هل يسقط الذنب والأثم بمجرد عمل الأذكار الوارده في اسقاطهم مباشره ام اسقاط الذنوب والأثام منوط بترك الذنب وعدم العوده اليه ابدا ؟

سؤال : هل يسقط الذنب والأثم بمجرد عمل الأذكار الوارده في اسقاطهم مباشره ام اسقاط الذنوب والأثام منوط بترك الذنب وعدم العوده اليه ابدا !! فلو استغفرت الله وصليت على النبي وآله فالروايات تقول انه تهدم الذنوب هدما ، هل يتم الهدم مباشره بعد القول ام انه يُشترط كما اسلفت التوبة وعدم الرجوع بعد ذالك يتم محو الذنوب والأثم ؟ واذا كان اسقاطهم منوط بالاستغفار والصلاة على النبي وآله مباشره فهل العوده للذنب بعد الاستغفار منه يُرجع الذنوب المستغفر عنها السابقة ؟؟ اتمنى أن أكون أسطعت أن أُصل السؤال بشكل صحيح ولكم جزيل الشكر

: اللجنة العلمية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حقيقةُ الإستغفارِ الإستغفارُ منَ الذّنبِ يستبطنُ في معناه الإعترافَ بكونِه ذنباً ومِن ثُمَّ النّدمَ على فعلِه والتّصميمَ بعدمِ العودةِ إليه، وإن كانَ الذّنبُ تفريطاً في الفروضِ والواجباتِ فإنَّ الإستغفارَ يستوجبُ إستدراكَها وإفراغَ الذّمّةِ مِنها، أمّا إذا كانَ الذّنبُ تعدّياً على حقوقِ النّاس فإنَّ الإستغفارَ يستبطنُ الإعترافَ بحقِّهم عليه ومِن ثُمَّ العملَ على ردِّ الحقوقِ إليهم، وبالتّالي الإستغفارُ حالةٌ عمليّةٌ أكثرُ مِن كونِه مُجرّدَ كلماتٍ تجري على اللّسانِ، فقَد قالَ أميرُ المؤمنينَ (عليه السّلام) كما في نهجِ البلاغة: (لقائلٍ قالَ بحضرتِه أستغفرُ اللهَ): ثكلتكَ أمُّك، أتدري ما الإستغفار؟ الإستغفارُ درجةُ العلّيّينَ. وهو إسمٌ واقعٌ على سِتّةِ معانٍ: أوّلُها النّدمُ على ما مضى. والثّاني العزمُ على تركِ العودِ إليهِ أبداً. والثّالثُ أن تُؤدّي إلى المخلوقينَ حقوقَهم حتّى تلقى اللهَ أملسَ ليسَ عليكَ تبعةٌ. والرّابعُ أن تعمدَ إلى كُلِّ فريضةٍ عليكَ ضيّعتَها فتُؤدّي حقّها. والخامسُ أن تعمدَ إلى اللّحمِ الذي نبتَ على السُّحتِ فتُذيبُه بالأحزانِ حتّى تُلصِقَ الجلدَ بالعظمِ وينشأ بينَهُما لحمٌ جديد. والسّادسُ أن تُذيقَ الجسمَ ألمَ الطّاعةِ كما أذقتَهُ حلاوةَ المعصيةِ، فعندَ ذلكَ تقولُ أستغفرُ الله).ولا يَعني هذا جعلَ الإستغفارِ فِعلاً مُستحيلاً لا يُدركُه إلّا الخواصُّ منَ النّاسِ، وإنّما اللهُ برحمتِه يرضى عَن عبادِه باليسيرِ الخالصِ لوجهِه الكريمِ، فرحمةُ اللهِ سابقةٌ لغضبِه والحسنةُ مُقدّمَةٌ على السّيّئةِ، حيثُ ضاعفَ الحسنةَ وجعلَها عشرَ أمثالِها ولَم يجعَلِ السّيّئةَ إلّا واحدةً، ومعَ أنَّ ذلكَ كافٍ لإظهارِ رحمتِه إلّا أنّهُ تفضّلَ على الخلقِ بأن جعلَ بابَ التّوبةِ مَفتوحاً، فمهما عظُمَت الذّنوبُ فإنَّ اللهَ برحمتِه يغفرُها جميعاً قالَ تعالى: (قُلْ يَٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِم لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ)، فرحمةُ اللهِ هيَ أساسُ العلاقةِ بينَه وبينَ خلقِه، حيثُ يتودّدُ إليهِم بالنّعمِ ويتلطّفُ عليهم بالفضلِ ويرعاهُم بالكرمِ والإحسانِ، فهوَ أحنُّ على عبادِه مِنَ الأمِّ بولدِها، قالَ تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُم عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، وقالَ تعالى: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فبمقدورِ كلِّ إنسانٍ إستئنافُ مسيرِه مِن جديد، وتغييرُ نمطِ حياتِه بما يتوافقُ معَ الحقِّ مهمَا كانَت العقباتُ ومهمَا كانَت الإنتكاساتُ، فلا استسلامَ للعثراتِ ولا إحباطَ بسببِ الأخطاءِ والذّنوبِ، ومِن عجائبِ رحمةِ اللهِ أنَّ المُذنبَ التّائبَ مِن ذنبِه لا يُغفَرُ ذنبُه فقَط وإنّما يكونُ محبوباً للهِ، قالَ تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتطَهِّرِينَ)، وقالَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلّم): (التّائبُ حبيبُ اللهِ، والتّائبُ منَ الذّنبِ كمَن لا ذنبَ له)، وقالَ الباقرُ (عليهِ السّلام): اللهُ أشدُّ فرحاً بتوبةِ عبدِه مِن رجلٍ أضلَّ راحلتهُ وزادهُ في ليلةٍ ظلماء فوجدَها، فاللهُ تعالى أشدُّ فرحاً لتوبةِ عبدِه مِن ذلكَ الرّجلِ براحلتِه حينَ وجدَها). وعنهُ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلّم): إذا تابَ العبدُ توبةً نصوحاً أحبّهُ اللهُ وسترَ عليهِ. قيلَ: وكيفَ يسترُ عليه؟ قالَ: يُنسي ملكيهِ ما كانا يكتبانِ عليهِ، ويوحي اللهُ إلى جوارحِه وإلى بقاعِ الأرضِ أن أُكتمِي عليهِ ذنوبَه، فيلقى اللهَ تعالى حينَ يلقاهُ وليسَ شيءٌ يشهدُ عليهِ بشيءٍ منَ الذّنوبِ).وعليهِ فإنَّ فلسفةَ الإستغفارِ لا تعني الإستهتارَ بحقوقِ اللهِ وحقوقِ الآخرينَ، وإنّما فُرصةٌ للإنسانِ لمُراجعةِ مسيرهِ وتقييمِ سلوكِه، أي أنَّ العقباتِ التي تواجهُ الإنسانَ في مسيرِه للهِ لا تعني نهايةَ المطافِ واستحالةَ الوصولِ، فالإستغفارُ هوَ الذي يُجدّدُ الأملَ ويُعبّدُ لهُ الطّريقَ، وبالتّالي ليسَ هُناكَ قانونٌ رياضيٌّ يحكمُ علاقةَ العبدِ بربّهِ؛ كأن نقولَ إن عملتَ كذا محوتَ منَ الذّنوبِ كذا، وإنّما الإنسانُ على نفسِه بصير وهوَ أعرفُ مِن غيرِه بعلاقتِه بربِّه، والرّواياتُ التي تتحدّثُ عَن هدمِ الحسناتِ للذّنوبِ ليسَت في واردِ جعلِ مُعادلاتٍ حسابيّةٍ، وإنّما دالّةٌ على رحمةِ اللهِ ومدى تشجيعِه للعبادِ ولفعلِ الخيرِ وتجنُّبِ الشّرِّ، والشّرطُ الوحيدُ الذي حدّدتهُ الآياتُ والرّواياتُ لمعرفةِ قبولِ التّوبةِ وغفرانِ الذّنبِ هوَ الإخلاصُ وإصلاحُ العملِ، وهذا أمرٌ يعرفُه العبدُ بينَه وبينَ ربِّه.