ممكن ادله قرانيه تدل على وجوب اتباع الامام علي ع والاعتقاد بالعقيده الشيعية ؟

احدى الاخوات من دولة المغرب طلبت مني ادله قرانيه تدل على وجوب اتباع الامام علي ع والاعتقاد بالعقيده الشيعيه ممكن تساعدوني في هذا المطلب حتى ابين لها الحقيقة اكثر لعلها تهتدي للصواب ؟؟؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

يتطلبُ هذا السّؤالُ بحثاً مطوّلاً أو كتاباً خاصّاً لكثرةِ الأدلّةِ التي يمكنُ طرحُها لإثباتِ إمامةِ الإمامِ عليّ (عليه السّلام) وقد كُتبَت بالفعلِ الكثيرُ منَ الكُتبِ في هذا الشّأنِ، ولذا منَ المُفيدِ أن تُخبري صديقتَكِ بعناوينِ بعضِ الكُتبِ لتتمكّنَ منَ الوقوفِ على الأدلّةِ بشكلٍ مُفصّلٍ، وهيَ بحمدِ اللهِ كثيرةٌ ومُنتشرةٌ في مواقعِ الإنترنِت ممّا يُسهّلُ الحصولَ عليها، وبما أنّنا لا يمكنُ أن نستوعبَ الأدلّةَ في هذهِ العُجالةِ فسوفَ نكتفي بالإشارةِ إلى بعضِ المُلاحظاتِ التي تفيدُ الباحثَ في موضوعِ الخلافِ الشّيعي السّنّي.  

الملاحظةُ الأولى فيما لهُ علاقةٌ بالمنهجِ الإسلامي في التّعاملِ مع القرآنِ وكيفيّةِ الإستفادةِ مِن آياتِه، فبعضُ المُجادلينَ مِن أهلِ السّنّةِ يتعنّتُ في حوارِه معَ الشّيعةِ فيطالبُ بالدّليلِ القُرآنيّ بعيداً عنِ الأحاديثِ النّبويّةِ، وهذا ما لا يمكنُ التّسليمُ بهِ لأنَّ الحُجّةَ الشّرعيّةَ المُلزمةَ للمؤمنِ هيَ ما جاءَ في القرآنِ والسّنّةِ، ومَن يكفُر بالسّنّةِ النّبويّةِ لا نناقشُه في الإمامةِ وإنّما نناقشُه في النّبوّةِ، فمَن لا يُسلّمُ بحُجّيّةِ قولِ النّبيّ وفعلِه وتقريرِه لا يمكنُ أن يُسلّمَ بحُجّيّةٍ للإمامِ. وعليهِ لابُدَّ منَ الإستدلالِ بالآياتِ القُرآنيّةِ بضميمةِ الرّواياتِ النّبويّةِ المُفسّرةِ لها سواءٌ كانَ تفسيراً مُباشراً أو غيرَ مُباشر، ومنَ الواضحِ أنَّ تعنّتَ البعضِ في قبولِ هذا المنهجِ في حوارِه معَ الشّيعةِ لأنّهُ لا يريدُ التّسليمَ للأدلّةِ القطعيّةِ فيهربُ للجدالِ.   

ومثالٌ على علاقةِ القُرآنِ بالأحاديثِ فيما يخصُّ إمامةَ الإمامِ عليّ (عليه السّلام) قولُه تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ) فهذهِ الآيةُ تتحدّثُ عن الولايةِ، والولايةُ تعني مَن له حقُّ التّصرّف، ولم تكتفِ الآيةُ في جعلِ هذا الحقِّ خاصّاً باللهِ والرّسولِ وإنّما جعلَتهُ أيضاً حقّاً لمَن أقامَ الصّلاةَ وآتى الزّكاةَ وهوَ راكعٌ، ولمعرفةِ الشّخصِ المقصودِ لابُدَّ منَ الرّجوعِ إلى الرّواياتِ التي فسّرَت ذلكَ، وحينَها سوفَ نكتشفُ أنَّ الذي أقامَ الصّلاةَ وآتى الزّكاةَ وهوَ راكعٌ هوَ الإمامُ عليّ (عليه السلّام) وبذلكَ نثبتُ الولايةَ له بعدَ ولايةِ اللهِ ورسولِه. وكذلكَ الحالُ في قولِه تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم) حيثُ نجدُ الآيةَ جعلَت حقَّ الطّاعةِ للهِ وللرّسولِ وأولي الأمر، ممّا يعني أنَّ الطّاعةَ لا يمكنُ حصرُها في اللهِ والرّسولِ فقَط كما يزعمُ أهلُ السّنّةِ وإنّما هُناكَ محورٌ ثالثٌ يجبُ على الأمّةِ طاعتُه وهُم ولاةُ الأمرِ، وبالتّدبّرِ في الآيةِ نكتشفُ أنَّ الآيةَ جعلَت معياراً خاصّاً لمعرفةِ المقصودِ بأولي الأمرِ وهو (العصمةُ) لكونِ الآيةِ عطفَت طاعةَ أولي الأمرِ على طاعةِ الرّسولِ، وبما أنَّ طاعةَ الرّسولِ مُطلقةٌ فلابُدَّ أن تكونَ طاعةُ أولي الأمرِ أيضاً مُطلقةً، فيثبتُ بذلكَ عصمتُهم لأنَّ مَن يوجبُ اللهُ طاعتَه على سبيلِ الجزمِ والحتمِ لابُدَّ أن يكونَ معصوماً وإلّا يكونُ اللهُ قَد أمرَنا بالإقتداءِ بمَن تصدرُ منهُ الأخطاءُ والمعاصي وهذا محالٌ، وإذا إتّضحَ هذا الأمرُ يمكنُ الرّجوعُ للآياتِ والرّواياتِ لمعرفةِ مَن يمكنُ أن يكونَ معصوماً بعدَ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله) وحينَها لا نجدُ غيرَ أهلِ البيت (عليهم السّلام) سواء كانَ بدلالةِ آيةِ التّطهيرِ في قولِه تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا) التي فسّرتها الرّواياتُ في أهلِ الكساءِ، أو بدلالةِ حديثِ الثّقلين (إنّي تاركٌ فيكُم ما إن تمسّكتُم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً كتابَ اللهِ وعترتي أهلَ بيتي)، فعدمُ إفتراقِ أهلِ البيتِ عنِ القرآنِ يؤكّدُ عصمتَهُم. وهكذا الحالُ في بقيّةِ الآياتِ الدّالة على إمامةِ الإمامِ عليّ (عليه السّلام) مثلَ آيةِ البلاغِ وغيرِها منَ الآياتِ التي لابُدَّ منَ الرّجوعِ للرّواياتِ والأحاديثِ النّبويّةِ لمعرفةِ تفسيرِها.  

والملاحظةُ الثّانية أنَّ التّسلسلَ المنطقيّ في بحثِ الإمامةِ يجبُ أن يطرحَ السّؤالَ التالي: هلِ الإمامةُ مِن شأنِ الأمّةِ أم مِن شأنِ الرّسالةِ بمعنى أنّها لا تكونُ إلّا بالتّعيينِ والتّنصيبِ؟ فإذا ثبتَ أنَّ الإمامةَ مِن شأنِ الأمّةِ فلا داعي للبحثِ عَن إمامةِ شخصٍ بعينِه، أمّا إذا ثبتَ أنّها ليسَت مِن شأنِ الأمّةِ وإنّما اللهُ ورسولُه هُما مَن يتكفّلانِ بهذا الأمرِ حينَها لا يكونُ البحثُ مُجهِداً لأنّنا لا نجدُ مُنافِساً لأهلِ البيت (عليهم السّلام) بشكلٍ عامٍّ وللإمامِ عليّ (عليه السّلام) بشكلٍ خاصّ، وإنّما كلُّ الأدلّةِ محصورةٌ فيهم دونَ سواهم، ولمناقشةِ هذا الأمرِ

لابُدَّ منَ الوقوفِ على الأدلّةِ العقليّةِ التي تُحتّمُ على صاحبِ الرّسالةِ التّعيينَ والتّنصيبَ بوصفِه الطّريقَ الحصريَّ لحفظِ الرّسالةِ وسلامةِ إستمرارِها، ومِن ثُمَّ ثانياً الوقوفُ على سُنّةِ اللهِ فيما يتعلّقُ بموضوعِ الإمامةِ هَل هوَ مَن يتكفّلُ بتعيينِهم أم يجعلُ أمرَهُم للأمّة؟ ومعرفةُ ذلكَ مِن خلالِ الآياتِ القُرآنيّةِ التي تطرّقَت لموضوعِ الإمامةِ، وسوفَ يقفُ الباحثُ على الكثيرِ منَ الآياتِ التي تُؤكّدُ أنَّ اللهَ هوَ الذي يختارُ ويجعلُ، مثالٌ لذلكَ قوله تعالى: (وَجَعَلنَاهُم أَئِمَّةً يَهدُونَ بِأَمرِنَا وَأَوحَينَا إِلَيهِم فِعلَ الخَيرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) وغير ذلكَ منَ الآيات.

والأمرُ الثّالثُ الذي نستعينُ بهِ في هذا البحثِ هوَ الوقوفُ على سُنّةِ الرّسولِ وكيفَ كانَ لا يقيمُ جماعةً إلّا ويعيّنُ عليهم أميراً، ولا يتركُ المدينةَ بعدَه إلّا ويجعلُ عليها خليفةً، ولا يرسلُ جيشاً إلّا يجعلُ على رأسِه قائِداً وهكذا، والأمرُ الرّابعُ هوَ الوقوفُ على أحاديثِ الرّسولِ وهَل فيها ما يُصرّحُ أو يُشيرُ إلى أنّهُ عيّنَ الخليفةَ مِن بعدِه أم لا؟ وسوفَ يقفُ الباحثُ على الكثيرِ منَ الأحاديثِ التي عيّنَ فيها الرّسولُ (صلّى اللهُ عليه وآله) الإمامَ عليّ وجعلَه وصيّاً مِن بعدِه مثلَ الحديثِ المُتواترِ بينَ الفريقين (مَن كنتُ مولاهُ فهذا عليّ بنُ أبي طالب مولاه) وغير ذلكَ منَ الأحاديث. وعلى هذا النّحوِ يمكنُ إثباتُ كونِ الإمامةِ شأناً للرّسالةِ وليسَت مِن شؤونِ عامّةِ النّاس. وفي المُقابلِ يمكنُ أيضاً مُناقشة ما يحتجُّ بهِ الطّرفُ الآخرُ مِن كونِ أمرِ الإمامةِ شورى بينَ المؤمنين، وهناكَ بحوثٌ مُتعدّدةٌ أبطلَت ذلكَ وبوجوهٍ مُتعدّدةٍ يمكنُ مراجعتُها.