في زيارة الناحية المقدسة ورد : السَّلَامُ عَلَى مَنْ تَوَلَّى دَفْنَهُ أَهْلُ الْقُرَى / لكن المعروف أن الإمام يجب أن يليه ويجهزه ويدفنه الامام المعصوم فما المقصود في الزيارة ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بالنّسبةِ للجسدِ الشّريف فإنَّ المشهورَ أنَّ مَن تولّى دفنَه هوَ الإمامُ زينُ العابدينَ (صلواتُ اللهِ عليه) بمعونةٍ مِن سُكّانِ تلكَ المنطقة. روى الكشّيّ أنَّ عليّاً بنَ أبي حمزة قالَ للإمامِ الرّضا (عليه السّلام) ,إنّا روينا عَن آبائِك أنَّ الإمامَ لا يلي أمرَه إلّا إمامٌ مثلُه فقالَ لهُ أبو الحسنِ (عليهِ السّلام) فأخبرني عنِ الحُسينِ بنِ عليّ (عليه السّلام) كانَ إماماً أو كانَ غيرَ إمام؟ قالَ: كانَ إماماً , قالَ فمَن وليَ أمرَه؟ قالَ: عليٌّ بنُ الحُسينِ , قالَ: وأينَ كانَ عليٌّ بنُ الحُسينِ (عليه السّلام) قال: كانَ محبوساً بالكوفةِ في يدِ عُبيدِ اللهِ بنِ زيادٍ , قالَ: خرجَ وهُم لا يعلمونَ حتّى وليَ أمرَ أبيهِ ثُمَّ إنصرفَ. رجالُ الكشّيّ 464 ولا تعارُضَ بينَ هذهِ الرّوايةِ والفقرةِ الواردةِ في الزّيارةِ (السّلامُ على مَن تولّى دفنَه أهلُ القُرى). قالَ السّيّدُ عبدُ الرّزّاقِ المُقرّمِ: (ولمّا أقبلَ السّجّادُ (عليهِ السّلام) وجدَ بني أسدٍ مُجتمعينَ عندَ القتلى مُتحيّرينَ لا يدرونَ ما يصنعونَ، ولَم يهتدُوا إلى معرفتِهم، وقَد فرّقَ القومُ بينَ رؤوسِهم وأبدانِهم، وربّما يَسألونَ مَن أهلُهم وعشيرَتُهم! فأخبرَهم (عليهِ السّلام) عمّا جاءَ إليهِ مِن مُواراةِ هذهِ الجسومِ الطّاهرةِ، وأوقفَهم على أسمائِهم، كما عرّفَهم بالهاشميّينَ مِنَ الأصحابِ فارتفعَ البُكاءُ والعويلُ، وسالَتِ الدّموعُ منهُم كلَّ مسيلٍ، ونشرَتِ الأسديّاتُ الشّعورَ ولطمنَ الخُدودَ. ثمَّ مشى الإمامُ زينُ العابدين (عليهِ السّلام) إلى جسدِ أبيهِ واعتنقَه وبكى بُكاءً عالياً، وأتى إلى موضعِ القبرِ ورفعَ قليلاً منَ التّرابِ فبانَ قبرٌ محفورٌ وضريحٌ مشقوقٌ، فبسطَ كفّيهِ تحتَ ظهرِه وقالَ: (بسمِ اللهِ وفي سبيلِ اللهِ وعلى ملّةِ رسولِ اللهِ، صدقَ اللهُ ورسولُه، ما شاءَ اللهُ لا حولَ ولا قوّةَ إلّا باللهِ العظيم)، وأنزلَهُ وحدَه لَم يُشارِكه بنو أسدٍ فيه، وقالَ لهُم: (إنَّ معي مَن يُعينُني)، ولمّا أقرّه في لحدِه وضعَ خدّهُ على مِنحرِه الشّريفِ قائِلاً: (طُوبى لأرضٍ تضمّنَت جسدكَ الطّاهرَ، فإنَّ الدّنيا بعدكَ مُظلمةٌ، والآخرةَ بنورِكَ مُشرقةٌ، أمّا اللّيلُ فمُسهَّد، والحزنُ سرمَد، أو يختارُ اللهُ لأهلِ بيتِكَ داركَ التي فيها أنتَ مُقيمٌ، وعليكَ منِّي السّلامَ يا ابنَ رسولِ اللهِ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه).وكتبَ على القبرِ: (هذا قبرُ الحُسينِ بنِ عليٍّ بنِ أبي طالبٍ (عليه السّلام)، الذي قتلوهُ عطشاناً غريباً). ثُمَّ مشى إلى عمّهِ العبّاسِ (عليه السّلام) فرآهُ بتلكَ الحالةِ التي أدهشَتِ الملائكةَ بينَ أطباقِ السّماءِ، وأبكَتِ الحورَ في غُرفِ الجنانِ، ووقعَ عليه يلثمُ نحرَهُ المُقدّسَ قائِلاً: (على الدّنيا بعدكَ العفا يا قمرَ بني هاشم، وعليكَ منّي السّلامُ مِن شهيدٍ مُحتسِبٍ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه). وشقَّ لهُ ضريحاً وأنزلَه وحدَه كما فعلَ بأبيهِ الشّهيدِ، وقالَ لبني أسدٍ: (إنَّ معي مَن يُعينُني)! نعَم تركَ مساغاً لبني أسدٍ بمُشاركتِه في مواراةِ الشّهداءِ، وعيّنَ لهُم موضعينِ وأمرَهُم أن يحفرُوا حُفرتين، ووضعَ في الأُولى بني هاشم، وفي الثّانيةِ الأصحابَ وأمّا الحرُّ الرّياحيّ فأبعدَته عشيرتُه إلى حيثُ مرقدُه الآن) مقتلُ الحُسين: 320. وحتّى الرّأسُ الشّريفُ قامَ الإمامُ السّجّادُ (صلواتُ اللهِ عليه) بإرجاعِه ودفنِه إلى جانبِ الجسدِ المُقدّسِ، ولِذا يقولُ العلّامةُ المجلسيّ : المشهورُ بينَ عُلمائِنا الإماميّةِ أنّهُ دُفِنَ رأسُه معَ جسدِه ، ردّهُ عليٌّ بنُ الحُسينِ عليهما السّلام. بحارُ الأنوار 45 : 145 .
اترك تعليق