ممكن التمييز لنا بين النفس والروح هل هما كالشيء الواحد أم متغايران؟
الأخُ المُحترمُ، السّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ
هُناكَ إختلافٌ في معاني النّفسِ والرّوحِ والعلاقةِ بينَهما، ويعودُ ذلك إلى تبايُنِ الثّقافاتِ والخلفيّاتِ الفلسفيّةِ، معَ أنَّ النّفسَ والرّوحَ يحملانِ نفسَ المعنى في الدّلالةِ اللّغويّةِ، حيثُ يُقصدُ بالرّوحِ أو النّفسِ تلكَ القوّةُ التي تنهضُ بالإنسان وتُحييه، والنّفسُ في اللّغةِ قد تكونُ مُذكّراً وقَد تكونُ مُؤنّثاً، بحيثُ إذا أُريدَ بها المُؤنّثُ يكوُن معناها الإنسانُ بشكلٍ كاملٍ جسداً وروحاً، وإذا أُريدَ بها المُذكّرُ يُقصدُ بها الرّوحُ فقط.
أمّا الرّوحُ ضمنَ الإصطلاحِ الفلسفيّ فهيَ حقيقةٌ ذاتُ طبيعةٍ معنويّةٍ غيرِ محسوسةٍ، وقَد إعتبرها البعضُ مُجرّدةً عن المادّةِ وخارجةً عن حدودِ الزّمانِ والمكانِ، وقد إختلفوا هَل هيَ جوهرٌ أم عرضٌ؟ وهل هيَ حادثةٌ أم لا؟ وهل هي موجودةٌ بالجسدِ أم من دونِه؟ إلّا أنّهم أجمعوا على أنَّ الرّوحَ هيَ المسؤولةُ عنِ الوعي والإدراكِ والشّعور، وعليهِ هُناكَ بحوثٌ مُفصّلةٌ وتبايُناتٌ كثيرةٌ حولَ الرّوحِ بين المدارسِ الفلسفيّةِ.
أمّا الرّوحُ في النّصوصِ الإسلاميّةِ؛ فقَد تناولَتها العديدُ منَ الآياتِ والأحاديثِ الشّريفةِ، بحيثُ تباينَت معانيها بحسبِ توظيفِ السّياقِ، وسوفَ نُوردُ بعضَ المعاني التي يمكنُ استخلاصُها مِن تلكَ النّصوصِ: 1- الرّوحُ حقيقةٌ غيبيّةٌ غامضةٌ لا يمكنُ التّعرّفُ على كُنهِها أو إدراكُ ماهيّتِها قالَ تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) وقد فسّرَ البعضُ الرّوحَ في هذهِ الآيةِ بروحِ الحياةِ الموجودةِ في الإنسانِ والحيوان، واستدلّوا على ذلكَ ببعضِ الرّواياتِ مثل ما رواهُ أبو بصيرٍ عن أبي جعفرٍ الباقر، أو أبي عبدِ اللهِ الصّادق عليهما السّلام قالَ: سألتُه عن قولِه تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ...) ما الرّوحُ؟ قالَ: «التي في الدّوابِ والنّاسِ». قلتُ: ما هيَ؟ قالَ: «هيَ منَ الملكوتِ منَ القُدرةِ» وعلى هذا المعنى فُسِّرَت آياتٌ أُخرى مثل قوله تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي) وقولُه تعالى: (فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ).
2- إعتقدَ البعضُ أنَّ الرّوحَ التي جاءَ ذِكرُها في قولهِ تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ..) هيَ روحُ القُدسِ وهي مخلوقٌ أعظمُ من الملائكةِ يُسدّدُ اللهُ به الأنبياءَ، وقَد أكّدَت بعضُ الرّوايات هذا المعنى مثلَ ما جاءَ عَن أبي بصيرٍ، عَن أبي عبدِ الله الصّادقِ عليه السّلام في قوله تعالى: (وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ...) قالَ: «خلقٌ من خلقِ الله، أعظمُ من جبرئيلِ وميكائيل، كانَ مع رسولِ الله صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم يُخبره ويُسدّده، وهوَ مع الأئمّةِ مِن بعدِه»، وعلى ذلكَ فُسّرَت آياتٌ أُخرى مثل قوله تعالى: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ) وقوله تعالى: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ).
3- الرّوحُ بمعنى جبرائيل عليه السّلام، قال تعالى: (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا)، وقولُه تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ) وقولُه تعالى: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ).
4- الرّوحُ بمعنى روحِ الإيمان، قال تعالى: (وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ) وقد جاءَت الرّواياتُ بهذا المعنى في تفسيرِ هذهِ الآيةِ، فعَن أبي بكيرٍ، قالَ: قلتُ لأبي جعفرٍ عليه السّلام في قولِ رسولِ الله صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم: «إذا زنا الزّاني فارقَهُ روحُ الإيمان؟» قالَ عليه السّلام: «هو قولهُ تعالى: (وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ) ذلكَ الذي يُفارقُه».........ومِن مجموعِ ما تقدّمَ يتّضحُ أنَّ كلمةَ (روحٍ) في النّصوصِ لها أكثرُ مِن حقيقةٍ ومعنى، ومِن بينِ تلكَ المعاني هي الرّوحُ الموجودةُ في الإنسانِ والدّوابِ، وكلِّ ما يُمكنُنا تأكيدُه بأنَّ الرّوحَ الموجودةَ في الحيوانِ هي سرُّ حياتِه. ومِن أجلِ التّفريقِ بينَ الرّوحِ والنّفسِ لابُدَّ منَ النّظرِ إلى الإنسانِ بوصفِه كائناً مُركّباً والرّوحُ هيَ أحدُ أجزاءِ هذا المُركّبِ، وعليه تُصبِحُ النّفسُ هيَ الكلمةَ التي تُشيرُ إلى هذه الكينونةِ في صورتِها الكُلّيّةِ، وعندما يُعبّرُ الإنسانُ بكلمةِ (أنا) يقصدُ نفسَهُ التي هي حقيقةُ كيانِه بما فيها مِن روحٍ، ويمكنُ الإستدلالُ على ذلكَ بمجموعِ ما جاء في النّصوصِ الدّينيّةِ عنِ النّفسِ، حيثُ نجدُ كلمةَ النّفسِ تُستخدمُ للإشارةِ لكينونةِ الإنسان، مثل قولِه تعالى: (وما أُبريءُ نفسي إنَّ النّفسَ لأمّارةٌ بالسّوء إلّا ما رحمَ ربّي إنّ ربّي غفورٌ رحيم)، وقوله تعالى: (لا أُقسمُ بيومِ القيامةِ * ولا أُقسِمُ بالنّفسِ اللّوّامة)، وقولُه تعالى: (يا أيّتُها النّفسُ المُطمئنّةُ * إرجعِي إلى ربّكِ راضيةً مرضيّةً * فادخُلي في عبادي * وادخُلي جنّتي) وغير ذلكَ من الآياتِ التي تُشيرُ فيها كلمةُ النّفسِ إلى حقيقةِ الإنسانِ وكينونتِه وهوَ كيانٌ مُركّبٌ من عدّةِ أشياءَ بما فيها الرّوحُ، وقَد جاءَ في روايةٍ عَن أميرِ المؤمنينَ عليه السّلام يتحدّثُ فيها عَن تلكَ الأجزاءِ المُكوّنةِ لهذا التّركيب، فعَن كُميلٍ بن زيادٍ قالَ: سألتُ مولانا أميرَ المؤمنين (عليهِ الّسلام) قلتُ: أريدُ أن تُعرِّفني نفسِي. قالَ يا كميلُ أيّ نفسٍ تريد؟ قلت: يا مولايَ وهل هي إلا نفسٌ واحدة؟ فقال: (يا كميل إنّما هي أربع: النّاميةُ النّباتية، والحسّيّةُ الحيوانية، والنّاطقةُ القدسية، والكليّةُ الإلهيّة، ولكلّ واحدةٍ من هذهِ خمسُ قوى وخاصّتان.."
اترك تعليق