هل العلمانية تعمل على سد ثغرة في الفكر الإسلامي؟
– يقول بعض العلمانيين أنكم لا تفهمون العلمانية. فالعلمانية جاءت لتدافع عن الدين، وتعطي كل الأفراد الحق في ممارسة عقائدهم وفي قول ما يشاءون وجاءت العلمانية بعد أن حدث ظلم من أهل الكنيسة لأهل العلم المادي وحصول مذابح في أوروبا بين الطوائف المسيحية ويضاف إلى هذا أن العلمانية تساوي بين المواطنين ولا تفرق بينهم على أساس دين أو عرق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
إذا افترضنا أن الأفكار تتم مناقشتها وفقاً لأهدافها النظرية، ولا يؤخذ في الحسبان النماذج التطبيقية، فبالإمكان القول أن العلمانية في اطارها النظري لا تستهدف الدين ولا تسعى للتخلص منه، وإنما فقط تهدف إلى عزله عن مركز القرار والتأثير السياسي والاجتماعي، وكما اشرنا في رد سابق أن هذا المقدار يعد تدخلاً سافراً لكونه يعمل على تحجيم الدين وحصره في حدود التجربة الفردية، إلا أننا سوف نغض الطرف عن هذه الزاوية من اجل توجيه الحديث إلى زاوية أخرى، وهي أن التقييم النظري للأفكار ليس حكراً على العلمانية، فالإسلام أيضاً على مستوى الأفكار والمبادي العامة يهدف أيضاً إلى تساوي الفرص والحقوق أمام الجميع، والنصوص الإسلامية المعبرة عن المبادئ الإسلامية مجمعة على حرمة مصادرة الحريات الفكرية والعقائدية، ويكفي في هذا المقام قوله تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) وبالتالي على المستوى النظري والفكري لا يمكن للعلمانية المزايدة على الإسلام، ولا يمكنها أن تسوق نفسها بوصفها شحنة فكرية وثقافية مكملة للإسلام، فالإسلام على مستوى المبادئ والنصوص لا تنقصه مثل هذه الارشادات، صحيح على المستوى العملي لا يمكن أن نتجاهل الواقع السياسي المزري في المنطقة الإسلامية، إلا أن تحميل ذلك للإسلام فيه تحامل غير مبرر طالما الإسلام يحرم كل تلك الممارسات، ومن هنا نحن لسنا في حاجة إلى فكرة جديدة تأتي من الخارج وإنما في حوجه ماسة لتفعيل الإسلام من جديد من خلال الاقتراب من النصوص وفهمها بعيداً عن العقد النفسية التي شلت قدراتنا الفكرية، فنحن في أمس الحاجة إلى مقاربة الإسلام من زاوية القيم الأساسية التي يسعى الإسلام لتأكيدها وتجذيرها في الواقع الإنساني، فالإسلام على مستوى القيم يحتفظ بمنظومة قيمية متكاملة يمكنها أن تنتشل الواقع الإسلامي من الانحطاط الذي يعانيه، والخطاب الإسلامي الذي يجب تفعيله عاجلاً هو في ما له علاقة بالحريات وتساوي الفرص والحقوق، والنصوص الإسلامية ذاخرة بهذه التوصيات.
وفي الختام يمكننا التأكيد على أن العلمانية على المستوى النظري لا تقدم إضافة للفكر الإسلامي الذي يكفل الحريات للجميع، أما على مستوى الواقع العملي وما تشهده الساحة الإسلامية من انقسامات طائفية تعمل على حرمان الأقليات من ممارسة شعائرها الدينية، وفي ظل أنظمة سياسية قمعية تسخر كل الخلافات المذهبية من اجل خدمة مصالحها السلطوية، يمكن القول إن النظام السياسي العلماني القائم على المواطنة يمكن أن يكون مساهماً في تساوي الفرص للجميع.
اترك تعليق