مالفرق بين الخالقية والالهية ؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قبل الإجابة لابد من بيان مسألة في غاية الأهمية وهي: أن الإيمان بأن الله واحد يعني وحدة حقيقية غير قابلة للكثرة والتركيب، فالله الواحد هو العالم والقادر والخالق والرازق من غير أن تكون هذه الصفات زائدة على الذات، وقدرة الإنسان على معرفة هذه الصفات لا يعني أنّ هذه الصفات قادرة على بيان كنه وحقيقة الذات الإلهية، فالمعنى الذي يجده الإنسان في نفسه لأي صفة من هذه الصفات هو معنى مخلوق ومحدود بقدر سعة الإنسان، وقد جعله الله ليكون وسيلة بين العبد وربه، حيث صرحت روايات أهل البيت (عليهم السلام) بكون الصفات والاسماء مخلوقات فمن عبدها عبد غير الله تعالى، فالله معنى يجده الإنسان في قلبه بما فطر الله عليه العباد من معرفته، وهي المعرفة التي تخرج الله من كل حد ووهم، والأسماء حينئذ تكون دالة على ذلك المعنى المتحقق في الفطرة، فأسماؤه وصفاته تعالى تعبير وتذكير وإرشاد إلى الله القدوس الخارج عن الحدين، الظاهر بذاته بعد مرتبة تعريفه تعالى نفسه للعباد، وليست إيقاعاً على مجهول أو متوهم أو متصور. فعن أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي (ع) فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَخْبِرْنِي عَنِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَهُ أَسْمَاءٌ وَ صِفَاتٌ‌ فِي كِتَابِهِ وَ أَسْمَاؤُهُ وَ صِفَاتُهُ هِيَ هُوَ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (ع) إِنَّ لِهَذَا الْكَلَامِ وَجْهَيْنِ إِنْ كُنْتَ تَقُولُ هِيَ هُوَ أَيْ إِنَّهُ ذُو عَدَدٍ وَكَثْرَةٍ فَتَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَإِنْ كُنْتَ تَقُولُ هَذِهِ الصِّفَاتُ وَالْأَسْمَاءُ لَمْ تَزَلْ فَإِنَّ لَمْ تَزَلْ مُحْتَمِلٌ مَعْنَيَيْنِ فَإِنْ قُلْتَ لَمْ تَزَلْ عِنْدَهُ فِي عِلْمِهِ وَهُوَ مُسْتَحِقُّهَا فَنَعَمْ وَإِنْ كُنْتَ تَقُولُ لَمْ يَزَلْ تَصْوِيرُهَا وَهِجَاؤُهَا وَتَقْطِيعُ حُرُوفِهَا فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ شَيْ‌ءٌ غَيْرُهُ بَلْ كَانَ اللَّهُ وَلَا خَلْقَ ثُمَّ خَلَقَهَا (أي خلق الأسماء والصفات) وَسِيلَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ يَتَضَرَّعُونَ بِهَا إِلَيْهِ وَيَعْبُدُونَهُ وَهِيَ ذِكْرُهُ وَكَانَ اللَّهُ وَلَا ذِكْرَ وَالْمَذْكُورُ بِالذِّكْرِ هُوَ اللَّهُ الْقَدِيمُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَالْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ مَخْلُوقَاتٌ وَالْمَعَانِي وَالْمَعْنِيُّ بِهَا هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِهِ الِاخْتِلَافُ وَلَا الِائْتِلَافُ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ وَيَأْتَلِفُ الْمُتَجَزِّئُ فَلَا يُقَالُ اللَّهُ مُؤْتَلِفٌ وَلَا اللَّهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَلَكِنَّهُ الْقَدِيمُ فِي ذَاتِهِ لِأَنَّ مَا سِوَى الْوَاحِدِ مُتَجَزِّئٌ وَاللَّهُ وَاحِدٌ لَا مُتَجَزِّئٌ وَلَا مُتَوَهَّمٌ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَكُلُّ مُتَجَزِّئٍ أَوْ مُتَوَهَّمٍ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ فَهُوَ مَخْلُوقٌ دَالُّ عَلَى خَالِقٍ لَهُ فَقَوْلُكَ إِنَّ اللَّهَ قَدِيرٌ خَبَّرْتَ أَنَّهُ لَا يُعْجِزُهُ شَيْ‌ءٌ فَنَفَيْتَ بِالْكَلِمَةِ الْعَجْزَ وَجَعَلْتَ الْعَجْزَ سِوَاهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُكَ عَالِمٌ إِنَّمَا نَفَيْتَ بِالْكَلِمَةِ الْجَهْلَ وَجَعَلْتَ الْجَهْلَ سِوَاهُ..) (أصول الكافي، ج1، ص 117- 118)

وعن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ‌ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) عَنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَاشْتِقَاقِهَا اللَّهُ مِمَّا هُوَ مُشْتَقٌّ فَقَالَ يَا هِشَامُ اللَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ إِلَهٍ وَإِلَهٌ يَقْتَضِي مَأْلُوهاً وَالِاسْمُ غَيْرُ الْمُسَمَّى فَمَنْ عَبَدَ الِاسْمَ دُونَ الْمَعْنَى فَقَدْ كَفَرَ وَلَمْ يَعْبُدْ شَيْئاً وَمَنْ عَبَدَ الِاسْمَ وَالْمَعْنَى فَقَدْ أَشْرَكَ وَعَبَدَ اثْنَيْنِ وَمَنْ عَبَدَ الْمَعْنَى دُونَ الِاسْمِ فَذَاكَ التَّوْحِيدُ أَ فَهِمْتَ يَا هِشَامُ قَالَ قُلْتُ زِدْنِي قَالَ لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْماً فَلَوْ كَانَ الِاسْمُ هُوَ الْمُسَمَّى لَكَانَ كُلُّ اسْمٍ مِنْهَا إِلَهاً وَلَكِنَّ اللَّهَ مَعْنًى يُدَلُّ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَكُلُّهَا غَيْرُهُ..) (أصول الكافي ص 114) 

وعن الإمام الرضا (عليه السلام): (ثم وصف نفسه تبارك وتعالى بأسماءَ دعا الخلق إلى أن يدعوه بها، فسمى نفسه سميعاً بصيراً قادراً قاهراً حياً قيوماً...، فكان الله ولا خلق، وقبل أن يخلق الله الخلق، كان غنياً بذاته عارفاً بنفسه، فنفسه هو وهو نفسه، فلا يحتاج إلى اسم ونعت، ولكن خلقها لغيره لكي يعبدوه بها، فهي بالتالي غيره، ومن عبد هذه الأسماء فقد عبد غيره) (أصول الكافي ص 120).

وإذا اتضح ذلك يتضح أن ما يصطلح عليه بتوحيد الخالقية وتوحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وغير ذلك من مصطلحات علم الكلام، إنما وضعت لتقريب المعنى للإنسان ولا تعني أن هناك حقائق متعددة ولكل حقيقة توحيد خاص، فالله حقيقة واحدة غير قابلة للتعدد والكثرة، والله الواحد هو الخالق وهو الرازق وهو المعبود وغير ذلك من الصفات، وعليه بحسب الحقيقة والواقع لا فرق بين الخالقية والألوهية، بوصفها معبرة عن شيء واحد، أما بحسب الاصطلاح والتمييز على مستوى المعرفة الإنسانية، فان الخالقية تعني أنه ليس في صفحة الوجود خالق أصيل غير الله، ولا فاعل مستقل سواه سبحانه، فكل ما في الكون وكل ما يطلق عليه أنه فاعل فهي موجودات غير مستقلة التأثير، وإن كل ما ينسب اليها من الآثار ليس لذوات هذه الأسباب بالاستقلال، وإنما ينتهي تأثير هذه المؤثرات إلى الله سبحانه وتعالى. اما اصطلاح الألوهية فيقصد منه الاسم الذي يدل على الذات، وعندما يطلق هذا المصطلح (الألوهية) يقصدون به العنوان الذي يبحث فيه عن الصفات الإلهية كما هو مبحوث في علم الكلام والعقائد، إلا أن الوهابية لهم دلالة أخرى لهذا المصطلح حيث يقصدون بتوحيد الألوهية صرف العبادة لله تعالى.