ما هي سيرة انصار الامام الحسين (عليه السلام)
لو تكرمتم واعطيتمونا تفصيل اكثر عن سيرة انصار الامام الحسين عليه السلام وياحبذا التركيز على الفقهاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنَّ الحديثَ عَن أنصارِ الإمامِ الحُسينِ عليه السّلام إنّما هوَ حديثٌ عَن أفضلِ الأنصارِ رُتبةً, وأسماهُم مقاماً, ليسَ لأنّهم قُتلوا في سبيلِ اللهِ تعالى, بل لأنَّهُم قُتلوا في فترةٍ زمنيّةٍ قلَّ فيها النّاصرُ, وتهافتَ فيها النّاسُ على الدُّنيا, ولأنّهُم كانوا غُرباءَ لا يُخالطهم أحدٌ, ولا يوافقُهم على نهجِهم مِن ذلكَ الجمعِ فردٌ يخافُ اللهَ تعالى، ولقَد إمتازَ أنصارُ الإمامِ الحُسينِ عليهِ السّلام دونَ غيرِهم منَ الأنصارِ, بأنّهم كانوا يعلمونَ بشهادتِهم ومُتيقّنينَ مِن عدمِ بقائِهم في الحياةِ, ومعَ ذلكَ ذهبوا معَ إمامِهم موطّنينَ أنفسَهُم على لقاءِ اللهِ تعالى، لبسوا القلوبَ على الدّروعِ, مُستبشرينَ بما ادّخرَ اللهُ تعالى لهُم, يتسابقونَ على الشّهادةِ، ويوصي بعضُهم بعضاً بإمامِهم عليه السّلام, يتمنّونَ لو أنَّ لهُم أكثرَ مِن جسدٍ وروح, ليبذلوا ذلكَ في سبيلِ الدّفاعِ عَن إمامٍ صادقِ اليقينِ, وعَن دينٍ سُفكَت مِن أجلِه الدّماء, وبُذلَتِ المُهجُ, وسهرَتِ العيونُ, وتعبَتِ الأجسادُ.
ولتتّضحَ صورةُ هؤلاءِ الأبطالِ نستشهدُ بقولِ الإمامِ الحُسينِ عليه السّلامُ المشهورِ في حقِّهم إذْ يقولُ: واللهِ ما رأيتُ أصحاباً كأصحابي. يُقسمُ الإمامُ عليهِ السّلام باللهِ تعالى, وهوَ لا يقولُ كذباً, ولا يقسمُ باطِلاً, ولا ينطقُ عاطِفةً, ولا يُلقي الكلامَ جُزافاً, لكونِه الإمامَ المعصومَ الذي جعلَهُ اللهُ تعالى حُجّةً على النّاسِ بعدَ أبيهِ وأخيهِ عليهما السّلام، فبيّنَ الإمامُ الحُسينُ عليه السّلام رُتبةَ هؤلاءِ الأصحابِ معَ علمِه بأصحابِ جدِّه المُصطفى (صلّى اللهُ عليه وآله), وأبيهِ المُرتضى عليه السّلام ,وأخيهِ المُجتبى عليه السّلام، فهوَ - إذنْ - نطقَ بذلكَ الكلام في حقِّ أصحابِه, لأنّهُ وجدَهُم قد باعوا الدّنيا بالآخرةِ، وبذلوا المُهجَ لنجاةِ الدّينِ، وفارقوا الأحبّةَ منَ الأهلِ والولدِ, لنيلِ رضا المحبوبِ الحقيقيّ وهوَ اللهُ عزَّ وجلّ، وعانقُوا الرّمالَ كعناقِهم للحورِ العين، وتوضّؤوا بالدّماءِ لأداءِ الصّلاةِ، وصافحوا السّيوفَ بوجوهٍ مُستبشرةٍ، وجابَهوا السّهامَ بنحورٍ مُشرقةٍ, وأرواحٍ ثابتةٍ وأقدامٍ راسخة.
وحقّاً إنَّ الحديثَ عَن أنصارِ الإمامِ الحُسين عليه السّلام إنّما هوَ حديثٌ عنِ الشّهامةِ والعلوِّ والرّفعةِ والسّموّ، ونفوسٍ طاهرةٍ, وأجسادٍ مُطهّرةٍ, وقلوبٍ خاشعةٍ, وعيونٍ دامعةٍ، وضمائرَ حيّةٍ, وأفكارٍ سليمةٍ, وإيمانٍ قويٍّ, وجأشٍ رابطٍ, وثباتٍ دائمٍ, وعزيمةٍ قويّةٍ, وفروسيّةٍ وصدقٍ وإخلاصٍ ووفاءٍ وإيثارٍ وسخاءٍ وموالاةٍ وبراءةٍ، وبصرٍ وبصيرةٍ، وتواضُعٍ وشرفٍ وزُهدٍ وعبادةٍ، فهُم السّابقونَ السّابقون، أنصارُ الإمامِ الحُسين عليه السّلام, وصفَهُم العدوّ قبلَ الصّديقِ (بأنّهُم أهلُ البصائرِ وفُرسانُ المصر. إذْ أوردَ أربابُ المقاتلِ والسّيرِ مقولةَ عمرو بنِ الحجّاجِ في أصحابِ الحُسين عليه السّلام لَـمّا صاحَ بأصحابِه قائِلاً لهُم: أتدرونَ مَنْ تُقاتلونَ؟ تُقاتلونَ فُرسانَ المصرِ، وأهلَ البصائرِ، وقوماً مُستميتينَ، لا يبرزُ إليهِم أحدٌ منكُم إلّا قتلوهُ على قلّتِهم، واللهِ! لَو لَم ترموهُم إلّا بالحجارةِ لقتلتموهُم). ثُمَّ إنَّ السّمةَ الغالبةَ على أنصارِ الإمامِ الحُسين (عليه السّلام) هيَ العلمُ والتّفقّهُ في الدّين، فقَد كانَ منهُم بُريرٌ، الذي قالَ عنهُ صاحبُ كتابِ أنصارِ الحُسين (في الصّفحةِ 57- 58): (وُصِفَ في المصادرِ بأنّهُ سيّدُ القُرّاءِ, وكانَ شيخاً، تابعيّاً، ناسِكاً، قارئاً للقُرآنِ، ومِن شيوخِ القُرّاءِ في جامعِ الكوفة), ومنهُم حبيبُ بنُ مُظاهرٍ الأسديّ وكانَ فقيهاً كبيراً مِن فُقهاءِ الكوفةِ. ومنهُم مسلمٌ بنُ عوسجةَ الأسديّ وقَد ( كانَ صحابيّاً مِـمّنْ رأى رسولَ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وروى عنهُ). وكانوا في الجانبِ العباديّ قد بلغُوا مرتبةً عاليةً منَ الإخلاصِ واليقين, فقَد كانَ مِن أهمِّ سماتِهم اليقينُ في الإعتقادِ والإخلاصِ في العبادةِ, والتي أهّلتهم ليكونُوا خيرَ الأصحابِ بشهادةِ الإمامِ الحُسين (عليه السّلام). فقَد رويَ أنّهم كانُوا يُصلّونَ ويستغفرونَ ويدعونَ طوالَ ليلةِ عاشوراء, حتّى إنّهُم باتوا ولهُم دويٌّ كدويِّ النّحلِ ما بينَ راكعٍ وساجدٍ وقائمٍ وقاعِد. ومِن سماتِهم في العبادةِ أيضاً: أداءُ الصّلاةِ في وقتِها، حتّى إنَّ تواجدَهُم في ساحةِ المعركةِ حيثُ طعنُ الرّماحِ وضربُ السّيوفِ ورميُ السّهامِ لم يحُلْ بينَهم وبينَ ذلك، فقدَ رويَ عَن أبي ثمامةَ عمرو بنُ عبدِ اللهِ الصّائديّ أنّهُ قالَ للحُسينِ عليهِ السّلام: يا أبا عبدِ اللّه!
نفسي لكَ الفِداء، إنّي أرى هؤلاءِ قَد إقتربوا منكَ, ولا واللّهِ لا تُقتَل حتّى اُقتلَ دونَك إن شاءَ اللّه، وأحبُّ أنْ ألقى ربّي وقد صلّيتُ هذهِ الصّلاةَ التي قَد دنا وقتُها, فرفعَ الحُسين عليه السّلام رأسَه، ثمّ قالَ: ذكرتَ الصّلاةَ, جعلكَ اللّهُ منَ المُصلّينَ الذّاكرين. نعَم، هذا أوّلُ وقتِها. ثمَّ قالَ: سلوهم أنْ يكفّوا عنّا حتّى نُصلّي).
ومِن سماتِهم أيضاً الإستئناسُ بلقاءِ اللهِ تعالى, إذ المعروفُ عَن قادةِ الجيشِ حينَ يُقبلونَ على حربٍ ما، فإنّهم غالِباً ما يُمنُّونَ أتباعَهم بالغنائمِ والمناصبِ المُهمّةِ وما إلى ذلكَ، إلّا أنَّ الأمرَ مُختلِفٌ معَ الإمامِ الحُسين (عليهِ السّلام), فقد رويَ عَن الإمامِ زينِ العابدينَ (عليهِ السّلام) أنّه قالَ: (لـمّا كانَت الليلةُ التي قُتلَ فيها الحُسين عليه السّلام في صبيحتِها قامَ في أصحابِه فقالَ (عليه السّلام): (إنَّ هؤلاءِ يريدونَني دونَكُم، ولو قتلوني لم يُقبلوا إليكُم، فالنّجاة النّجاة، وأنتُم في حلٍّ, فإنّكُم إنْ أصبحتُم معي قُتِلتُم كلّكم). فقالوا: لا نخذلُكَ، ولا نختارُ العيشَ بعدَك. بل كانَ لبعضِهم في هذا الموقفِ منَ المقالاتِ الجديرةِ بأنْ تُخلّدَ وتُدرّسَ للأجيالِ تلوَ الأجيالِ, لبيانِ علوِّ مقامِهم ومرتبتِهم العاليةِ الشّريفةِ, فقد رويَ عَن سعيدٍ بنِ عبدِ اللهِ الحنفيّ أنّه قالَ للإمامِ الحُسين (عليه السّلام): (لا نُخلّيكَ حتّى يعلمَ اللهُ أنّا قد حفظنَا غيبةَ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله) فيكَ، واللهِ, لو علمتُ أنّي أُقتَلُ، ثُم أُحيى، ثُمَّ أُحرَق، ثُمَّ أذرى، يُفعَلُ بي ذلكَ سبعينَ مرّةً ما فارقتُك, حتّى ألقى حِمامي دونَك، فكيفَ لا أفعلُ ذلكَ, وإنّما هيَ قتلةٌ واحدةٌ، ثُمَّ الكرامة التي لا انقضاءَ لها أبداً). وهذا زُهيرٌ بنُ القينِ رضيَ اللهُ عنه كانَ يُجيبُه قائِلاً: (واللهِ, لوددتُ أنّي قُتلتُ، ثُمَّ نُشرتُ، ثُمَّ قُتلتُ, حتّى أُقتلَ على هذهِ ألفَ مرّةٍ، وأنّ اللهَ يدفعُ بذلكَ القتلَ عَن نفسِك وعَن أنفُسِ هؤلاءِ الفِتيةِ مِن أهلِ بيتِك). ولم يقفوا موقفَ التّضحيةِ والفداءِ لأبي عبدِ الله (عليهِ السّلام) فحسب, بَل كانوا يرونَ أنَّ اللهَ تعالى قد منَّ عليهم بالإمامِ الحُسينِ عليه السّلام وبالقتلِ دونِه, فقد رويَ عَن بريرٍ (رضيَ اللهُ عنه) أنّهُ قالَ: يا بنَ رسولِ الله، لقَد مَنَّ اللهُ بكَ علينا أنْ نُقاتلَ بينَ يديكَ, فتُقطّعَ فيكَ أعضاؤنا، ثُمَّ يكونُ جدُّكَ شفيعنا يومَ القيامةِ). ثُمَّ لم يكُن هدفُ أصحابِ الإمامِ الحُسين (عليه السّلام) الدّنيا أو المالُ أو الشّهرةُ أو السّلطة، وإنّما خاضُوا غِمار المعركةِ وهُم يعلمونَ بأنَّهُم سيُقتلونَ، فقَد أطلعَهُم الإمامُ على مصيرِه ومصيرِهم, إذْ قالَ : إنّي غداً لمقتولٌ وأنتُم جميعاً ستُقتلونَ, فما كانَ ردُّهم إلّا أنْ قالوا: الحمدُ للهِ الذي أكرمَنا بنصرِك، وشرّفنا بالقتلِ معَك. وهذا يدلُّ على أنّهُم كانُوا على درجةٍ عاليةٍ منَ الوعي المُتكامِل والبصيرةِ النّافذةِ المُتفتّحةِ والرّؤية الواضحةِ للعاقبةِ التي هُم ماضونَ إليها, وليقينِهم التّامّ بأنّها حُسنُ الخاتمةِ، فرابطُوا معَ الإمامِ (عليه السّلام) وقاتلُوا بينَ يديهِ حتّى استشهدُوا, ففازوا فوزاً عظيماً. (يُنظر: أنصارُ الحُسينِ عليه السّلام الثّورةُ والثّوّارُ، السّيّدُ مُحمّد عليّ الحلو: ص48 وما بعدَها). فالسّلامُ على الحُسينِ وعلى عليٍّ بنِ الحُسين وعلى أصحابِ الحُسين جميعاً, ويا ليتَنا كُنّا معهُم فنفوزَ فوزاً عظيماً. ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق