لماذا اصحاب الحسين (ع) في معركة الطف عددهم قليل ؟

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله

أولاً : 

هذه سنّةُ الكون ، فأنصارُ الحقّ والحقيقة في كلّ زمان ومكان قليلون ، فالانبياء قد ابتلوا بقلة الأنصار ، تعال لنقرأ بعض الفقرات من سورة نوح لنذرف الدموع يقول : ﴿ قالَ رَبِّ إِنّي دَعَوتُ قَومي لَيلًا وَنَهارًا ۝ فَلَم يَزِدهُم دُعائي إِلّا فِرارًا ۝ وَإِنّي كُلَّما دَعَوتُهُم لِتَغفِرَ لَهُم جَعَلوا أَصابِعَهُم في آذانِهِم وَاستَغشَوا ثِيابَهُم وَأَصَرّوا وَاستَكبَرُوا استِكبارًا ۝ ثُمَّ إِنّي دَعَوتُهُم جِهارًا ۝ ثُمَّ إِنّي أَعلَنتُ لَهُم وَأَسرَرتُ لَهُم إِسرارًا ۝ فَقُلتُ استَغفِروا رَبَّكُم إِنَّهُ كانَ غَفّارًا﴾ [نوح: ٥-١٠]

وكانت النتيجة أنّ الذين صعدوا السفينة معه ناس قليلون .

وهكذا إبراهيم خليل الله لم ينصره أحدٌ حتى ألقى به نمرود الى النار ، وكذلك لوط لم ينصره إلا ناسٌ بعدد أصابع اليد الواحدة .

ثم موسى لم يكن في بداية أمره إلا هو وأخوه ، ثم نهض بوجه فرعون وقلب الأمور عليه ، ولما ذهب لمناجاة ربه ، إرتدت بني إسرائيل وعبدوا العجل ! وبعد أن أصلح الأمور وتوفاه الله ، إنقلبت أمته وأبعدوا وصيّه عن تقلد زمام الأمور ، ولم ينصره الا القليل !

وهكذا بالنسبة إلى عيسى لم ينصره أحد ، حتى رفعه الله إليه  وأنجاه من بطش بني إسرائيل .

ونبيّ الله زكريا لم ينصره أحد حتى هرب منهم ، وقطّعوه بالمنشار في وسط الشجرة !

وكذلك يحيى حتى قطعت رأسهُ وأهديت الى بغيّ من بغايا بني إسرائيل !

وهكذا يستمرّ مسلسل الخذلان والتقاعس إلى أن يصل الى زمان نبينا (صلى الله عليه وآله)

ففي معركة أحد تركهُ الجميع ولم يثبت في المعركة إلا أميرُ المؤمنين (ع) وأبو دجانة الأنصاري !

وكذلك في معركة حنين حيث ابتليَ المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا وتركوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) !

وبعد شهادة النبيّ (صلى الله عليه وآله) أقصوا وصيه عن مقام الإمامة الإلهية والخلافة الربانية ، وأجلسوا مكانهُ رجلاً جاهلاً ، فلم يقم بالنصرة إلا سيدتنا ومولاتنا الزهراء (ع) ، واجتمعوا على خذلان إمام زمانهم الذي بايعوه قبل عدّة أشهر في غدير خم ! 

وهكذا فعلوا بالامام الحسن (ع) حتى انتهى الأمر بأن يصالح معاوية !

إذن : مسلسل خذلان البشرية لأهل الحق لم يكن شيئاً غريباً ، وكذلك خذلان الأمة لأهل بيت نبيها فقد اعتادوا عليها . 

 

ثانياً : 

لعله لأجل أنّ الله كتب لهذه النهضة الخلود ، وليتفاعل معها جميعُ البشر على مرّ الليالي والأيام ، ليكون سبباً لخلاصهم من مآسيهم وانحرافاتهم ، ويكون رجالها قدوة للبشرية في القيم والمبادئ ، احتاجت أن يكون رجالها متميزين وبمستوى عالٍ ورفيع من الصفات النفسانية ، فهذه النهضة تحتاج الى رجالٍ هممُهم عالية كعلوّ النجوم ، وأصحاب عزيمة وإرادة تفلق الصخور ، ويعرفون حقوق أهل بيت نبيهم وإمام زمانهم حقّ المعرفة ، ومستعدون ومتهيؤون وفي أعلى درجات الإستنفار لنصرة إمام زمانهم .

والذين خرجوا مع الإمام من المدينة الى مكة ، ومنها الى كربلاء كان عددهم كبيراً ، ولكن لما علموا  أنّه ذاهب الى الشهادة ، تراجع عدد كبير منهم وتركوه .

فإنّ هذه النهضة لله وللآخرة والدين فحسب ، لا دنيا ولا مال ولا جاه ولا أطماع و لا هوى و لا نفس ولا أنا ، وطريقها غير مزروع بالورود والحرير الدنيوي ، وإنما هو طريق خشنٌ صعب ذو أشواك ، طريق السيف وتطاير الرؤوس .

فمن لم يكن موطناً ومربياً نفسه على ذلك ، فلن يفوز بالنصرة مع إمام زمانه .

ومن المعلوم أنّ طريقاً بهذه المواصفات ، وقضية بتلك الأهمية والخطورة ، تحتاج الى رجال بمواصفات متميزة ، 

وهؤلاء الرجال قليلون في كلّ زمان ومكان .

 

ثالثاً : 

إنّ حاضنته التي هي الكوفة ، والتي جاءتهُ الرسائل منها لإستلام زمام أمورها ، حيث تحرك الإمام الحسين (ع) نحوها إستجابة لطلبهم ، قد حال عبيد الله بن زياد بينهم وبين الإمام الحسين (ع) ، فضربَ على المدينة طوقاً من الحصار لمنع خروج أحدٍ منها ، أو دخول أحد إليها ، وسجن أغلب القيادات الشيعية ، وأحكم طوق السجن عليهم ، وبثّ العيون والجواسيس في كلّ مكان ، ومارس الإرهاب بحقهم ، حيث قتل مسلم بن عقيل ، ووأدَ حركته ، وقتل هاني بن عروة ، وأحكم الطوق على الكوفة .

ثم أرسل جيوشه لمنع دخول الإمام الحسين (ع) الى الكوفة ، ثم توجّه الإمام نحو كربلاء ، وحصل ما حصل هناك .