هلّا شرحتم لنا ما هو عالمِ الإمكانِ والتّكوينِ
يبدو أنَّ السّائلَ يسألُ عَن عالمِ الإمكانِ والتّكوينِ، وهيَ منَ المُصطلحاتِ التي تُستخدَمُ في الفلسفةِ للتّفريقِ بينَ مراتبِ الأشياءِ بالنّسبةِ لعالمِ التّحقّقِ والوجودِ، فالشّيءُ قبلَ مرحلةِ التّحقّقِ الفعليّ إمّا أن يكونَ مُمكنَ الوجودِ مثلَ الأشياءِ التي نراها في عالمِ الخلقةِ، وإمّا أن يكونَ مُستحيلَ الوجودِ مثلَ إجتماعٓ النّقيضينِ، ثمَّ ما كانَ منها مُمكنَ الوجودِ، إمّا أن يكونَ الإمكانُ فيها متساوياً وإمّا أن يكونَ راجِحاً، والرّاجحُ هوَ العالمُ الذي نسبةُ المُمكنِ فيه إلى الوجودِ أرجحُ مِن نسبتِه إلى العدمِ، ويُسمّى بعالمِ المشيئةِ أو الذّكرِ الأوّلِ حيثُ تكونُ الأشياءِ مذكورةً في العلمِ ولكنَّها غيرُ مكوّنة.
وأمّا عالمُ التّكوينِ هوَ عالمُ التّحقّقِ والثٌبوتِ، أي عالمُ الخلقِ والإيجادِ، وبحسبِ ما جاءَ في الرّواياتِ إنَّ الخلقَ يمرُّ عبرَ مراتبَ وهيَ العلمُ ثمَّ المشيئةُ ثمَّ الإرادةُ ثمَّ القدرُ ثمَّ القضاءُ ثمَّ الإمضاءُ أي التّحقّقُ في الخارجِ. قالَ الإمامُ عليٌّ بنُ موسى الرّضا (عليهِ السّلام): "عَلِمَ وشاءَ وأرادَ وقدّرَ وقضى وأمضى … بعلمِه كانَت المشيئةُ وبمشيئتِه كانَتِ الإرادةُ وبإرادتِه كانَ التّقديرُ وبتقديرِه كانَ القضاءُ وبقضائِه كانَ الإمضاءُ، والعلمُ مُتقدّمٌ على المشيئةِ والمشيئةُ ثانيةٌ والإرادةُ ثالثةٌ والتّقديرُ واقعٌ على القضاءِ بالإمضاءِ… فبالعلمِ علمَ الأشياءَ قبلَ كونِها، وبالمشيئةِ عرفَ صفاتِها وحدودَها، وأنشأها قبلَ إظهارِها وبالإرادةِ ميّزَ أنفُسَها في ألوانِها وصفاتِها، وبالتّقديرِ قدّرَ أقواتَها، وعرّفَ أوّلَها وآخرَها، وبالقضاءِ أبانَ للنّاسِ أماكنَها، ودلّهُم عليها، وبالإمضاءٓ شرحَ عللَها وأبانَ أمرَها وذلكَ تقديرُ العزيزِ العليم" الكافي، الشّيخُ الكُلينيّ: ج 1، كتابُ التّوحيدِ، بابُ البداءِ، ح 16، ص 148 ـ 149.
اترك تعليق