هل الإسلامُ هوَ سببُ تخلّفِ العالمِ الإسلامي؟
هل كان الإسلام السّبب في تخلّف العالم الإسلامي مِثلما يُفتي جونسون توأم ترامب المُرشّح الأبرز لزعامة بريطانيا؟ ولماذا نعتقد أنّنا نُواجه تحالفًا عُنصريًّا شعوبيًّا لا يقِل خُطورةً عن الأيديولوجيّات الفاشيّة والنازيّة؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
تعرّضنا في إجاباتٍ سابقةٍ لمثلِ هذه الأسئلة، وحاولنا معالجةَ هذهِ الشّبهة مِن عدّةِ زوايا، ومنَ الواضحِ أنَّ هناكَ خلفيّاتٍ مُتعددةٍ لهذا السّؤالِ معظمُها ذاتُ خلفيّةٍ سياسيّةٍ تعكسُ نوعاً منَ الصّراعِ بينَ الأحزابِ الدينيّةِ وغير الدينية. والسّؤالُ المطروحُ هُنا على لسانِ بوريس جونسون رئيسِ وزراءِ بريطانيا يؤكّدُ مثلَ هذهِ الخلفيّة، وقد زعمَ جونسون في مقالٍ كتبَه عام 2007م، أنَّ الإسلامَ هوَ سببُ تخلّفِ العالمِ الإسلاميّ، ولهذا السببِ فلن ترى الديمقراطيّةُ فيهِ النّور، وقد تعرّضَ للإنتقادِ بسببِ هذه المقولةِ مِن عدّةِ جهاتٍ، منها منظّمةُ "تيل ماما"، التي ترصدُ جرائمَ الكراهيةِ للدّين، حيثُ عبّرَت عنِ المقالِ بقولِها: إنَّ المقالَ إشكاليٌّ وغيرُ مريحٍ، وأظهرَ قلّةَ فهمٍ للدّينِ الإسلامي. وعبّرَ المجلسُ الإسلاميُّ البريطاني بقولِه: إنَّ الكثيرَ منَ النّاسِ الذينَ يرغبونَ في رؤيةِ جونسون رئيسَ الوزراءِ المُقبلَ يريدونَ معرفةَ ما إذا كانَ لا يزالُ على إعتقادِه بأنَّ "الإسلامَ في أصلِه يعرقلُ طريقَ الحريّةِ والتقدّم". وقد أشارَت صحيفةُ الغارديان بأنَّ جونسون أتّهِمَ باستخدامِ التّحريضِ السياسيّ، عندَما كتبَ في صحيفةِ "ديلي تلغراف" مقالاً، شبّهَ فيهِ مرتدياتِ النّقابِ بـ"صندوقِ البريد" و"سارقاتِ البنوك".
ويتّضحُ مِن ذلكَ أنَّ المسارَ الذي طُرحَ فيهِ هذا الإشكالُ ليسَ مساراً علميّاً أكاديميّاً وإنّما مساراً تحرّكُه أجندةٌ سياسيّة، ومنَ المعروفِ أنَّ التبايناتِ السياسيّة تميلُ في العادةِ نحوَ الصّراعاتِ غير النزيهةٍ؛ وذلكَ لكونِها لا تبحثُ عنِ الحقيقةِ الموضوعيّةِ بقدرِ ما تبحثُ عن تحقيقِ إنتصاراتٍ على الخصومِ السياسيّينَ، ومِن هُنا لا يمكنُ معالجةُ المقولاتِ السياسيّةِ بطريقةٍ اكاديميّةٍ، لكونِها مقولاتٍ تتحرّكُ ضمنَ أجواءٍ مثقلةٍ بالذاتيّة.
ومعَ كلِّ ذلكَ سوفَ نعملُ على معالجةِ الإشكالِ ضمنَ المسارِ العلميّ بعيداً عن المواقِف السياسيّةِ والحزبيّة. وقبلَ ذلكَ لابدَّ منَ التّأكيدِ على الأزمةِ التي تُعاني منها البلدانُ الإسلاميّة، فوصفُ الواقعِ بالرجعيّةِ والتخلّفِ يمثّلُ الخطوةَ الأولى للإعترافِ بوجودِ إشكاليّةٍ حقيقيّة، ومِن ثمَّ تأتي الخطوةُ الثّانيةُ التي تبحثُ عَن أسبابِ التخلّفِ، وهنا تظهرُ عدّةُ فرضيّاتٍ مِن بينِها فرضيّةُ أنَّ الإسلامَ هوَ المسؤولُ عن هذا التخلّفِ، وهيَ منَ الفرضيّاتِ الرائجةِ التي تعرّضَ لها مجموعةٌ منَ الباحثين، ويمكنُنا حصرُ الآراءِ في هذهِ المسألةِ بشكلٍ عام في ثلاثة إتّجاهات:
الإتّجاهُ الأوّلُ: الذي يرى أنَّ الإبتعادَ عنِ الدّينِ هو المسؤولُ عن تخلّفِ الأمّةِ الإسلاميّة وليسَ العكس، فالأزمةُ في نظرِ هذا التوجّهِ ليسَت في تطبيقِ الدينِ والعملِ به وإنّما في الإبتعادِ عنه، ويستندُ هذا التوجّهُ على عشراتِ النّصوصِ التي تبرّئُ الإسلامَ منَ المواقفِ السلبيّةِ للمُسلمينَ، كما تستندُ على عشراتِ الشّواهدِ التي تؤكّدُ إبتعادَ المُسلمينَ عن قيمِ الإسلامِ وتوجيهاتِه، وبالتّالي الإشكاليّةُ لها علاقةٌ بالمُسلمينَ وليسَت بالإسلامِ كدينٍ يعتبرُ العلمَ والعملَ منَ العبادةِ، وقد وضّحَت ذلكَ عشراتُ الكتبِ والدّراسات.
ويقتربُ هذا التوجّهُ معَ توجّهٍ آخرَ يرى أنَّ الفهمَ الخاطئَ والمشوّهَ للدّينِ هوَ المسؤولُ عَن هذا الواقعِ المُتخلّفِ، وعليهِ فإنَّ الدّينَ لم يكُن سبباً في تخلّفِ الأمّةِ الإسلاميّة وإنّما الأمّةُ بتخلّفها هيَ المسؤولةُ عن الفهمِ المتخلّفِ للدّين. والمخرجُ في نظرِ هذا التوجّهِ هوَ تصحيحُ الفهمِ الخاطئ وإعادةُ قراءةِ الإسلامِ بعيداً عَن إسقاطاتِ الواقعِ المُتخلّف. وعليهِ فإنَّ الإسلامَ لا ينفصلُ عنِ السّعي الحثيثِ لإعمارِ الدّنيا وتوفيرِ كلِّ سبلِ الحياةِ السّعيدة، وإذا تخلّى المسلمُ عَن هذهِ المهمّةِ لا يعني أنَّ الإسلامَ هوَ المسؤول طالما لم يأمُر بذلكَ، فكلُّ المظاهرِ السلبيّةِ في حياةِ المُسلمينَ تمثّلُ مظهراً مِن مظاهر الإبتعادِ عنِ الدّينِ والتخلّي عَن توصياتِه الحياتيّة، فالفقرُ والمرضُ والحاجةُ والتخلّفُ كلّها مظاهرُ مرفوضةٌ إسلاميّاً، والإنسانُ بجهلِه هوَ المسؤولُ الوحيدُ عن الوضعِ المُزري الذي يعيشُه، ومِن هُنا لا يمكنُ التّسليمُ لمقولةِ أنَّ الإسلامَ هوَ المسؤولُ عن الواقعِ المُتخلّفِ للإنسانِ المُسلم.
الإتّجاهُ الثّاني: وهَو الإتّجاهُ الذي يحمّلُ الإسلامَ مسؤوليّةَ ذلكَ التخلّف، وهوَ إتّجاهٌ متطرّفٌ في تقييمِه للأديانِ بشكلٍ عام، حيثُ لا يقفُ عندَ حدودِ مناقشةِ الدّورِ السياسيّ والإجتماعيّ للأديانِ وإنّما يتعدّى ذلكَ لإنكارِ الربوبيّةِ والنبوّة والمعاد، كما أنّهُ لا يعترفُ منَ الأساسِ بوجودِ أيّ رسالةٍ سماويّةٍ تعملُ على توجيهِ الإنسانِ وإرشادِه. وبذلكَ نفهمُ الموقفَ العدائيَّ للإسلامِ مِن هذهِ التوجّهاتِ بوصفِها تتموضعُ في الإتّجاهِ المعاكسِ له، وعندَ هذه النّقطةِ يجبُ أن يتحوّلَ مسارُ الحوارِ مِن مناقشةِ الدّورِ السياسيّ والإجتماعيّ للإسلامِ إلى مناقشةِ الأسسِ المعرفيّةِ والفلسفيّةِ التي يجبُ أن يكونَ عليها الإنسان.
الإتّجاهُ الثالث: وهوَ الإتّجاهُ الذي يرى بأنَّ الدّينَ مسألةٌ شخصيّةٌ لا علاقةَ لها بالسياسةِ، وبالتّالي يصبحُ خلطُ الدّينِ بالسياسةِ هوَ المسؤول عَن هذا التخلّفِ، والحلُّ المُقترحُ ضمنَ هذا التصوّرِ هوَ فصلُ الدّينِ عن الدّولةِ، وهو الخيارُ العلمانيُّ الذي يعملُ على إستبعادِ الدّينِ عن الساحةِ السياسيّة والإجتماعيّة.
وقد بيّنّا في إجاباتٍ سابقةٍ بأنَّ الإسلامَ ليسَ مجرّدَ سلطةٍ روحيّةٍ تتوقّفُ عندَ حدودِ التجربةِ الوجدانيّةِ للفردِ، وإنّما هوَ نظامٌ لهُ رؤيتُه الحضاريّةُ الخاصّةُ فيما يتعلّقُ بالإنسانِ والمُجتمعِ، وبالتّالي ليسَ منَ العدلِ والإنصافِ مُطالبتُه بالتّنازلِ عَن ذلكَ لصالحِ العلمانيّةِ، طالما بالإمكانِ تقديمُ قراءةٍ تنطلقُ منَ القيمِ الإسلاميّة وفي نفسِ الوقتِ تحقّقُ كلَّ شروطِ النّهضةِ والتقدّم.
أمّا الأدوارُ السلبيّةُ التي تمارسُها الحضارةُ الغربيّةُ فيما يتعلّقُ بالدّولِ العربيّةِ والإسلاميّة، فتشهدُ عليها الحملاتُ الصليبيّةُ والإستعمارُ الذي إستنزفَ خيراتِ المنطقةِ، وقد باتَ هذا الدورُ واضحاً تنقلُه وسائلُ الإعلامِ على مدارِ السّاعة.
اترك تعليق