من الذين حاولوا اغتيال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عند رجوعه من غزوة تبوك?
السلام عليكم ورحمة الله زبركاته:
قلتُ إنَّ خبرَ الجماعةِ الذينَ أردوا أن يغدروا برسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) إنّما هوَ خبرٌ صحيحٌ رَوَاهُ أَحمَدُ فِي (مُسنَدِهِ), وغيرُه, واللّفظُ لأحمد, إذ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ - هُوَ ابنُ هَارُونَ - أَخبَرَنَا الوَلِيدُ بنُ عَبدِ اللَّهِ بنِ جُمَيعٍ عَن أَبِي الطُّفَيلِ قَالَ: لَمَّا أَقبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآله مِن غَزوَةِ تَبُوك أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآله آخِذٌ بِالعَقَبَةِ، فَلَا يَأخُذهَا أَحَدٌ. فَبَينَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآله يَقُودُهُ حُذَيفَةُ وَيَسُوقُهُ عَمَّارٌ إِذ أَقبَلَ رَهطٌ مُتَلَثِّمُونَ عَلَى الرَّوَاحِلِ، فَغَشُوا عَمَّاراً وَهُوَ يَسُوقُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآله, وَأَقبَلَ عَمَّارٌ يَضرِبُ وُجُوهَ الرَّوَاحِلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآله لِحُذَيفَةَ: قُد قُد. حَتَّى هَبَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآله، فَلَمَّا هَبَطَ نَزَلَ وَرَجَعَ عَمَّارٌ قَالَ: يَا عَمَّارُ هَل عَرَفتَ القَومَ؟ قَالَ: قَد عَرَفتُ عَامَّةَ الرَّوَاحِلِ، وَالقَومُ مُتَلَثِّمُونَ. قَالَ: هَل تَدرِي مَا أَرَادُوا؟ قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ. قَالَ: أَرَادُوا أَن يَنفِرُوا بِرَسُولِ اللهِ فَيَطرَحُوهُ. قَالَ: فَسَارَّ عَمَّارٌ رَجُلًا مِن أَصحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآله فَقَالَ: نَشَدتُكَ بِاللَّهِ، كَم تَعلَمُ كَانَ أَصحَابُ العَقَبَةِ؟ قَالَ: أَربَعَةَ عَشَرَ. فَقَالَ: إِن كُنت فِيهِم فَقَد كَانُوا خَمسَةَ عَشَرَ. قَالَ: فَعَذَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآله مِنهُم ثَلَاثَةً قَالُوا: مَا سَمِعنَا مُنَادِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآله، وَمَا عَلِمنَا مَا أَرَادَ القَومُ. فَقَالَ عَمَّارٌ: أَشهَدُ أَنَّ الإثنَي عَشَرَ البَاقِينَ حَربٌ للهِ وَلِرَسُولِهِ فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا وَيَومَ يَقُومُ الأَشهَادُ.
قلتُ: وهذا الخبرُ أوردَهُ الهيثميُّ في كتابِه (مجمعِ الزّوائد) (ج2/ص177) وعلّقَ عليه قائِلاً: رواهُ الطّبرانيّ في الكبيرِ ورجالُه ثقاتٌ, قلتُ: وهوَ الصّوابُ, لأنَّ رجالَه كلّهُم ثقاتٌ كما في تهذيبِ التّهذيبِ لابنِ حجرٍ العسقلانيّ وغيرِه, والوليدُ بنُ جميع مِن رجالِ مُسلمٍ وأكثرُ النّقّادِ قَد وثّقوهُ وحسّنوا مِن أمرِه, وقَد تكلّمَ فيه بعضُهم بغيرِ حُجّةٍ, والسّببُ في ذلكَ أنّهُ ذكرَ أخباراً تُعيّنُ أسماءَ الذينَ أرادوا أن يغدروا برسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله),وهوَ مِـمّا جعلَ بعضَهُم يشنُّ عليه حملةً لغرضِ إسقاطِ عدالتِه, ففي كتابِ (المُحلّى بالآثارِ) لابنِ حزمٍ الأندلسيّ في (ج12/ص160) طبعةُ دارِ الفكرِ بيروت, يُعلّقُ ابنُ حزمٍ على هذهِ الحادثةِ قائلاً: وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيفَةَ فَسَاقِطٌ، لِأَنَّهُ مِن طَرِيقِ الوَلِيدِ بنِ جُمَيعٍ - وَهُوَ هَالِكٌ - وَلَا نَرَاهُ يَعلَمُ مَن وَضَعَ الحَدِيثَ فَإِنَّهُ قَد رَوَى أَخبَاراً فِيهَا أَنَّ أَبَا بَكرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثمَانَ، وَطَلحَةَ، وَسَعدَ بنَ أَبِي وَقَّاصٍ أَرَادُوا قَتلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَآله - وَإِلقَاءَهُ مِن العَقَبَةِ فِي تَبُوكَ - وَهَذَا هُوَ الكَذِبُ المَوضُوعُ الَّذِي يَطعَنُ اللَّهُ تَعَالَى وَاضِعَهُ - فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهِ.
قلتُ: وهذا التّعليقُ ليسَ غريباً مِن ابنِ حزمٍ ولا مِن غيرِه مِـمَّن سلكَ مثلَ هذا السّلوكِ, إذ المعروفُ في تراجمِ الرّواةِ في كتبِ الجرحِ والتّعديلِ أنَّ كلَّ راوٍ نقلَ خبراً ما فيهِ منَ القدحِ على بعضِ الصّحابةِ فألسِنةُ القومِ وأقلامُهم تتناولهُ بعباراتٍ قاذعةٍ, ولكِن ما يَعنينا هُنا ونودُّ التّنبيهَ عليهِ هوَ أنَّ القارئَ المُنصفَ إذا دقّقَ في تعليقِ ابنِ حزمٍ على هذهِ الحادثةِ فسيلاحظُ أنّهُ يذكرُ أنّهُ إطّلعَ على أخبارٍ - وليسَ خبراً واحِداً - عِن طريقِ الوليدِ بنِ جميع تُبيّنُ أسماءَ مَن شاركَ في تلكَ الحادثةِ, ولكن حينَ تبحثُ عَن تلكَ الأخبارِ لا تجدُ مِنها أثراً ولا عيناً, والسّببُ هوَ أنَّ مثلَ هذهِ الأخبارِ كانَت تُخفى وتُمحى منَ الوجودِ عَن عمدٍ ما دامَ فيها قدحٌ في عدالةِ الصّحابةِ, وهذا ما صرّحَ به الذّهبيّ في هذا الصّددِ , في كتابِه (سيرُ أعلامِ النّبلاءِ) في (ج1/ص 49- 50) طبعةُ دارِ الحديثِ, إذ يقولُ: تَقَرَّرَ عَنِ الكَفِّ عَن كَثِيرٍ مِمَّا شَجَرَ بَينَ الصَّحَابَةِ، وَقِتَالِهِم رَضِيَ اللهُ عَنهُم أَجمَعِينَ، وَمَا زَالَ يَمُرُّ بِنَا ذَلِكَ فِي الدَّوَاوينِ، وَالكُتُبِ، وَالأَجزَاءِ، وَلَكِن أَكثَرُ ذَلِكَ مُنقَطِعٌ، وضَعِيفٌ وَبَعضُهُ كَذِبٌ وَهَذَا فِيمَا بِأَيدِينَا وَبَينَ عُلُمَائِنَا, فَيَنبَغِي طَيُّهُ وَإِخفَاؤُهُ، بَل إِعدَامُهُ، لِتَصفُوَ القُلُوبُ وَتَتَوَفَّرَ عَلَى حُبِّ الصَّحَابَةِ وَالتَّرَضِّي عَنهُم، وَكُتمَانُ ذَلِكَ مُتَعَيِّنٌ عَنِ العَامَّةِ، وَآحَادِ العلماء. فتأمّل عبارةَ الذّهبيّ جيّداً وخصوصاً كلامَه (..فَيَنبَغِي طَيُّهُ وَإِخفَاؤُهُ، بَل إِعدَامُهُ..)، لتعرفَ إلى أيّ درجةٍ كانَت الأمانةُ العلميّةُ عندَ أمثالِ هؤلاءِ الذينَ كانوا يفعلونَ بالنّصوصِ والأخبارِ ما يشاؤون!!. ودمتُم سالِمينَ.
اترك تعليق