في مسألة الحبوة للولد الاكبر

في مسألة الحبوة للولد الاكبر ..هناك من يشكل عليها وانها قد تكون دخيلة على المذهب .وبالرغم من وجود احاديث صحيحة..ويطرحون شبهة.. انه لماذا لم يرد حديث او اشارة من النبي أو الائمة ماقبل الامام الصادق..خاصة وانها تتعلق بحق وحكم شرعي.. والاحاديث جميعها صادرة عن الامام الصادق.ع. وحتى الائمة بعده لم يشيروا الى هذه المسألة...

: اللجنة العلمية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

إنّ مَنْ يتتبّعُ أحكامَ الشّريعةِ السّمحاءِ الثّابتةِ عَن أئمّةِ الهُدى سلامُ اللهِ عليهم أجمعين, سَيُذْعِنُ حتماً, ويقرُّ بأنَّ الحبوةَ: هيَ نوعٌ من الميراثِ المُتّفقِ عليهِ بينَ الإماميّةِ أعزَّهُم الله , ومِن مُختصّاتِ المذهبِ وضروريّاتِه, وبذلكَ تضافرَت النّصوصُ الصّحيحة ُفي هذا البابِ, فمِن تلكَ النّصوصِ: ما رواهُ ثقةُ الإسلامِ الكُلينيّ في (الكافي ج7/ص85) : عَن عليٍّ بنِ إبراهيم ، عَن أبيهِ ، عَن حمّادٍ بنِ عيسى ، عن حُريزٍ ، عَن أبي عبدِ اللهِ عليه السّلام قالَ : إذا هلكَ الرّجلُ فتركَ بنيناً فللأكبرِ السّيفُ والدّرعُ والخاتمُ والمصحفُ, فإنْ حدثَ بهِ حدثٌ؛ فللأكبرِ منهُم . وأيضاً في كتابِ (الكافي ج7/ص86) : عَن مُحمّدٍ بنِ إسماعيل ، عن الفضلِ بنِ شاذان ، عَن ابن أبي عُمير ، عن ربعيّ بنِ عبدِ اللهِ عَن أبي عبدِ اللهِ عليه السلام قالَ : إذا مات الرّجلُ فللأكبرِ مِن ولدِه سيفُه ومصحفُه وخاتمُه ودرعُه. فإذا اتّضحَ ذلكَ , واتّضحَ أنّ عُلماءنا قاطبةً سواءٌ أكانوا مَن المُتقدّمينَ أم منَ المُتأخّرينَ أم منَ المُعاصرينَ قد التزموا بهذهِ النّصوصِ, وأفتوا على طبقِها, فلا عبرةَ حينئذٍ بِمَنْ شكّكَ أو حاولَ أنْ يُشكّكَ في ذلكَ, بدعوى أنَّ هذه النّصوصَ لم تُعرَف عنِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) , ولا عنِ الأئمّةِ عليهم السّلام الذينَ سبقُوا زمانَ الإمامِ الصّادقِ عليه السّلام, وإنّما مثلُ هذهِ الأحاديثِ مصدرُها فقَط الإمامُ الصّادقُ عليه السّلام. فنقولُ : لا عبرةَ بهذهِ الإشكالاتِ ولا قيمةَ لها في ميزانِ العُلماءِ, وذلكَ لأنَّ أهلَ العلمِ وخصوصاً الإماميّةَ بيّنوا المعيارَ الصّحيحَ في كيفيّةِ ثبوتِ الحديثِ عنِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وأهلِ بيتِه الأطهارِ سلامُ اللهِ عليهم أجمعين, إذْ بيّنوا هُناكَ أنَّ الحديثَ إذا ثبتَ بالمعيارِ المُحدّدِ له, وطِبقاً للضّوابطِ التي يشتغلُ بها أهلُ العلم , فحينئذٍ يُعَـدُّ ذلكَ الحديثُ صحيحاً , فيُفتونَ على طبقِه , بقطعِ النّظرِ عَن كونِ ذلكَ الحديثِ مرويّاً عنِ الصّادق (عليه السّلام) أو عن الباقرِ (عليه السّلام) أو عن الرّضا (عليهِ السّلام) أو عَن غيرِهم منَ الأئمّةِ عليهمُ السّلام , وكذلكَ معَ قطعِ النّظرِ عَن كونِ الحديثِ ثبتَ عنِ المُتقدّمِ منَ الأئمّةِ أو  عنِ المُتأخّرِ منهُم , أو ثبتَ عَن أحدِ الأئمّةِ وإنْ لم يثبُت عنِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) , والعكسُ صحيحٌ أيضاً. فالمُهمُّ هوَ ثبوتُ الحديثِ وَفْق الضّوابطِ والمعاييرِ المعروفةِ بينَ أهلِ العلم كما قُلنا آنفاً , وليسَ للمُكلّفِ المُؤمنِ إلّا أنْ يلتزمَ بذلك. هذا معَ التّنبيهِ على ضرورةِ أنْ يعرفَ المُتتبّعُ المُنصفُ أنَّ هُناكَ أسباباً كثيرةً حالَت دونَ وصولِ جُملةٍ كبيرةٍ منَ الأحاديثِ عنِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) أو عَن أئمّةِ أهلِ البيتِ عليهمُ السّلام إلى المُسلمينَ بطريقةٍ سليمةٍ وسهلةٍ, فمِن أهمِّ تلكَ الأسبابِ: هيَ أنَّ الخليفتينِ الأوّلِ والثّاني قَد جمعا في عهدِهما مجموعةً كبيرةً منَ الأحاديثِ المرويّةِ عَن رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) ثُمَّ أحرقوها بحُجّةِ أن لا تختلطَ بالقُرآنِ, زِدْ على ذلكَ أنَّ الخليفةَ الثّاني قَد منعَ الصّحابةَ منَ التّحدّثِ بما كانَ يُروى عَن رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) مِن أحاديثَ, وتوعّدَ المُخالِفَ منهُم بالعقابِ والضّربِ بالدّرّةِ, وقَد أشارَ إلى هذهِ الأمورِ كلُّ مَنْ كتبَ في تدوينِ السّيرةِ النّبويّةِ ككتابِ تدوينِ السّنّةِ الشّريفةِ للجلاليّ أو كتابِ تدوينِ السّنّةِ للشّهرستانيّ أو غيرِهما مِـمَّن كتبَ في هذا الموضوعِ, ثمَّ توالَتِ الأحداثُ الأليمةُ والحروبُ تلوَ الحروبِ وخصوصاً في زمنِ أميرِ المُؤمنينَ عليهِ السّلام, ثمَّ بعدَ ذلكَ وصلَ الحُكمُ إلى بني أُميّةَ , إذْ كانَ أميرُ المُؤمنينَ عليهِ السّلام يُسَبُّ علناً وخصوصاً في زمنِ معاويةَ وما تلاهُ مِن حُكّامِ الجور, حتّى جاءَ حكمُ بني العبّاسِ؛ وما أدراكَ ما حُكمُ بني العبّاسِ, إذْ كانَ يُضرَبُ فيهِمُ المثلُ بظُلمِهم للعلويّينَ, وتفنُّنِهم في تعذيبِهم, حتّى قالَ بعضُهم: ظلمُ بني أُميّةَ لأهلِ البيتِ هوَ مِعشارُ ظُلمِ العبّاسيّينَ لهمُ. فهذهِ الأمورُ والأحداثُ الأليمة التي كانَت تُحيطُ بالأئمّةِ عليهمُ السّلام وبشيعتِهم ينبغي أنْ تُؤخذَ في الإعتبارِ لمَن يريدُ أن يفهمَ حقيقةَ ما يجري , لأنّها تُبيّنُ لنا مقدارَ الأثرِ الكبيرِ المُترتّبِ على عدمِ وصولِ جُملةٍ منَ الأحاديثِ وانتشارِها بالطّريقةِ السّليمةِ بينَ المُسلمينَ.

نعَم, ذكرَ أربابُ السّيرِ والتّاريخِ أنَّ الظّروفَ المُلائمةَ التي أُتيحَت للإمامِ الصّادقِ عليهِ السّلام في نشرِ علومِ آلِ مُحمّدٍ عليهمُ السّلام هيَ أحسنُ مِن بقيّةِ الظّروفِ التي أُتيحَت لبقيّةِ الأئمّةِ عليهمُ السّلام, إذْ كانَت فترتُه مُمتدّةً ما بينَ نهايةِ الدّولةِ الأمويّةِ وبدايةِ الدّولةِ العبّاسيّةِ,  إذْ عادةً ما تكونُ الدّولُ في نهاياتِها ضعيفةً, وبداياتِ تأسيسِها ونشوئِها ضعيفةً, فمِن هُنا سنحَت للإمامِ الصّادقِ عليهِ السّلامُ فُرصةٌ كبيرةٌ في نشرِ علومِ آلِ مُحمّدٍ عليهم السّلام, وهذا معروفٌ بينَ الإماميّةِ قديماً وحديثاً, فلذلكَ تجدُ جُملةً منَ الأحاديثِ وبكثرةٍ تُروى عنِ الإمامِ الصّادقِ عليهِ السّلام ليسَت مرويّةً عَن أحدٍ مِن آبائِه أو أبنائِه , وحتّى عنِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله). وفي نهايةِ المطافِ نسألُ اللهَ العليَّ القدير أن نكوَن وُفِّقنا في إيصالِ الجوابِ الذي يُطَمْئِنُ قلوبَكم. ودمتُم سالِمين.