ما مدى صحّة القولِ بأنَّ القصصَ القرآنيّةَ مأخوذةٌ منَ الكُتبِ السّابقةِ عليهِ كالتّوراةِ والإنجيلِ، وأنَّ النبيَّ (ص) تعلّمها منَ اليهودِ والنّصارى أثناءَ سفرِه للتّجارة؟
السّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاته، إنَّ القولَ بأنَّ القصصَ القرآنيّةَ مأخوذةٌ منَ الكُتبِ السّابقةِ عليهِ، وأنَّ النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وآله تعلّمَهُ منَ اليهودِ والنّصارى أثناءَ سفرِه للتّجارةِ، قولٌ ساذجٌ وسخيفٌ جدّاً، وهوَ واضحُ البُطلانِ لكلّ مُنصفٍ مُطّلعٍ على الإسلام. أوّلاً: إنّ هذا الكلامَ مجرّدُ دعوى لا دليلَ عليها ولا شاهد، ومنَ الواضحِ أنّ رميَ الكلامِ على عواهنِه والإعتمادَ على الخيالاتِ والأوهامِ لا يفيدُ في البحثِ العلميّ. ثانياً: إنّ المصدرَ لهذهِ القصصِ في الكتبِ السّماويّةِ واحدٌ، وهوَ اللهُ تعالى، فمنَ الطبيعيّ أن تتشابهَ القصصُ في بعضِ أجزائِها، فالكتبُ السماويّةُ الثلاثةُ مأخوذةٌ مِن مصدرٍ واحدٍ وهوَ اللهُ تعالى، لا أنّ بعضَها أخذَت مِن بعض. ثالثاً: إنَّ القصصَ القرآنيّةَ تختلفُ في كثيرٍ مِن جُزئيّاتِها معَ القصصِ المذكورةِ في التوراةِ والإنجيلِ، فالواردُ في القرآنِ: {وقُلنا يا آدمُ اسكُن أنتَ وزوجُكَ الجنّةَ} الظّاهرةُ بأنَّ اللهَ تعالى خلقَ حوّاءَ قبلَ الدّخولِ في الجنّةِ، بينما الواردُ في [سفرِ التّكوين/2] أنّ اللهَ خلقها بعدَ دخولِ الجنّةِ، إلى غيرِ ذلكَ منَ الإختلافات. فلو كانَ مصدرُ القصصِ في القرآنِ هوَ التّوراةُ والإنجيلُ لما كانَ هناكَ إختلافٌ في كلِّ هذهِ التّفاصيل. رابعاً: إنّ كثيراً منَ التفاصيلِ الواردةِ في القصصِ، بل أصلُ قصصِ بعضِ الأنبياءِ عليهم السّلام ـ كما في قصّةِ هودٍ وصالحٍ وشعيبٍ عليهم السّلام ـ لم ترِد في التوراةِ والإنجيلِ أصلاً، فكيفَ يتعقّلُ أن يكونَ المصدرُ خلوّاً عنها إن كانَت هيَ الأصل؟! خامساً: إنَّ القرآنَ الكريمَ ردَّ في مواضعَ كثيرةٍ على اليهودِ والنّصارى، كما في قولِه تعالى: {وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغلُولَةٌ غُلَّت أَيدِيهِم وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَل يَدَاهُ مَبسُوطَتَانِ}، وغيرِ ذلكَ.. فكيفَ يمكنُ دعوى مصدريّتِهم له؟! كما أنّ النبيّ الأكرمَ صلّى اللهُ عليهِ وآله نصَّ في مواردَ كثيرةٍ على مُخالفتِه أهلَ الكتابِ في أحكامِهم العقائديّةِ والفقهيّةِ، فكيفَ يكونونَ مصدراً له؟! سادساً: إنّ القولَ بتعلّمِ النبيّ الأعظمِ صلّى اللهُ عليهِ وآله منَ اليهودِ والنّصارى في سفرِ التجارةِ واضحِ الغلطِ والشّططِ؛ فإنّ التّاريخَ لم يذكُر للنّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله سِوى سفرتينِ إلى الشّامِ للتّجارةِ، مرّةً في طفولتِه ومرّةً في شبابِه، ولم يكُن أمرُه سرّاً هناكَ، بل كانَ برفقةِ جماعةٍ، والتواريخُ تعرّضَت لتفاصيلِ الرّحلتينِ، وليسَ بها شيءٌ مِن هذهِ الدّعوى المزعومة. سابعاً: لو كانَ النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآله تعلّمَ منَ اليهودِ والنّصارى لتمسّكوا بها في النّقصِ على نبوّتِه ورسالتِه، ولأشكلوا بها عليهِ بأنّهُ تعلّمَها منهُم فكيفَ يدّعي النّبوّةَ والرّسالةَ؟! بينَما لم ينقُل لنا التّاريخُ شيئاً مِن ذلكَ، معَ أنّهم كانوا مِن أحرصِ النّاسِ على تكذيبِه وإحباطِ دعوتِه بأيّةِ وسيلة. وإلى غيرِ ذلكَ منَ الوجوهِ، فإنّ هذهِ الشّبهةَ بمكانٍ منَ السّخافةِ والسّذاجةِ، وهيَ مُستقاةٌ منَ الخيالِ والوهمِ، لا العلمِ والمعرفةِ. ويستحسنُ مراجعةُ ما كتبَه بعضُ الباحثينَ بعنوانِ: (القصصُ القرآنيّ في مرآةِ المُستشرقينَ، دراسةٌ نقديّة). والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
اترك تعليق