هل مسألةُ الإلهِ هي من الظنّ أو اليقينِ، وكيفَ ذلك؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا السّؤالُ قد يُفهمُ على نحوين الأوّلُ: على نحو الثّبوتِ، بمعنى أنّهُ يسألُ عنِ الشّيءِ في ذاتِه وبحسبِ تعبيرِه (مسألةُ الإلهِ) وإذا أعدنا تركيبَ السّؤالِ يكونُ على هذا النّحو: هل إمكانيّةُ وجودِ إلهٍ لهذا الكونِ ظنّيّةٌ أم يقينيّة؟ وهنا السّائلُ لا يُسألُ عن نوعِ معرفةِ الإنسانِ بذلكَ الإله، وإنّما يُسألُ عَن أصلِ الفرضيّةِ وإمكانيّةِ الوجودِ، فلو كانَ اللهُ حقيقةً يقينيّةً ثمَّ جهلَ بوجودِه جميعُ البشرِ لا يغيّرُ مِن واقعِ حالِه شيءٌ، قالَ تعالى: {أَنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ}(النّور: 25)
والنّحو الثاني: يسألُ عن تكليفِ الإنسانِ في تحصيلِ معرفتِه باللهِ هل يكفي فيها مجرّدُ حدوثِ الظنِّ بوجودِه؟ أم لابدَّ منَ البحثِ الذي يوصلُه إلى مرحلةِ اليقين؟
مع أنَّ صيغةَ السّؤالِ تميلُ إلى النّحوِ الأوّلِ إلّا أنّنا نستبعدُ أن يكونَ هذا مرادُه، وذلكَ لأنَّ إمكانيّةَ وجودِ إلهٍ للكونِ لا تُبحثُ ضمنَ عناوينِ الظنِّ واليقينِ وإنّما تُبحثُ ضمنَ عناوين الإستحالةِ والإمكانيّة.
وبحسبِ المعنى الثّاني للسّؤالِ يمكنُنا أن نقولَ: إنَّ الإنسانَ مكلّفٌ بتحصيلِ اليقينِ بوجودِه تعالى، بل يجبُ على الإنسانِ تحصيلُ اليقينِ في كلِّ ما يوجبُ الإيمانَ والإعتقادَ، أمّا الظّنونُ فلا تُغني عنِ الحقِّ شيئاً وبخاصّةٍ في بابِ الإيمانِ والإعتقادِ، وقد جاءَ الظنُّ في القرآنِ الكريم مذموماً وذلكَ مثلُ قولِه تعالى: (وَمَا يَتَّبِعُ أَكثَرُهُم إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغنِي مِنَ الحَقِّ شَيئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفعَلُونَ) (36 يونس). فإذا كانَ الظنُّ لا يُغني عن الحقِّ شيئاً، فكيفَ يمكنُ أن يصبحَ الظنُّ طريقاً لمعرفةِ اللهِ تعالى؟ بل نجدُ آياتٍ أخرى جعلَت الظنَّ على نقيضِ العلمِ، مثلَ قوله تعالى: (وَمَا لَهُم بِهِ مِن عِلمٍ ۖ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغنِي مِنَ الحَقِّ شَيئًا) (28 النّجمُ). حيثُ نفى عنهم العلمَ ثمَّ أثبتَ لهم الظنَّ ممّا يعني أنَّ الظنَّ في مقابلِ العلمِ، وعدمِ إجتماعِ الظنِّ معَ العلمِ لكونِ كلِّ واحدٍ منهما له مصدرٌ يختلفُ عنِ الآخر، والظنونُ في منطقِ القرآنِ ليسَت إلّا تخرّصاتٌ نفسيّة لا علاقةَ لها بالعلمِ أو بالعقلِ، قالَ تعالى: (وَإِن تُطِع أَكثَرَ مَن فِي الأَرضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِن هُم إِلَّا يَخرُصُونَ) (116 الأنعام).
وبذلكَ تكونُ النّفسُ هيَ المسؤولة عنِ الظنونِ بما فيها مِن أهواءٍ وشهواتٍ ورغبات، والذينَ يتّبعونَ الظنَّ هُم الذينَ يتّبعونَ أهواءَ النّفسِ، قالَ تعالى: (فَإِن لَّم يَستَجِيبُوا لَكَ فَاعلَم أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهوَاءَهُم ۚ وَمَن أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ) (50 القصص). فقد نصَّت هذهِ الآيةُ على أنَّ عدمَ إستجابتِهم للرّسولِ كانَت بسببِ إتّباعِ الهوى، وفي نفسِ الوقتِ نصَّت آياتٌ أخرى على أنَّ عدمَ الإستجابةِ كانَ بسببِ إتّباعِ الظنِّ، قالَ تعالى: (إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِن هُم إِلَّا يَخرُصُونَ). فالظنُّ هوَ ما تهوى الأنفسُ وليسَ شيئاً آخرَ غيرَه.
أمّا كيفَ يتمُّ تحصيلُ اليقينِ؟ فهذا موكولٌ لجهدِ الإنسانِ ومدى إصرارِه على البحثِ والمُثابرةِ، والمهمُّ في الأمرِ هو أنَّ اليقينَ لا يحصلُ إلّا بالعلمِ، والعلمُ لا يحصلُ للإنسانِ إلّا مِن خلالِ أدواتِه الخاصّةِ القائمةِ على المناهج العلميّةِ والبراهينِ المنطقيّة، مضافاً إلى أنَّ معرفةَ اللهِ لها خصوصيّة خاصّةٌ وهيَ أنَّ اللهَ موجودٌ في فطرةِ كلِّ إنسانٍ ولكي يرى الإنسانُ ربَّه متجلّياً في فطرتِه لابدَّ له مِن تزكيةِ نفسِه وتربيتِها وتهذيبِها. فكلّما تقرّبَ الإنسانُ إلى ربِّه بالعبادةِ كلّما إزدادَ اليقينُ في قلبه.
اترك تعليق