هل أصبحَ الإسلامُ ضعيفاً أمام تحدّيات الإلحاد وإثاراتهِ العلمية؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الإلحادُ حلقةٌ ضعيفةٌ في مقابلِ الأديانِ عامّةً والإسلام خاصّةً، ولم يكُن للإلحادِ أيُّ دورٍ منافسٍ للأديانِ في طولِ التّاريخِ الإنسانيّ، بعكسِ ما كانَت عليهِ حالُ الأديانِ التي وُجدَت بوجودِ الإنسانِ، وكلُّ ما يمكنُ رصدُه هوَ بعضُ المحطّاتِ التاريخيّةِ التي إشتغلَ فيها العقلُ الإنسانيُّ بالإلحادِ، نتيجةَ ظروفٍ وتّرَتِ العلاقةَ بينَ الإنسانِ وبينَ الأديانِ، ومثالُ ذلكَ ما حدثَ في عصرِ النّهضةِ الأوربيّةِ وبروزِ الإلحادِ كخطٍّ مقاومٍ للكنيسةِ، وكذلكَ بعضُ الأصواتِ النشازِ التي بدأت بالظّهورِ في الوقتِ الحالي بسببِ الإنتكاساتِ التي تعرّضَ لها المشروعُ الإسلاميُّ المُعاصرِ، وما عدا ذلكَ فإنَّ الحالةَ التي كانَت مُهيمنةً على تاريخِ الإنسانِ هيَ الحضورُ الفاعلُ للأديانِ، والدراساتُ التاريخيّةُ ذاخرةٌ بالشّواهدِ التي تثبتُ إرتباطَ الإنسانِ الدّائمِ بالأديان. يقولُ عبدُ اللهِ بنُ سعيدٍ الشّهري: "لأنَّ الإلحادَ حالةٌ إدراكيّةٌ لم تتمتّع بأيّ رسوخٍ نوعيٍّ في الوعي الجمعيّ الإنسانيّ؛ فهيَ حالة تعاودُ الظهورَ كزعانفِ سمكِ القرشِ وسطَ بحرِ الدينِ الهادر. دعونا نستفتي الواقعَ، فنسألُ: لو كنّا حقًّاً أبناءَ الطبيعةِ الخُلَّصَ، وأحفادَ الكونِ الشرعيّينَ، المُنحدرينَ مِن صُلبِه، هل كانَ سيفتقرُ خيارُ الإلحادِ إلى مكابدةٍ أم كانَ سيكونُ فطرةً؟ وهل كنّا سنجدُ في طردِ فكرةِ الإيمانِ أدنى عناء أم كانَ سيكونُ سليقة؟" 1  

ففي بعضِ الأوقاتِ التاريخيّةِ كانَ الإلحادُ نقاشاً فلسفيّاً محدوداً في بعضِ الدوائرِ الأكاديميّةِ، وفي أوقاتٍ أخرى أصبحَ الإلحادُ معبّراً عن موقفٍ سياسيٍّ معارضٍ للسّلطةِ الدينيّةِ المُتمثّلةِ في الكنيسةِ، وفي عصرِ الماركسيّةِ أصبحَ مشروعاً يؤسّسُ لأنظمةٍ إشتراكيّةٍ ومِن ثمَّ شيوعيّةٍ، ولم يمثِّل الإلحادُ موقفاً علميّاً في كلِّ محطّاتِه التاريخيّة. أمّا الإلحادُ الجديدُ وبخاصّةٍ في عالمنا العربيّ والإسلامي - وبحسبِ ما يُثارُ في وسائلِ التواصلِ الإجتماعيّ - يتدخّلُ وبشكلٍ سلبيٍّ في كلِّ شيءٍ إجتماعيّاً، ودينيّاً، وسياسيّاً، وثقافيّاً، أي بمعنى أنّهُ لا يقدّمُ معالجاتٍ فعليّة لأزماتِ الواقعِ وإنّما يمتهنُ النّقدَ والإعتراضَ على كلِّ ما هوَ متاحٌ وموجودٌ، فهوَ صوتٌ مُتمرّدٌ أكثرَ مِن كونِه ظاهرةً ثقافيّةً ترتكزُ على رؤيةٍ معرفيّةٍ واضحةٍ، وبالتّالي لا يمتلكُ هذا التوجّهُ خطاباً خاصّاً تمَّ إبداعُه وإنتاجُه في السّاحةِ العربيّةِ، وإنّما يعتمدُ بشكلٍ كبيرٍ على الإلحادِ الغربيّ فيما أنتجَهُ مِن كتبٍ ومجلّاتٍ وبرامجَ وثائقيّة. فالإلحادُ في الوطنِ العربيّ لم يتحوَّل إلى ظاهرةٍ واضحةٍ في السّطحِ، ولذا منَ الصّعبِ القولُ بوجودِ خطابٍ إلحادي مكتملٍ يعبّرُ عَن مرحلةٍ تاريخيّةٍ خاصّةٍ بالمُلحدينَ العربِ، وإعتمادُ هذا التيّاِر على الخطابِ المُنجزِ في الغربِ يعبّرُ عن عدمِ نضجٍ لهذا التوجّهِ، وكلُّ ما يمكنُ أن يحصلَ عليهِ الباحثُ هو مساهماتٌ متواضعةٌ وخجولةٌ لم تتجاوزَ وسائلَ التواصلِ الإجتماعيّ كوسيلةِ تعبيرٍ متاحةٍ للجميع.  

أمّا كلامُه عن التحدّي العلميّ وإحراجِ الدّينِ بما يطرحُه الإلحادُ فهوَ كلامٌ سطحيٌّ ينمُّ عن جهلٍ كبيرٍ بالدّينِ والعلمِ معاً، فقد أكّدنا في ردودٍ سابقةٍ بأنَّ العلميّة التجريبيّةَ، والوضعيّةَ الطبيعيّة، لا تقعُ في نفسِ الخطِّ الذي تسيرُ فيهِ الضّرورةُ الدينيّةُ، فالبحثُ عن القوانينِ الطبيعيّةِ وربطُ الظواهرِ بأسبابِها المُباشرةِ لا يُغني الإنسانَ عنِ الإرتباطِ بالغيبِ والبحثِ عن المُطلقِ، فتفاعلُ الإنسانِ معَ عالمِ المادّةِ وتسخيرُها ضمنَ شروطِها الطبيعيّةِ يعدُّ خطوةً ضروريّة للتّكاملِ الماديّ للإنسانِ، أمّا تكامله الرّوحيُّ وعروجُه إلى  المعاني السّاميةِ والقيمِ الكليّةِ لا يكونُ إلّا بانفتاحِه على الغيبِ، فلا التجربةُ الماديّةُ تحقّقُ للإنسانِ ما يصبو لهُ روحيّاً، ولا الغيبُ والتأمّلُ في المُطلقِ يُحقّقُ له ما يحتاجُه ماديّاً، وعليهِ يصبحُ الإنسانُ في حاجةٍ دائمةٍ للعلمِ وللدّينِ ولا تعارضَ بينَهما كما أكّدنا في ردودٍ سابقة.   

 1 - ثلاثُ رسائلَ في الإلحادِ والعلمِ والإيمان، عبدُ الله بنُ سعيدٍ الشهري، مركزُ نما للبحوثِ والدّراسات، الطبعةُ الأولى بيروت 2014، ص 14