الغارديان البريطانية: هل قصد الملحد «هوكينج» تقوية دليل «وجود الله» وهو على فراش الموت؟!

: ضرغام عبد الكريم الگيار

كتب: فيليب غوف[1]

في ورقته البحثية الأخيرة حول فرضية الأكوان المتعددة، جعل أشهر ملحد في العالم من فكرة وجود "خالق خارق للطبيعة" أكثر قبولًا وأجدر بالتصديق.

اكتشف العلماء حقيقة مدهشة عن كوننا في الأربعين عامًا الماضية: على الرغم من الاحتمالات التي لا تحصى ولا تعد، فإن الأرقام في الفيزياء الأساسية هي بالضبط بالقدر الدقيق والمناسب السامح بإمكانية وجود حياة. فلو كانت الجاذبية أضعف بقليل، لم تكن النجوم لتنفجر وتتحول الى مستعرات عظمى، وهي مصدر مهم للعديد من العناصر الثقيلة المساهمة في تكوين الحياة. على العكس من ذلك، لو كانت الجاذبية أقوى بقليل، لكانت النجوم قد عاشت لآلاف بدلاً من مليارات السنين، دون اتاحة الوقت الكافي لحدوث التطور البيولوجي. هذا مجرد مثال واحد من عدة أمثلة على "ضبط" قوانين الفيزياء بالمقدار الدقيق السامح بوجود الحياة.

يعتقد بعض الفلاسفة أن هذا "الضبط الدقيق" هو دليل قوي على وجود الله. ومع ذلك، في كتابه "التصميم العظيم" المطبوع عام 2010 (الذي شارك في تأليفه ليونارد ملودينو)، دافع ستيفن هوكينج عن التفسير الطبيعي لحجة الضبط الدقيق من حيث فرضية تعدد الأكوان. وفقًا لفرضية تعدد الأكوان، فإن الكون الذي نعيش فيه هو مجرد واحد من عدد هائل، وربما لانهائي، من الأكوان. إذا كانت هناك أكوان كثيرة وكل كون تحكمه مجموعة مختلفة من الأرقام فسيكون هناك واحد؛ حيث توجد مجموعة من الأرقام الملائمة للحياة، ونحن في هذا الواحد.

في نسخة هوكينج القديمة من فرضية تعدد الأكوان، ثمة تنوع كبير بين القوانين في هذه الأكوان المختلفة، كأن تكون الجاذبية قوية في بعض الأكوان وتضعف في بعضها الآخر وهكذا. ومع ذلك، بات علماء الفيزياء يرون عدة مشاكل في مثل هذا الكون المتعدد غير المتجانس، خاصة إذا كان عدد الأكوان لا نهائي. فيمكننا اجراء تقديرات لفرضية تعدد الأكوان عن طريق السؤال عن مدى احتمالية كوننا وفقًا لتلك الفرضية. ولكن إذا كان هناك عدد غير محدود من الأكوان، فإن هذا السؤال يصبح بلا معنى. ومن هنا، صاغ هوكينج وشريكه الكاتب توماس هيرتوج في ورقته البحثية الأخيرة، "خروج سلس من التضخم الأبدي؟"، حدودًا صارمة لنوع الأكوان التي تشغل "الكون المتعدد".

المشكلة هي أنه كلما قل التنوع بين الأكوان، قلت قدرة فرضية الأكوان المتعددة على تفسير الضبط الدقيق، فلو كان هناك قدر هائل من التنوع في قوانين الأكوان في الكون المتعدد، لن يكون من المستغرب أن تضبط أحد هذه الأكوان قوانين دقيقة تسمح بوجود حياة عليه. ولكن إذا كان لجميع الأكوان نفس القوانين تمامًا - كما في اقتراح هوكينج وهيرتوج - فإن المشكلة تعود، لأننا نحتاج الآن إلى تفسير سبب الضبط الدقيق لهذه المجموعة الموحدة من القوانين الفيزيائية التي تحكم الكون المتعدد بأكمله.

لا يبدو أن هيرتوج يتفق مع ذلك، بحجة أن ورقتهم البحثية احرزت تقدمًا في تفسير حجة الضبط الدقيق للكون فيقول: "ان هذه الورقة البحثية هي بمثابة خطوة تجاه كشف لغز هذا الضبط الدقيق ... فهي تقلل الكون المتعدد إلى مجموعة من الأكوان المتشابهة والتي يمكن إدارتها". ومع ذلك، فإن هذا لا يؤدي إلا إلى تأجيل تفسير الضبط الدقيق، لأن النتيجة هي أن القوانين التي يقوم عليها توليد الأكوان المتعددة هي نفسها مضبوطة بدقة. نحن الآن بحاجة إلى شرح ليس فقط سبب ضبط كوننا بدقة ولكن لماذا تم ضبط كل كون من هذه الأكوان بدقة! ولا يعد هذا التفسير خطوة إلى الأمام في شرح حجة الضبط الدقيق بل إلى الوراء.

ومع ذلك لم يكن هذا بلا فائدة. كان هوكينغ يستكشف نماذج من الأكوان المتعددة بناءً على علم الكونيات التضخمي، وتلقي ورقته البحثية بظلال من الشك على إمكانات هذا النوع من الأكوان المتعددة لتفسير الضبط الدقيق. ولكن هناك مصدر آخر للدعم العلمي لنظرية تعدد الأكوان: تفسير "العوالم المتعددة" لميكانيكا الكم. بينما كان الفيزيائيون يستكشفون تفسيرات علم الكون التضخمي لحجة ضبط الدقيق ، كان فلاسفة الفيزياء يستكشفون تفسيرات ميكانيكا الكم للضبط الدقيق.

لو تشكلت القوانين والثوابت الفيزيائية التي تضبط كوننا عن طريق عملية احتمالية مناسبة في بداياته لزودتنا نظرية العوالم المتعددة بالتنوع الكافي من القوانين في العوالم، بشكل يجعل هناك احتمالية لحصول ضبط دقيق في واحد منها، وليس لدينا دليل على أن هذه القوانين تشكلت من خلال هذه العملية، إلا إذا كان البديل خالقا فوق الطبيعة، وهو ما سيكون التفسير الأكثر منطقية.

مازال هناك أمل في تفسير علمي لحجة الضبط الدقيق. ولكن، من خلال استبعادهما أحد الخيارين الموثوقين علميًا، قام هوكينج وهيرتوج بتعزيز التفسير البديل الذي يستند على وجود خالق. ومن المفارقات أن يجعل الملحد هوكينج، في مساهمته العلمية الأخيرة، وجود الله أكثر رجحاناً.

[1] فيليب غوف أستاذ مساعد في الفلسفة بجامعة أوروبا الوسطى في بودابست ومؤلف كتاب "الوعي والواقع الأساسي".