كَيفَ لِٱبْنِ نَبِيٍّ أَنْ يَنحَرِفَ عَن جَادَّةِ الصَّوَابِ؟!

أَيمَنُ عَبدُ الكَريمِ عَبطان حُسَين: السَّلَامُ عَلَيكُم وَرَحمَةُ ٱللهِ وَبَرَكَاتُهُ: السُّؤَالُ هُو: كَيفَ لِوَلَدِ نَبِيٍّ ولَيسَ ٱبْنَهُ وَلَدَهُ أَنْ يَكونَ مُنحَرِفاً عِلماً انه لا تُوجَدُ أَيُّ مُقَوِّماتٍ لِلإِنْحِرافِ في هًذا البَيتِ؛ لِطَهَارِةِ مَولِدِهِ ومَأكَلِهِ والأَجوَاءِ الرَّوحانِيَّةِ الَّتي تَسُودُهُ. وَفَّقَكُمُ ٱللهُ

: اللجنة العلمية

الأَخُ أَيمَنُ المُحتَرَمُ: عَلَيكُمُ السَّلَامُ وَرَحمَةُ ٱللهِ وَبَرَكَاتُه:-

لَا تُوجَدُ مُلازَمةٌ ذَاتِيَّةٌ وتَكوِينيَّةٌ بَينَ صَلاحِ الأَبِ وصَلاحِ الٱبْنِ، فرُبَّما يأتِي الٱبْنُ صالِحاً على خُطَى أَبيهِ ويَستَفيدُ مِنَ الأَجواءِ النُّورانيَّةِ والمُبارَكةِ الَّتي يَشُعُّ بِها البَيتُ بِوُجُودِ أَبيهِ فيهِ، ورُبَّما يأتِي بِخِلافِ ذلكَ، فالمُشكِلَةُ قدْ لَا تَكونُ في مَأكَلِ الأَبِ ومَشرَبِهِ (الَّذي تَكوَّنتْ نُطفةُ هذا الوَلَدِ مِنهُ)، ولَا في تَقصيرِ الأَبِ في تَربِيةِ ٱبْنِهِ، فهُو نَبِيٌّ والأَنبِياءُ يَكوُنُونَ مُسَدَّدِينَ مِنْ ٱللهِ (عَزَّ و جَلَّ) في كُلِّ أَحوالِهِم، بَل قدْ تَكونُ المُشكِلةُ في أُمِّهِ مِن حيثُ أُصُولُها وعُرُوقُها، رَغمَ زَواج النَّبِيّ مِنها، فالزَّواجُ أَحياناً قدْ يَقَعُ لِمَصالِحَ تَتَعَدَّى الإِخْتِيارَ المُناسِبَ، فهَذهِ الأُصُولُ والعُروقُ لَها تأثِيرُها كمَا وَرَدَ في الحَديثِ الشَّريفِ: (تَزَوَّجوا في الحِجرِ الصَّالِحِ؛ فإِنَّ العِرقَ دَسَّاسٌ). [الوافِي 3: 706]، أَو قدْ تَكونُ المُشكِلةُ بِما قامتْ بهِ الأُمُّ مِن عَمَلٍ أَثناءَ حَملِها بهِ، فهَذا الجانِبُ لهُ تأثِيرٌ أَيضَاً في حالةِ الطِّفلِ النَّفسِيَّةِ وتَركِيبتِهِ المَعنويَّةِ:

فقدْ وَرَدَ عنِ النَّبِيِّ (صًلًّى ٱللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ): (الشَّقِيُّ مَن شَقَى في بَطنِ أُمِّهِ، والسَّعيدُ مَن سَعَدَ في بَطنِ أُمِّهِ)، فالمُستَفادُ مِن هذا الحَديثِ أَنًّ لِبَطنِ الأُمِّ دَوراً في شَقاءِ وسَعادةِ المَرءِ، وهَذا مًا أَكَّدَتْهُ الأَبحاثُ المُعاصِرةُ: «أَنَّ الٱضْطِراباتِ العَصبيَّةَ لِلأُمِّ تُوَجِّهُ ضَرَباتْ قاسِيةً إِلى مَواهِبِ الجَنينِ قَبلَ تَوَلُّدِهِ، إِلى دَرجَةِ أَنَّها تُحَوِّلُهُ إِلى مَوجُودٍ عَصَبِيٍّ لَا أَكثَرَ.

ومِن هُنا يَجِبُ أَنْ نَتَوَصَّلَ إِلى مَدَى أهمية ٱلْتِفاتِ الأُمِّ في دُورِ الحَملِ إِلى الٱبْتِعادِ عَنِ الأَفكارِ المُقلِقةِ، والهَمِّ والغَمِّ، والاحتفاظِ بجو الهُدُوءِ والإِستِقرارِ» [الطِّفلُ بَينَ الوَراثَةِ والتَّربِيةِ، لِلشَّيخِ مُحَمَّدِ تَقِيّ فَلسَفيّ، ج1 ص 107].

وفيما ينقله ٱبنُ أًبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة، قال: دفع أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الجمل رايته إلى محمد ٱبنه (عليه السلامُ)، وقَدِ ٱسْتَوَت الصفوف، وقالَ لهُ: إِحمِلْ، فتَوقَّفَ قَليلاً، فقالَ لهُ: إِحمِلْ، فقالَ: يا أَميَر المُؤمِنينَ، أَمَا تَرَى السِّهَامَ كأَنًّها شَآبِيبُ المَطَرِ! فدَفَعَ في صَدرٍ، فقالَ: أَدرَكَكَ عِرقٌ مِن أمِّكَ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَةَ فهَزَّهَا، ثُمَّ ققالَ:

إِطعَنْ بِهَا طَعنَ أَبِيكَ تُحمَدْ * لَا خَيرَ فِي الحَربِ إِذَا لَمْ تُوقَدْ [شَرحُ نَهجِ البَلَاغةِ 1: 243].

وقدْ جاءَ في القُرآنِ الكريمِ عَنِ ٱمْرَأةِ نوحٍ: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا) التَّحرِيمُ: 10، والمُرادُ بالخِيانةِ هُنا هُو إِذاعةُ السِّرِ والنِّفاقِ، كمَا هُو المُستَفادُ مِنَ الرُّواياتِ، فإِذا ثَبَتَ أَنَّ هذا الولدَ الَّذي كانَ عملُهُ غَيرَ صالحٍ هُو ٱبنُ هذهِ المَرأةِ المُنافِقةِ يَكونُ الأَمرُ واضِحاً جِدَّاً في سَبَبِ ٱنْحِرافِ ٱبْنِ نُوحٍ عَنْ أَبيهِ (عَلَيهِ السَّلامُ).         

ودُمتُم سالِمِينَ