ممكن قصة يأجوج ومأجوج
إختلفَ المُفسّرونَ في قصّةِ يأجوجَ ومأجوج المَذكورةِ في القُرآنِ أيّما اختلافٍ، والمُتحصَّلُ مِن أقوالِهم كما حكاهُ القُرآنُ، أنّهُم أُمّةٌ مُفسدةٌ في الأرضِ، تُهلِكُ الحرثَ والنّسلَ حيثُما وُجِدَت، وقَد رجّحَ العلّامةُ الطّباطبائيّ أنّهم المَغولُ القاطنونَ في شمالِ شرقِ آسيا، مُؤيّداً مذهبَهُ بالأصولِ اللّغويّةِ لتلكَ الأقوامِ، فنقلَ (ره) في الميزانِ، ج13، ص214، عنِ المُؤرّخِ اليونانيّ هيرودوت، مَا مُلخّصَهُ: فالبحثُ عنِ التّطوّراتِ الحاكمةِ على اللّغاتِ يهدينا إلى أنّهُم المغولُ فإنَّ الكلمةَ بالتّكلّمِ الصّينيّ "منكوك" أو "منجوك" و لفظتا يأجوج و مأجوج كأنّهُما نقلٌ عبرانيّ و هُما في التّراجمِ اليونانيّةِ و غيرِها للعهدِ العتيقِ "كوك" و "مأكوك" و الشّبهُ الكاملُ بينَ "مأكوك" و "منكوك" يقضي بأنَّ الكلمةَ مُتطوّرةٌ منَ التّلفّظِ الصّينيّ "منكوك" كما اشتُقَّ منهُ "منغول" و "مغول" و لذلكَ في بابِ تطوّراتِ الألفاظِ نظائرُ لا تُحصى.
فيأجوجُ ومأجوج هُما المغولُ و كانَت هذهِ الأُمّةُ القاطنةُ بالشّمالِ الشّرقيّ مِن آسيا مِن أقدمِ الأعصارِ أُمّةً كبيرةً مُهاجِمةً تهجمُ بُرهةً إلى الصّينِ وبُرهةً مِن طريقِ داريال قفقاز إلى أرمينستان و شمالِ إيران و غيرِها و بُرهةً وهيَ بعدَ بناءِ السّدِّ إلى شمالِ أوربة و تُسمّى عندَهُم بسيت و منهُم الأُمّةُ الهاجمةُ على الرّومِ وقَد سقطَت في هذهِ الكرّةِ دولةُ رومان، و قَد تقدّمَ أيضاً أنَّ المُستفادَ مِن كُتبِ العهدِ العتيقِ أنَّ هذهِ الأُمّةَ المُفسدةَ مِن سكنةِ أقاصي الشّمال.
هذهِ جُملةُ ما لخّصناهُ مِن كلامِه، وهوَ وإن لَم يخلُ عَن اعتراضٍ في بعضِ أطرافِه لكنّهُ أوضحُ إنطباقاً على الآياتِ وأقربُ إلى القبولِ مِن غيرِه.
وأكثرُ المُفسّرينَ ذهبوا إلى أنَّ القُرآنَ الكريمَ أشارَ الى نهضةٍ جديدةٍ لهؤلاءِ، طبَّقها المُفسّرونَ على اجتياحِهم لمناطقَ واسعةٍ منَ العالمِ في القرنِ السّابعِ الهجريّ، يقولُ صاحبُ الميزانِ: وقَد طبّقَ جمعٌ منهُم ما أخبرَ بهِ القُرآنُ مِن خروجِهم في آخرِ الزّمانِ وإفسادِهم في الأرضِ على هجومِ التّترِ في النّصفِ الأوّلِ مِنَ القرنِ السّابعِ الهجريّ على غربي آسيا، وإفراطِهم في إهلاكِ الحرثِ والنّسلِ بهدمِ البلادِ وإبادةِ النّفوسِ ونهبِ الأموالِ وفجائعَ لَم يسبِقهُم إليها سابقٌ.
وقَد أخضَعُوا أوّلاً الصّينَ ثُمَّ زحفُوا إلى تُركستان وإيران والعراق والشّام وقفقاز إلى آسيا الصّغرى، وأفنوا كُلَّ ما قاومَهُم منَ المُدنِ والبلادِ والحصونِ كسمرقند وبُخارا وخوارزم ومرو ونيسابور والرّيّ وغيرَها فكانَت المدينةُ منَ المُدنِ تُصبحُ وفيها مئاتُ الألوفِ منَ النّفوسِ، وتُمسي ولَم يبقَ مِن عامّةِ أهلِها نافخُ نارٍ، ولا مِن هامةِ أبنيتِها حجرٌ على حجر.
ثُمَّ رجعُوا إلى بلادِهم ثُمَّ عادُوا وحملوا على الرّوسِ ودمّروا أهلَ بولونيا وبلادَ المجر وحملوا على الرّومِ وأجبروهم على الجزيةِ كُلُّ ذلكَ في فجائعَ يطولُ شرحُها.
اترك تعليق