ما المقصود بالفحشاء والمنكر في قوله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) ؟
معنَى الفحشاءِ والمُنكرِ جاءَ في لسانِ العربِ، الفُحْشُ والفَحْشاءُ والفاحِشةُ القبيحُ منَ القولِ والفعلِ وجمعُها الفَواحِشُ وأَفْحَشَ عليهِ في المَنْطِق أَي قالَ الفُحْشَ، وفي الحديثِ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الفاحِشَ المُتَفَحِّشَ، فالفاحِشُ ذو الفُحشِ والخَنا مِن قولٍ وفعلٍ، والمُتَفَحِّشُ الذي يتكلَّفُ سَبَّ النّاسِ ويتعمَّدُه، وقَد تكرّرَ ذكرُ الفُحْشِ والفاحشةِ والفاحشِ في الحديثِ وهوَ كلُّ ما يَشتدُّ قُبْحُه منَ الذّنوبِ والمعاصي. ويقولُ في المُنكَرِ: والمُنْكَرُ منَ الأَمرِ خلافُ المعروفِ وقَد تكرّرَ في الحديثِ الإِنْكارُ والمُنْكَرُ وهوَ ضدُّ المعروفِ وكلُّ ما قبّحهُ الشّرعُ وحَرَّمَهُ وكرّهَهُ فهوَ مُنْكَرٌ وعليهِ فإنَّ الفحشاءَ والمُنكرَ لها علاقةٌ بسلوكِ الإنسانِ، وبما أنَّ الإنسانَ مسؤولٌ عَن أفعالِه فهوَ مسؤولٌ عَن إجتنابِ كُلِّ فعلٍ لا ينسجمُ معَ الحقِّ ولا يتّفقُ معَ قيمِ الفضيلةِ والمعروفِ، ويدخلُ في ذلكَ كلُّ فعلٍ أو قولٍ أو إعتقادٍ مُخالفٍ للواقعِ ومُجانبٍ للحقيقةِ، ومِن هُنا تُحسَبُ كلُّ الذّنوبِ والمعاصي وما وقعَ عليهِ النّهيُ التّشريعيُّ منَ الفواحشِ التي يجبُ تجنُّبُها، ويبدو أنَّ الفاحشةَ والمُنكرَ يشتركانِ في التّعبيرِ عِن مصداقٍ واحدٍ في الخارجِ، فالزّنى مثلاً فاحشةٌ وفي نفسِ الوقتِ مُنكرٌ، ويبدو أنَّ الإختلافَ بينَهُما ناظرٌ إلى موقعِ كلِّ واحدٍ منهُما ورُتبتِه، فالمُنكرُ ناظرٌ للفعّالِ (الإنسانِ) والفاحشةُ ناظرةٌ للفعلِ نفسِه، فالفاحشةُ بالنّسبةِ للإنسانِ وعلاقتُه بها تُعتبَرُ مُنكراً، أي أنَّ العلاقةَ بينَهُما علاقةُ تضادٍّ، فنواهي الشّرعِ عنِ الفواحشِ هيَ تعبيرٌ عَن إنكارِ فعلِ الإنسانِ لها، ولِذا سُمّيَت في حقِّ الإنسانِ مُنكرات، أمّا الموضوعُ في ذاتِه كحقيقةٍ خارجيّةٍ يُسمّى (فاحشةً) بعيداً عَن تلبُّسِ الفعلِ الإنسانيّ به، وقَد تكونُ كلمةُ الفحشاءِ لها علاقةٌ بالفعلِ الأخلاقيّ، بينَما المُنكرُ أعمُّ منَ الأخلاقيّ، حيثُ نجدُ أنَّ عكسَ الفحشاءِ هوَ الطّهارةُ والعِفّةُ والحِشمةُ وكلُّ ذلكَ مِن لوازمِ الفعلِ الأخلاقيّ، بينَما المُنكَرُ هوَ عكسُ المعروفِ، والمعرفةُ والعلمُ قَد يكونُ لها علاقةٌ بالحقِّ والصّوابِ سواءٌ كانَ أمراً أخلاقيّاً أو غيرَ ذلكَ. وفي المُحصّلةِ مطلوبٌ منَ الإنسانِ أن يكونَ عبداً للهِ، ولا ينتسبُ العبدُ للهِ ما لَم يضبِط سلوكَهُ بما يكونُ للهِ فيه رضا، فكُلّما تجنّبَ الإنسانُ عنِ الفواحشِ والمُنكرِ كلّما إقتربَ منَ اللهِ والعكسُ بالعكسِ، ومِن هُنا كانَت الصّلاةُ هيَ المعيارَ بوصفِها الشّعيرةَ التي ترمزُ لعلاقةِ الإنسانِ باللهِ، فإذا نهَتهُ عنِ الفحشاءِ والمُنكرِ كانَت تعبيراً صادِقاً لتلكَ العلاقةِ وإلّا كانَت صلاتُه مُجرّدَ حركاتٍ لا علاقةَ لها باللهِ تعالى، جاءَ في الحديثِ عنِ الرّسولِ الأعظمِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه) أنّهُ قالَ: (مَن لَم تنهَهُ صلاتُه عنِ الفحشاءِ والمُنكرِ لَم يزدَد منَ اللّهِ إِلّا بُعداً) . وقالَ: (لا صلاةَ لمَن لَم يُطِع الصّلاةَ. وطاعةُ الصّلاةِ أن ينتهي المُصلّي عنِ الفحشاءِ والمُنكَرِ) . وقالَ الإمامُ الصّادقُ (عليه السّلام): (مَن أحبَّ أن يعلمَ أقُبلَت صلاتُه أم لَم تُقبَل فلينظُر هَل منعَتهُ عنِ الفحشاءِ والمُنكرِ، فبقدرِ ما منعَتهُ قُبلَت منهُ).
اترك تعليق