِ وَسَيِّدَةِ النِّسَاءِ.

فَالحَسَنُ ابنُ رَسُولِ اللهِ جِسْمَاً وَمَعنَىً، وَتِلمِيذُهُ الفَذُّ، وَرَبِيبُ مَدرَسَةِ الوَحْيِ الَّتِي شَعَّتْ عَلَى النَّاسِ هُدَىً وَرَحمَةً. 

لَقَدْ كَانَ الإمَامُ الحَسَنُ (عَليهِ ‌السَّلَامُ) أَحَبَّ النَّاسِ إلَى النَّبِيِّ (صَلَّى ‌اللهُ‌ عَلَيهِ ‌وَآلِهِ ‌وَسَلَّمَ)، بَلْ لَقَدْ بَلَغَ مِنْ حُبِّهِ لَهُ وَلأخِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقطَعُ خُطْبَتَهُ فِي المَسْجِدِ وَيَنْزِلُ عَنِ المِنْبَرِ لِيَحْتَضِنَهُمَا.

وَكَانَ الرَّسُولُ (صَلَّى ‌اللهُ ‌عَليهِ ‌وَآلِهِ ‌وَسَلَّمَ) يُقَبِّلُ الإمَامَ الحَسَنَ (عَليهِ ‌السَّلَامُ) فِي فَمِهِ وَيُقَبِّلُ الإمَامَ الحُسَينَ (عَليهِ ‌السَّلَامُ) فِي نَحرِهِ، وَكَأنَّهُ يُرِيدُ إثَارَةَ قَضِيَّةٍ مُهِمَّةٍ تَرتَبِطُ بِسَبَبِ إستِشْهَادِهِمَا (عَليهِمَا ‌السَّلَامُ) وَإعْلَامَاً مِنهُ عَنْ تَعَاطُفِهِ مَعَهُمَا، وَتَأيِيدِهِ لَهُمَا فِي مَوَاقِفِهِمَا وَقَضَايَاهُمَا.

وَالكُلُّ يَعلَمُ أنَّ الرَّسُولَ (صَلَّى ‌اللهُ‌ عَليهِ ‌وَآلِهِ ‌وَسَلَّمَ) لَمْ يَنطَلِقْ فِي مَوَاقِفِهِ مِنْ مُنْطَلَقِ الأهْوَاءِ الشَّخصِيَّةِ، وَالنَّزَعَاتِ وَالعَوَاطِفِ الذَّاتِيَّةِ، وَإنَّمَا كَانَ يُنَبِّهُ الأُمَّةَ إلَى عَظَمَةِ هَذَينِ الإمَامَينِ وَمَقَامِهِمَا الرَّفِيعِ. [أعْلَامُ الهِدَايَةِ 4: 50 ، 56]. 

وَإنَّ مَا ذُكِرَ هُوَ الَّذِي يُفَسِّرُ لَنَا السِّرَّ فِي كَثْرَةِ النُّصُوصِ الَّتِي وَرَدَتْ عَنهُ (صَلَّى ‌اللهُ‌ عَليهِ ‌وَآلِهِ ‌وَسَلَّمَ) حَولَ الحَسَنَينِ (عَليهِمَا ‌السَّلَامُ) مِثلُ: "أنَّهُمَا إمَامَانِ قَامَا أو قَعَدَا". [عِلَلُ الشَّرَائِعِ 1: 211]، وَ" أنْتُمَا الإمَامَانِ، وَلأُمِّكُمَا الشَّفَاعَةُ". [كَشفُ الغُمَّةِ للأرْبَلِيِّ 2: 29].

وَقَولُهُ (صَلَّى ‌اللهُ‌ عَلَيهِ ‌وَآلِهِ ‌وَسَلَّمَ) للحُسَينِ (عَليهِ ‌السَّلامُ): "أنْتَ سَيِّدٌ، إبنُ سَيِّدٍ، أخُو سَيِّدٍ، وَأنتَ إِمَامٌ، إبنُ إِمَامٍ، أخُو إِمَامٍ، وَأنتَ حُجَّةٌ، اإبنُ حُجَّةٍ، أخُو حُجَّةٍ، وَأنْتَ أبُو حُجَجٍ تِسعَةٍ، تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ". [عُيُونُ أخبَارِ الرِّضَا عَليهِ السَّلامُ 2: 56]. 

وَقَولُهُ (صَلَّى ‌اللهُ ‌عَليهِ ‌وَآلِهِ ‌وَسَلَّمَ) فِي الإمَامِ الحَسَنِ (عَليهِ ‌السَّلَامُ): "هُوَ سَيِّدُ شَبَابِ أهلِ الجَنَّةِ، وَحُجَّةُ اللهِ عَلَى الأُمَّةِ، أَمْرُهُ أمْرِي، وَقَوْلُهُ قَولِي، مَنْ تَبِعَهُ فَإنَّهُ مِنِّي، وَمَنْ عَصَاهُ فَإنَّهُ لَيسَ مِنِّي ...". [أمَالِي الصَّدُوقِ: 176 ح 178]. 

هَذَا وَقَدْ جَاءَ عَنِ الشَّيخِ الألْبَانِيِّ قَولُهُ فِي "السِّلسِلَةِ الصَّحِيحَةِ" عَنْ حَديثِ: (الحَسَنِ وَ الحُسَينِ سَيِّدَا شَبَابِ أهلِ الجَنَّةِ): (وَرَدَ مِنْ حَديثِ إبنِ عَبَّاسٍ وَحُذَيفَةَ وَعَلِيٍّ وَابنِ عُمَرَ وَابنِ مَسْعُودٍ وَغَيرِهِمْ وَهُوَ مُتَوَاتِرٌ عِندِي). [سِلسِلَةُ الأحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ 2: 796]. 

وَكَذَلِكَ نَجِدُ فِي جَانِبٍ آخَرَ حِرْصَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) عَلى رَبطِ قَضَايَا حَربِهِمَا وَسِلمِهِمَا بِهِ (صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ، إذْ يَقُولُ: "أنَا حَربٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ، وَسِلمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ". [المُسْتَدْرَكُ عَلى الصَّحِيحَينِ 3: 161 ، قَالَ الحَاكِمُ عَنهُ حَديثٌ حَسَنٌ، وَفِي سِيَرِ أعلامِ النُّبَلَاءِ ج10 ص 432 قَالَ شُعيبُ الأرنَؤُوطُ - المُحَقِّقُ لِلكِتَابِ -: وَلَهُ شَاهِدٌ آخَرُ مِنْ حَدِيثِ أبِي هُرَيرَةَ عِندَ أحمَدَ وَغَيرِهِ يَتَقَوَّى بِهِ].ُ

وَجَاءَ عَنْ أنَسٍ بنِ مَالِكَ أنَّهُ قَالَ: دَخَل َالحَسَنُ عَلى النَّبِيِّ (صَلَّى ‌اللهُ‌ عَليهِ ‌وَآلِهِ ‌وَسَلَّمَ) فَأرَدْتُ أنْ أُمِيطَهُ عَنهُ، فَقَالَ: "وَيحَكَ يَا أنَسُ! دَعْ إبنِي وَثَمَرَةَ فُؤَادِي، فَإنَّ مَنْ آذَى هَذَا آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللهَ". [المُعجَمُ الكَبِيرُ 3: 43 ح 2627].

هَنِيئَاً لِلمُؤمِنِينَ بِمَولِدِ السِّبْطِ المُجْتَبَى، وَنَسْأَلُهُ سُبحَانَهُ أنْ يَمُنَّ عَلَى الأُمَّةِ بِالسِّلمِ وَالأمْنِ وَالرَّخَاءِ بِحَقِّ هَذَا الإمَامِ المَظلُومِ المَسْمُومِ الَّذِي ضَحَّى بِحَيَاتِهِ مِنْ أجْلِ سَلامَةِ الأمَّةِ وَحَقنِ دِمَائِهَا.

وَدُمتُمْ سَالِمِينَ.