هل الإيمان بالمهدي مجرد وهم؟
كيف يمكن اثبات ان قضية الإمام المهدي (عليه السلام) ليست قضية وهمية نتجت في الذهن البشري نتيجة ما عاناه من أنظمة الجور والظلم بدليل عقلي؟؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
قبل الإجابة لابد من الإشارة إلى أن مثل هذه الأسئلة لا تمتلك مبرراً منطقياً من الأساس، وذلك لكون السؤال ليس إلا افتراض اعمى لا يرتكز على أي مبررات تدعمه، فالقول أن قضية المهدي قد تكون قضية وهمية؛ لا يُعد إشكالاً يستحق النقاش مالم تكن هناك شواهد ومبررات تؤكد هذا الادعاء، أو على الأقل تدفع إلى نوع من الشك والتردد، أما الافتراضات التي يرسلها صاحبها في الهواء الطلق لا يمكن ملاحقتها بالنقاش العلمي والموضوعي، والذي يؤكد على انه مجرد افتراض أن الوهم والخيال من الموضوعات ذات الطابع الشخصي فلا وجود لوهم موضوعي يصيب الجميع دفعة واحدة، ولو افترضنا كما يفترض السائل أن الوهم أصاب المسلمين جميعاً بضرورة وجود المهدي حينها يصبح الوهم احد الأدلة العقلائية بوصفه حقيقة مشتركة بين الجميع. وكذلك يمكننا القول إنه لو جاز مثل هذه الافتراض لجاز أيضاً أن نقول إن الذي لا يؤمن بضرورة المخلص لم يكن إيمانه إلا حالة وهمية برزت في ذهنه نتيجة للوضع الجيد الذي يعيشه، وهكذا لا تنتهي الافتراضات فكل افتراض يقابل بافتراض اخر، وبالتالي فأن المسار العلمي يقتضي نقل القضية إلى اطارها الموضوعي من خلال طرح ادلة المثبت والمنفي والمقارنة بينهما، من دون اتهام طرف بانه في حالة من الوهم أو الهلوسة المرضية.
والأمر الذي يمكن تأكيده في هذه العجالة أن عقيدة المهدي من العقائد الراسخة عند المسلمين، والذي يؤكد على كونها من عقائدهم الاصلية توافر النصوص الشرعية التي تؤكد على ظهوره الحتمي، والذي لا يقبل نصوص الإسلام بوصفها حجة ملزمة لا يمكن مناقشته في قضية المهدي مالم يتم مناقشته أولاً حول الإسلام كدين واجب الاتباع عبر نصوصه، ولا يعني هذا أن الايمان بضرورة المخلص مجرد فكرة جاءت بها النصوص وتم فرضها على عقل الإنسان من دون وجود ما يؤكدها من عقل الإنسان وفطرته، فمن المعلوم أن الإنسان مفطور بطبعه على حب الكمال والجمال ويعشق القيم والمثال، كل ذلك يجعله في حالة من التطلع الدائم إلى ذلك اليوم الذي تتحقق فيه العدالة وتبلغ فيه الحياة كمالها الروحي والمادي؛ والسبب في ذلك أن وجود مثل هذا اليوم يمثل قمة ما يحلم به الإنسان ويرجوه، ومن هنا يصبح الإيمان بالمخلص قضية يفرضها التفكير المنطقي الذي يراعي الثوابت اليقينية، والذي يؤكد ذلك هو اهتمام الانساق الفلسفية الكبرى والمشاريع الإصلاحية بذلك اليوم الذي يتحقق فيه التوازن وتعم فيه العدالة، فحتى الفلسفات المادية المهتمة بالشأن السياسي والاجتماعي مثل الماركسية تحدثت عن ذلك اليوم الذي يتوقف فيه الصراع الطبقي وتشيع فيه المساوة بين جميع الطبقات؛ بل يمكننا الجزم بان البشرية بكل مشاربها تنشد اليوم الذي تكون فيه الحياة اكثر سلاماً وامناً وازدهاراً، وهو الامر الذي يفسر سعي الإنسان الحسيس وكفاحه المرير لتحقيق هذه الغاية، فإن كان ذلك مستحيلاً بطبعه لتجمدت الحياة وفقدت قيمتها، وعليه فإن الإيمان بالمخلص هو تعبير عن فطرة الإنسان التي تعشق الكمال، فكما تطلع الإنسان إلى السماء لكي تمده بالأنبياء والرسل فإنه مازال يتطلع إليها لتقيم له العدل، والإنسان الذي يرى نفسه مستغنياً عن عون الله ومدده ليس جاهلاً بالله وحده وإنما جاهلاً بطبيعة الإنسان وحقيقته. وعقيدة المهدي عند المسلمين تأتي في هذا السياق بوصفها بلورة حقيقية وواقعية لتلك الفطرة الإنسانية التي تعشق الكمال وتسعى لتحقيقه.
وبما أن الإسلام كرسالة جاءت من اجل تحقيق كمال الإنسان، لابد أن يكون اليوم الموعود من أوليات اهتمامها، ومن هنا يمكننا أن نتفهم التأكيد الشيعي على قضية الإمام المهدي (عج)، بوصفه المستقبل النهائي لتكاملية المسيرة الإسلامية، إذ كيف يمكن الحديث عن رسالة خاتمة دون الحديث عن مالاتها النهائية، وما تحققه للإنسان في الدنيا قبل الاخرة.
وفي الخلاصة أن فطرة الإنسان المتطلعة نحو الكمال هي التي تجعل الإنسان في حالة من الأمل الدائم بقدوم اليوم الذي يتحقق فيه كمال الإنسان فرداً وحضارة، وعليه يصبح الايمان بضرورة المخلص من الأصول التي يستمدها الإنسان من استعداده الفطري بانتصار الحق وهزيمة الباطل، ولولا ايمان الإنسان بان الانتصار النهائي حليف الحق لما وجد في نفسه الدافع لمواجهة الباطل ومبارزته.
اترك تعليق