هل المهدي (ع) يرى جبرائيل؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لابُدَّ منَ التّأكيدِ على أنَّ الوحيَ إنقطعَ بانتقالِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) إلى الرّفيقِ الأعلى، وهذا ما وردَ عَن أئمّةِ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) فعَن عليٍّ (عليهِ السّلام) كما في مُستدركِ الوسائلِ، قالَ: "مَن زارَ النّبيَّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) فليسترجِع ثلاثاً، ثمَّ ليقُل: أُصِبنا بكَ يا حبيبَ قلوبِنا، فما أعظمَ المُصيبةَ بكَ، حيثُ انقطعَ عنّا الوحيِ وحيثُ فقدناكَ، ما شاءَ اللهُ وإنّا إليهِ راجعونَ". وعليهِ لا يمكنُ القولُ أنَّ جبريلَ يمكنُ أن يتّصلَ بأحدٍ منَ البشرِ بعدَ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) على نحوِ التّبليغِ برسالةٍ فإنَّ وحيَ النّبوّةِ الذي جاءَ في قولِه تعالى: (إِنَّا أَوحَينَا إِلَيكَ كَمَا أَوحَينَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعدِهِ وَأَوحَينَا إِلَى إِبرَاهِيمَ وَإِسمَاعِيلَ وَإِسحَاقَ وَيَعقُوبَ وَالأَسبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيمَانَ وَآتَينَا دَاوُودَ زَبُوراً) لا يمكنُ حدوثُه لأيّ أحدٍ منَ البشرِ بعدَ رسولِ اللهِ، إلّا أنَّ ذلكَ لا ينفي نزولَ جبريلَ إلى الأرضِ بعدَ رسولِ اللهِ وإتّصالَهُ بالبشرِ؛ وذلكَ لأنَّ نزولَ جبريل ليسَ مُرتبِطاً بالوحي فقَط ولا يمكنُ نفيُ نزولِه لأغراضٍ أُخرى كما ذكرَ ذلكَ السّيوطي في كتابِه الحاوي للفتاوي حيثُ قال: "خَاتِمَةٌ: اشتَهَرَ عَلَى أَلسِنَةِ النَّاسِ أَنَّ جِبرِيلَ لَا يَنزِلُ إِلَى الأَرضِ بَعدَ مَوتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا شَيءٌ لَا أَصلَ لَهُ. وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى بُطلَانِهِ مَا أَخرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "الكَبِيرِ"، «عَن ميمونةَ بنتِ سعدٍ قَالَت: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَل يَرقُدُ الجُنبُ؟ قَالَ: مَا أُحِبُّ أَن يَرقُدَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ، فَإِنِّي أَخَافُ أَن يُتَوَفَّى فَلَا يَحضُرُهُ جِبرِيلُ» فَهَذَا الحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جِبرِيلَ يَنزِلُ إِلَى الأَرضِ، وَيَحضُرُ مَوتَةَ كُلِّ مُؤْمِنٍ حَضَرَهُ الْمَوتُ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ. ثُمَّ وَقَفتُ عَلَى حَدِيثٍ آخَرَ فِيهِ نُزُولُ جِبرِيلَ إِلَى الأَرضِ، وَهُوَ مَا أَخرَجَهُ نُعَيمُ بنُ حَمَّادٍ فِي "كِتَابِ الفِتَنِ"، وَالطَّبَرَانِيُّ مِن حَدِيثِ ابنِ مَسعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي وَصفِ الدَّجَّالِ قَالَ: «فَيَمُرُّ بِمَكَّةَ، فَإِذَا هُوَ بِخَلقٍ عَظِيمٍ، فَيَقُولُ: مَن أَنتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا مِيكَائِيلُ بَعَثَنِي اللَّهُ لِأَمنَعَهُ مِن حَرَمِهِ، وَيَمُرُّ بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا هُوَ بِخَلقٍ عَظِيمٍ، فَيَقُولُ: مَن أَنتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا جِبرِيلُ بَعَثَنِي اللَّهُ لِأَمنَعَهُ مِن حَرَمِهِ». ثُمَّ رَأَيتُ فِي قَولِهِ تَعَالَى: [القدر]- الآيَة - عَنِ الضّحّاكِ أَنَّ الرُّوحَ هَنَا جِبرِيلُ، وَأَنَّهُ يَنزِلُ هُوَ وَالمَلَائِكَةُ فِي لَيلَةِ القَدرِ، وَيُسَلِّمُونَ عَلَى المُسلِمِينَ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ،"[ ].
وقَد جاءَ في رواياتِنا أنَّ جبريلَ يأتي الزّهراءَ (عليها السّلام) يُحدّثُها ففي الكافي عَن أبي عُبيدةَ قولُه: "وكانَ جبرائيلُ يأتيها فيُحسِنُ عزاءَها على أبيها، ويطيّبُ نفسَها، ويخبرُها عَن أبيها ومكانِه، ويخبرُها بما يكونُ بعدَها في ذُرّيّتِها، وكانَ عليه السّلامُ يكتبُ ذلكَ، فهذا مصحفُ فاطمة"[ ].
ومنَ الواضحِ كما هوَ ثابتٌ عندَنا أنَّ ليلةَ القدرِ التي تُقدّرُ فيها أقدارُ كلِّ عامٍ تنزلُ على الإمامِ المعصومِ، فعنِ الإمامِ الصّادقِ (عليهِ السّلام) قالَ: (إذا كانَ ليلةُ القدرِ نزلَت الملائكةُ والرّوحُ والكتبةُ إلى السّماءِ الدّنيا فيكتبونَ ما يكونُ مِن قضاءِ اللهِ في تلكَ السّنةِ..)، أمّا الرّوحُ فقَد وردَ عنهُ (عليه السّلام): (أنَّ الرّوحَ أعظمُ مِن جبرئيلِ وأنَّ جبرئيلَ أعظمُ منَ الملائكةِ...)
وهُنا يمكنُنا الإشارةُ إلى ما يتميّزُ بهِ مذهبُ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) عَن جميعِ المذاهبِ والأديانِ، فبينَما ترى الدّياناتُ القائمةُ اليومَ والمذاهبُ المُعاصرةُ أنَّ الإتّصالَ بينَ ربِّ العبادِ وأهلِ الأرضِ قَد تمَّ في فتراتٍ مُحدّدةٍ تاريخيّاً ثمَّ إنقطعَ؛ وعلى سبيلِ المثالِ فإنَّ هُناكَ أناساً يزعمونَ أنَّ الإتّصالَ بينَ السّماءِ والأرضِ قد إنقطعَ بعدَ عيسى عليهِ السّلام، وهكذا الحالُ بالنّسبةِ إلى اليهودِ الذينَ يرونَ أنَّ هذا الإتّصالَ قد إنقطعَ منذُ أربعةِ آلافِ سنةٍ. في حينِ أنَّ مذهبَ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) الذي يُمثّلُ جوهرَ الإسلامِ نراهُ يتميّزُ بأنّهُ يؤمنُ أنَّ هذا الإتّصالَ ما يزالُ قائِماً وسيظلُّ قائِماً إلى يومِ الدّينِ. فهُناكَ في كلِّ عامٍ ليلةٌ هيَ ليلةُ القدرِ، تتنـزّل فيها الملائكةُ على حُجّةِ اللهِ فوقَ الأرضِ، والذي هوَ الإمامُ المهديّ الحُجّةُ بنُ الحسنِ عجّلَ اللهُ فرجَه.
وعليهِ فإنَّ الأرضَ لا يمكنُ أن تخلو مِن حُجّةٍ، وإنَّ اللهَ تباركَ وتعالى لا يتركُ الأرضَ سُدىً، فهوَ أرحمُ بعبادِه مِن أن يترُكَهُم.
اترك تعليق