أرجو الإجابةَ عن كثرةِ الأحاديثِ الموضوعةِ في كتبِ أهلِ السنّةِ والجماعة التي تحثُّ على فضلِ صيامِ يومِ عاشوراء ، وبيانِ عدمِ صحّتِها؟
السّلام عليكم ورحمة الله،
إنّ مَن يتتبّعُ التأريخَ الإسلاميّ قديماً وحديثاً يُلاحظُ أنّ هناكَ جماعاتٍ معروفةً بعدائِها لأهلِ البيتِ ( عليهم السّلام ) كانَت ولا تزالُ تحاولُ إظهارَ يومِ عاشوراء بوجهٍ آخر غيرِ الذي هوَ عليه في أكثرِ البلادِ الإسلاميّة وخصوصاً المواليةِ لأهلِ البيت ( عليهم السّلام ) التي تَعُدُّهُ يومَ حزنٍ و عزاءٍ و مصيبةٍ، إذِ إستشهدَ فيه ريحانةُ رسولِ اللهِ ( صلّى اللهُ عليهِ و آله ) وابنُ بنتِه و خامسُ أهلِ الكساءِ (عليهم السّلام ) الذينَ أذهبَ اللهُ عنهم الرّجسَ و طهّرَهم تطهيراً ، والذي قالَ فيه جدّهُ المُصطفى ( صلّى اللهُ عليه و آله ) كما رواهُ محدّثو السنّةِ في كتبِهم المعُتبرةِ كسُننِ ابنِ ماجه، والتِّرمِذِيُّ وغيرِهما بِسَنَدِهِم إلى يَعلَى بنِ مُرَّةَ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلّى اللهُ عليه و آله ) : " حُسَينٌ مِنِّي وَ أَنَا مِن حُسَينٍ ، أَحَبَّ اللَّهُ مَن أَحَبَّ حُسَيناً ، حُسَينٌ سِبطٌ مِنَ الأَسبَاط " .
نعم، عمدَ أعداءُ أهلِ البيتِ ( عليهم السّلام ) تبعاً لبني أميّةَ إلى طمسِ الحقائقِ والحيلولةِ دونَ فضحِ ما قامَت به العصابةُ الأمويّةُ الحاقدةُ على الإسلامِ و النبيّ (صلّى اللهُ عليه و آله ) وعلى أهلِ بيتِه ( عليهم السّلام ) في يومِ عاشوراء في سنةِ 61 هجريّة بارتكابِهم أبشعَ جريمةٍ بقتلِهم الحسينَ بنَ عليٍّ ( عليه السّلام )، والصفوةَ الكرامَ مِن أبنائِه و أصحابِه الميامين وقطعِ رؤوسِهم وحملِها إلى إبنِ زيادٍ في الكوفة، ومِن بعدِها إلى يزيد في الشّامِ وأسرِهم زينَ العابدينَ وسيّد السّاجدين الإمامَ عليٍّ بن الحُسين ( عليه الّسلام ) وكذلكَ سيّداتِ بيتِ النبوّةِ والذريّةَ الطاهرة مِن أهلِ البيتِ ( عليهم السّلام ) بأبشعِ صورةٍ، وكانوا فرحينَ مُستبشرينَ بفعلتِهم العظيمةِ النّكراء ، ساحقينَ كرامةَ الإسلامِ و المُسلمينَ والبيتِ النبوي .
نعم، سعى هؤلاءِ إلى التستّرِ على أفعالِ هذهِ العصابةِ الحاقدةِ على الإسلامِ والتغطيةِ على هذه الفضائحِ الجسيمةِ والأفعالِ الإجراميّة مِن خلالِ تصويرِ هذا اليومِ ـ يومِ عاشوراء ـ كيومِ صومٍ وعبادةٍ وأجرٍ وثواب في محاولةٍ يائسةٍ بائسة، لينسى النّاسُ هذهِ المأساةَ، وليصرفوا أفكارَهم عن هذه الذّكرى الأليمةِ التي أوجعَت قلبَ الرّسولِ المُصطفى وإبنتِه فاطمة الزّهراء (صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين).
هذا وإنّ هذه الجماعات كانَت ولا تزالُ تسعى لِما أشرنا إليهِ مِن خلالِ الاستنادِ إلى أحاديثَ كثيرةٍ منها متناقضةٌ وأخرى موضوعةٌ ومكذوبة .
هذا و مَن يراجِع التاريخَ يجدُ شواهدَ كثيرةً على ما نقول ، و إليكَ بعضاً منها:
1 - قالَ إبنُ الجوزي في كتابِه الموضوعاتُ (2/200): تمذهبَ قومٌ منَ الجُهّالِ بمذهبِ أهلِ السنّةِ، فقصدوا غيظَ الرّافضةِ، فوضعوا أحاديثَ في فضلِ عاشوراء ... .
2 - و قالَ إبنُ الجوزي : ... فمنَ الأحاديثِ التي وضعوا : ... عن الأعرجِ ، عن أبي هُريرة قالَ : قالَ رسولُ اللهِ إنَّ اللهَ عزَّ و جل افترضَ على بني إسرائيلَ صومَ يومٍ في السّنةِ يومَ عاشوراء ، و هوَ اليومُ العاشرُ منَ المُحرّمِ فصوموه و وسّعوا على أهليكم ، فإنّهُ مَن وسّعَ على أهلِه مِن مالِه يومَ عاشوراء وُسِّعَ عليه سائرُ سنتِه، فصوموه فإنّهُ اليومُ الذي تابَ اللهُ فيه على آدم ، و هوَ اليومُ الذي رفعَ اللهُ فيه إدريسَ مكاناً عليّاً ، و هوَ اليومُ الذي نجّى فيه إبراهيمَ منَ النّار ، و هوَ اليومُ الذي أخرجَ فيهِ نوحاً من السّفينةِ ، و هوَ اليومُ الذي أنزلَ اللهُ فيه التوراةَ على موسى و فدى اللهُ إسماعيلَ منَ الذّبحِ ، و هوَ اليومُ الذي أخرجَ اللهُ يوسفَ منَ السّجنِ ، و هوَ اليومُ الذي ردَّ اللهُ على يعقوبَ بصرَه ، و هو اليومُ الذي كشفَ اللهُ فيه عن أيّوبَ البلاء ، و هوَ اليومُ الذي أخرجَ اللهُ فيه يونسَ مِن بطنِ الحوت ، و هوَ اليومُ الذي فلقَ اللهُ فيه البحرَ لبني إسرائيل ، و هوَ اليومُ الذي غفرَ اللهُ لمحمّدٍ ذنبَه ما تقدّمَ و ما تأخّر ، و في هذا اليومِ عبرَ موسى البحرَ ، و في هذا اليومِ أنزلَ اللهُ تعالى التوبةَ على قومِ يونسَ فمَن صامَ هذا اليومَ كانَت له كفّارةُ أربعينَ سنة .
وأوّلُ يومٍ خلقَ اللهُ منَ الدّنيا يومُ عاشوراء ... وأوّلُ مطرٍ نزلَ منَ السّماءِ يومُ عاشوراء ، و أوّلُ رحمةٍ نزلت يومَ عاشوراء ، فمَن صامَ يومَ عاشوراء فكأنّما صامَ الدّهرَ كلّه ، و هوَ صومُ الأنبياء ... و مَن أحيا ليلة عاشوراء فكأنّما عبدَ اللهَ تعالى مثلَ عبادةِ أهلِ السّماواتِ السّبع ، و مَن صلّى أربعَ ركعاتٍ يقرأُ في كلِّ ركعةٍ الحمدَ مرّةً و خمسَ مرّاتٍ قُل هوَ اللهُ أحد غفرَ اللهُ خمسينَ عاماً ماضٍ ، و خمسينَ عاماً مُستقبِل ، و بنى له في
الملأ الأعلى ألفَ ألفَ منبرٍ مِن نور ، و مَن سقى شربةً مِن ماءٍ فكأنّما لم يعصِ اللهَ طرفةَ عين ، و مَن أشبعَ أهلَ بيتٍ مساكين يومَ عاشوراء مرّ على الصّراطِ كالبرقِ الخاطفِ ، و مَن تصدّقَ بصدقةٍ يومَ عاشوراء فكأنّما لم يردَّ سائلاً قط ، و مَن إغتسلَ يومَ عاشوراء لم يمرَض مرضاً إلّا مرضَ الموت ، و مَن إكتحلَ يومَ عاشورا لم ترمِد عينُه تلكَ السّنةَ كلّها ، و مَن اَمرَّ يدَه على رأسِ يتيمٍ فكأنّما برَّ يتامى ولدِ آدم كلّهم .
قالَ ابنُ الجوزي بعدَ إيرادِ هذا الحديثِ: هذا حديثٌ لا يشكُّ عاقلٌ في وضعِه ولقد أبدعَ مَن وضعَه و كشفَ القناعَ و لم يستحي و أتى فيه المستحيلَ و هوَ قوله : و أوّلُ يومٍ خلقَ اللهُ يومَ عاشوراء و هذا تغفيلٌ مِن واضعِه لأنّه إنّما يُسمّى يومُ عاشوراء اذا سبقَه تسعة .
3 - مَن يراجِع التاريخَ يجدُ أنَّ يومَ عاشوراء كانَ بمنزلةِ وصمةِ عارٍ على جبينِ كلِّ أمويٍّ على مرِّ العصورِ ، و كانَ بنو أميّةَ يشعرونَ بالذلِّ و الحقارةِ و المهانةِ في كلِّ يومِ عاشوراء حتّى أصبحَت حالتُهم هذه مثلاً معروفاً ، فكانَ يقال : أذلُّ مِن أمويٍّ بالكوفةِ يومَ عاشوراء " [ينظر: مجمعُ الأمثال 2/21] .
ولذلكَ كانَ الجهدُ الإعلاميّ الأمويّ ولا يزالُ يعملُ على تمييعِ القضيّةِ الحُسينيّةِ، ومحاولة تسطيحِ هذهِ الملحمةِ الإنسانيّةِ الخالدة، فابتكروا الكثيرَ من أساليبِ العملِ الإعلامي المُرتكزِ على شراءِ الذّممِ وزجّ الأكاذيبِ في السنّةِ النبويّةِ الطاهرة، مُستفيدينَ منَ الفراغِ الذي عملَ على خلقِه أصحابُ دعوةِ تركِ (تدوينِ الحديثِ النبوي الشريف)، فصارَت عمليّةُ تأليفِ الأحاديثِ ونسبتها إلى الرّسولِ الكريم (صلواتُ اللهِ عليهِ وآله) واحدةً مِن أهمِّ ملامحِ الحقبةِ الأمويّةِ الفاسدةِ، حتّى لقد وصلَ الدسُّ في أحاديثِ فضلِ (صيامِ عاشوراء) إلى أصحِّ كتبِهم المُعتبرة، كالبخاريّ وغيرِه. مع أنّ النظرةَ الدقيقةَ في دراسةِ متونِ هذهِ الأحاديث، وفقَ موازينِ أهلِ العلم وعقلائِهم تبيّنُ لكلِّ مَن يحترمُ عقلَه حجمَ الدسِّ والتزويرِ الذي أصابَ تراَثنا الإسلاميّ والإساءة الواضحة إلى شخصِ الرّسول (صلّى اللهُ عليه وآله)...
ولنبدأ أوّلاً بمناقشةِ ما رواهُ البُخاري في كتابِ الصّومِ بابُ صيامِ يومِ عاشوراء، بإسنادِه إلى عائشة قالت: كانَ يومُ عاشوراء تصومُه قريش في الجاهليّة، وكانَ رسولُ الله (صلّى اللهُ عليه وآله) يصومُه في الجاهليّة، فلمّا قدمَ المدينةَ صامَه وأمرَ بصيامِه، فلمّا فُرضَ رمضانُ تركَ يومَ عاشوراء، فمَن شاءَ صامَه ومَن شاءَ تركَه .( [صحيحُ البُخاري، الحديثُ رقم: 2002، بابُ كتابِ الصّوم، بابُ صومِ عاشوراء، الطبعةُ الثانية، دارُ السّلام للنّشرِ والتوزيع ـ الرّياض.]
فلاحِظ أنّ هذا الحديثَ يخبرُنا أنّ الرّسولَ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) - [وحاشاهُ مِن ذلك] - عملَ بسُنّةِ الجاهليّةِ مِن دوِن أن يعلمَ حقيقةَ هذهِ السنّةِ وسببَها ومَن فرضَها، والدّليلُ أنّ هناكَ حديثاً آخرَ عَن إبنِ عبّاس نصُّه يقولُ: قدمَ النّبيُّ (ص) المدينةَ، فرأى اليهودَ تصومُ يومَ عاشوراء، فقالَ: ما هذا؟ قالوا: هذا يومٌ صالح، هذا يومٌ نجّى اللهُ بني اسرائيلَ مِن عدوّهم، فصامَه موسى، قالَ: فأنا أحقُّ بموسى منكم، فصامَه وأمرَ بصيامِه .[ صحيحُ البُخاري، الحديثُ رقم: 2004، بابُ كتابِ الصّوم، بابُ صومِ عاشوراء، الطبعةُ الثّانية، دارُ السّلامِ للنّشرِ والتوزيع ـ الرّياض].
فالحديثُ الثاني المنسوبُ إلى ابنِ عبّاس يفضحُ الحديثَ الأوّلَ المنسوبَ إلى عائشةَ بما يلي:
- 1 لو كانَ الرّسولُ (صلّى اللهُ عليه وآله) قد صام َعاشوراء أيّام الجاهلّية، لَـما جَهِلَ صيامَ اليهودِ المذكورَ في الحديثِ الثاني.
-2 لو كانَ الرّسولُ (صلّى اللهُ عليه وآله) عملَ بسُنّةِ الجاهليّةِ لما غابَ عنه تعليلُ اليهود، لأنّ الرّسولَ (صلّى اللهُ عليه وآله) لا يعملُ بسُننٍ لا يعرفُ أسبابَها ومدى مقبوليّتِها عندَ اللهِ تعالى، لحكمتِه وشدّةِ تحرّزِه منَ الوقوعِ في أعمالِ الشّركِ السّائدةِ آنذاك.
زِد على ذلكَ أنّ البُخاري روى أيضاً في كتابِ الصّومِ بابِ صيامِ عاشوراء بإسنادِه عن حميدٍ بنِ عبدِ الرّحمن، أنّهُ سمعَ معاويةَ بنَ أبي سفيان يومَ عاشوراء، عامَ حجّ ، وهوعلى المنبرِ يقول: يا أهلَ المدينةِ، أينَ علماؤكم؟ سمعتُ رسولَ الله (ص) يقولُ: هذا يومُ عاشوراء، ولم يكتُب اللهُ عليكم صيامَه، وأنا صائمٌ، فمَن شاءَ فليصُم ومَن شاءَ فليُفِطر. [صحيحُ البُخاري، الحديثُ رقم: 2003، بابُ كتابِ الصّوم، بابُ صومِ عاشوراء، الطبعةُ الثانية، دارُ السّلامِ للنّشرِ والتوزيع ـ الرّياض].
ولنا في هذا الحديثِ عدّةُ ملاحظاتٍ، مِن أهمّها:
أوّلاً: أنّ خطابَ معاويةَ الإستنكاريَّ لأهلِ المدينةِ بسببِ تركِهم العملَ بصيامِ عاشوراء يؤكّد لنا أنّ سنّةَ صيامِ عاشوراء لم تكُن سُنّةً نبويّة، وإلّا لعملَ بها أهلُ المدينةِ الذينَ يفترضُ أنّهم أعلمُ بسنّةِ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله) من الطلقاءِ وأبناءِ الطلقاءِ كمعاويةَ وغيره.
وثانياً: لو فرضنا أنّ الحديثَ صحيحٌ، فهو قطعاً قيلَ في وقتٍ سبقَ فرضَ صيامِ رمضان، لأنّ عائشةَ ذكرَت أنَّ الرّسولَ (صلّى اللهُ عليه وآله) تركَ صيامَ عاشوراء بعدَ أن فرضَ رمضان.
وثالثاً: لو سلّمنا أنّ الحديثَ صحيحٌ، فلابدَّ أن نعرفَ أنّ عاشوراء اليهودِ هيَ ليسَت عاشوراء العرب، وذلكَ لأنّ الحسابَ المُعتمدَ في تقويمِ اليهودِ هوَ عمليّةُ مزجٍ لحركةِ الشّمسِ معَ حركةِ القمر، في حينِ أنَّ العربَ تعتمدُ التقويمَ المُرتكزَ على حركةِ القمر، وبذلكَ يكونُ عاشوراء اليهود هوَ يومُ الثالثِ عشرَ من تشرين الثاني مِن كلِّ عام، وعاشوراء العرب يرجعُ إلى الخلفِ بمقدارِ عشرةِ أيّامٍ في كلِّ عامٍ ميلادي، ففي عامِ 2008 وقعَ يومُ عاشوراء في الـ 18 من كانون الثاني يناير، وفي هذا العامِ 2009 صارَ يومُ عاشوراء متوافِقاً معَ اليومِ الثامنِ مِن شهرِ كانون الثاني يناير.
[ينظر: كتابُ التقويمِ العبري، لعزَّت اندراوس، موسوعةُ تاريخِ أقباطِ مصر، وكتابُ الفكرِ اليهودي للدّكتور حسن ظاظا،– أطوارُه ومذاهبُه – معهدُ البحوث والدراساتِ العربيّةِ التابعِ للجامعةِ العربيّة، قسمُ البحوثِ والدراساتِ الفلسطينيّة، القاهرة – 1971م].
ومِـمّا يؤيّدُ ويؤكّدُ أنّ مثلَ هذهِ الأحاديثِ إمّا هيَ موضوعةٌ أو متناقضةٌ فيما بينَها بحيثُ لا يمكنُ التّسليمُ بها وبصحّتِها هو موقفُ أميرِ المؤمنينَ عليه السّلام منها لـمّا نبّه على خطورتِها قبلَ حدوثِ الحادثةِ نفسِها، وكيفَ أنّ أعداءَ اللهِ تعالى سيعمدونَ إلى وضعِ الأحاديثِ لجعلِ يومِ عاشوراء يومَ فرحٍ وسرور، وكذلكَ الحالُ بالنّسبةِ لأئمّةِ أهلِ البيتِ عليهم السّلام منها، لـمّا تصدّوا ( عليهم السّلام ) لهذهِ المؤامرةِ الأمويّةِ بإحيائِهم يومَ عاشوراء كيومِ حزنٍ و مصيبةٍ و عزاء وبيّنوا للنّاسِ ما أصابَ سبطَ رسولِ الله ( صلّى اللهُ عليه و آله ) والبيتِ النبويّ و العلويّ منَ الخسارةِ و الظلمِ و القتلِ و التّشريدِ والأذى ، و إليكَ بعضاً مِن أحاديثهم :
1- روى الشيخُ الصّدوقُ (ره) في كتابِه الأمالي ،(ص189) بإسنادِه المُتّصلِ إلى، فضيلٍ الرّسان ، عن جبلةَ المكيّة ، قالت : سمعتُ ميثماً التمّارَ ( قدّسَ اللهُ روحَه ) يقولُ : واللهِ لتقتلنَّ هذهِ الأمّةُ إبنَ نبيّها في المحرّمِ لعشرٍ يمضينَ منه ، وليتخذنَّ أعداءُ اللهِ ذلكَ اليومَ يومَ بركةٍ ، وإنَّ ذلكَ لكائنٌ ، قد سبقَ في علمِ اللهِ تعالى ذكرُه ، أعلمُ ذلكَ بعهدٍ عهدَه إليَّ مولاي أميرُ المؤمنينَ ( صلواتُ اللهِ عليه ) ، ولقد أخبرَني أنّهُ يبكي عليه كلُّ شيءٍ حتّى الوحوشُ في الفلواتِ ، والحيتانُ في البحارِ ، والطيرُ في جوّ السّماءِ ، وتبكي عليهِ الشّمسُ والقمرُ والنّجومُ والسّماءُ والأرض ، ومؤمنو الإنسِ والجنِّ ، وجميعُ ملائكةِ السّماوات ، ورضوانُ ومالكٌ وحملةُ العرشِ ، وتمطرُ السّماءُ دماً ورماداً . ثمَّ قاَل : وجبَت لعنةُ اللهِ على قتلةِ الحُسينِ ( عليهِ السّلام ) ، كما وجبَت على المُشركينَ الذينَ يجعلونَ معَ اللهِ إلهاً آخر ، وكما وجبَت على اليهودِ والنّصارى والمجوسِ . قالَت جبلةُ : فقلتُ له : يا ميثمُ ، وكيفَ يتّخذُ النّاسُ ذلكَ اليومَ الذي يُقتلُ فيه الحسينُ بنُ عليٍّ ( عليهما السّلام ) يومَ بركةٍ ! فبكى ميثمُ ( رضيَ اللهُ عنه ) ، ثمَّ قالَ سيزعمونَ بحديثٍ يضعونَه أنّهُ اليومُ الذي تابَ اللهُ فيهِ على آدمَ ( عليه السّلام ) ، وإنّما تابَ اللهُ على آدمَ ( عليهِ السّلام ) في ذي الحجّةِ ، ويزعمونَ أنّهُ اليومُ الذي قبلَ اللهُ فيه توبةَ داود ( عليهِ السّلام ) ، وإنّما قبلَ اللهُ توبتَه في ذي الحجّةِ ، ويزعمونَ أنّهُ اليومُ الذي أخرجَ اللهُ فيه يونسَ ( عليهِ السّلام ) من بطنِ الحوت ، وإنّما أخرجَه اللهُ تعالى مِن بطنِ الحوتِ في ذي القعدةِ ، ويزعمونَ أنّهُ اليومُ الذي إستوَت فيه سفينةُ نوحٍ ( عليهِ السّلام ) على الجودي، وإنّما إستوَت على الجودي يومَ الثامنِ عشرَ مِن ذي الحجّةِ ، ويزعمونَ أنّهُ اليومُ الذي فلقَ اللهُ فيه البحرَ لبني إسرائيل ، وإنّما كانَ ذلكَ في ربيعٍ الأوّل . ثمَّ قالَ ميثم : يا جبلةُ ، إعلمي أنَّ الحُسينَ بنَ عليٍّ ( عليهما السّلام ) سيّدُ الشّهداءِ يومَ القيامةِ ، ولأصحابِه على سائرِ الشّهداءِ درجةً . يا جبلةُ ، إذا نظرَت إلى الشمسِ حمراءَ كأنّها دمٌ عبيطٌ ، فاعلمي أنَّ سيّدَكِ الحُسين قد قُتلَ. قالَت جبلةُ : فخرجتُ ذاتَ يومٍ ، فرأيتُ الشّمسَ على الحيطانِ كأنّها الملاحفُ المُعصفرةُ ، فَصِحتُ حينئذٍ وبكيتُ ، وقلتُ : قد واللهِ قُتلَ سيّدُنا الحُسين بنُ عليّ (عليهما السّلام).
2- رَوى الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الهَاشِمِيُّ ، عَن مُحَمَّدِ بنِ مُوسَى ، عَن يَعقُوبَ بنِ يَزِيدَ ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ الوَشَّاءِ ، قَالَ حَدَّثَنِي نَجَيةُ بنُ الحَارِثِ العَطَّارُ ، قَالَ سَأَلتُ أَبَا جَعفَرٍ ( عليه السلام ) 4 عَن صَومِ يَومِ عَاشُورَاءَ ؟فَقَالَ : " صَومٌ مَترُوكٌ بِنُزُولِ شَهرِ رَمَضَانَ ، وَ المَترُوكُ بِدعَةٌ " .قَالَ نَجَيةُ : فَسَأَلتُ أَبَا عَبدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) مِن بَعدِ أَبِيهِ ( عليه السلام ) عَن ذَلِكَ ، فَأَجَابَنِي بِمِثلِ جَوَابِ أَبِيهِ .ثُمَّ قَالَ : " أَمَا إِنَّهُ صَومُ يَومٍ مَا نَزَلَ بِهِ كِتَابٌ وَ لَا جَرَت بِهِ سُنَّةٌ إِلَّا سُنَّةُ آلِ زِيَادٍ بِقَتلِ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِمَا " .[ينظر: الكافي لثقةِ الإسلامِ الشيخُ الكلينيّ 4/146].
3 - عَن مُحَمَّدِ بنِ عِيسَى بنِ عُبَيدٍ ، قَالَ حَدَّثَنِي جَعفَرُ بنُ عِيسَى أَخُوهُ ، قَالَ سَأَلتُ الرِّضَا (عليه السلام ) عَن صَومِ عَاشُورَاءَ وَ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهِ ؟ فَقَالَ : " عَن صَومِ ابنِ مَرجَانَةَ تَسأَلُنِي ؟!ذَلِكَ يَومٌ صَامَهُ الأَدعِيَاءُ مِن آلِ زِيَادٍ لِقَتلِ الحُسَينِ ( عليه السلام ) ، وَ هُوَ يَومٌ يَتَشَأَّمُ بِهِ آلُ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) ، وَ يَتَشَأَّمُ بِهِ أَهلُ الإِسلَامِ ، وَ اليَومُ الَّذِي يَتَشَأَّمُ بِهِ أَهلُ الإِسلَامِ لَا يُصَامُ وَ لَا يُتَبَرَّكُ بِهِ ، وَ يَومُ الإِثنَينِ يَومُ نَحسٌ قَبَضَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهِ نَبِيَّهُ ، وَ مَا أُصِيبَ آلُ مُحَمَّدٍ إِلَّا فِي يَومِ الإِثنَينِ فَتَشَأَّمنَا بِهِ وَ تَبَرَّكَ بِهِ عَدُوُّنَا ، وَ يَومُ عَاشُورَاءَ قُتِلَ الحُسَينُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَ تَبَرَّكَ بِهِ ابنُ مَرجَانَةَ ، وَ تَشَأَّمَ بِهِ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِم ، فَمَن صَامَهُمَا أَو تَبَرَّكَ بِهِمَا لَقِيَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى مَمسُوخَ القَلبِ وَ كَانَ حَشرُهُ مَعَ الَّذِينَ سَنُّوا صَومَهُمَا وَالتَّبَرُّكَ بِهِمَا " .[ينظر: الكافي لثقةِ الإسلامِ الشيخ الكلينيّ 4/147].
4 - عَن مُحَمَّدِ بنِ الحُسَينِ ، عَن مُحَمَّدِ بنِ سِنَانٍ ، عَن أَبَانٍ ، عَن عَبدِ المَلِكِ ، قَالَ سَأَلتُ أَبَا عَبدِ اللَّهِ ( عليه السّلام ) عَن صَومِ تَاسُوعَاءَ وَ عَاشُورَاءَ مِن شَهرِ المُحَرَّمِ ؟فَقَالَ : " تَاسُوعَاءُ يَومٌ حُوصِرَ فِيهِ الحُسَينُ ( عليه السّلام ) وَ أَصحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم بِكَربَلَاءَ ، وَ اجتَمَعَ عَلَيهِ خَيلُ أَهلِ الشَّامِ وَ أَنَاخُوا عَلَيهِ ، وَ فَرِحَ ابنُ مَرجَانَةَ وَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ بِتَوَافُرِ الخَيلِ وَ كَثرَتِهَا ، وَ استَضعَفُوا فِيهِ الحُسَينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَ أَصحَابَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم ، وَ أَيقَنُوا أَن لَا يَأتِيَ الحُسَينَ ( عليه السّلام ) نَاصِرٌ وَ لَا يُمِدَّهُ أَهلُ العِرَاقِ ، بِأَبِي المُستَضعَفُ الغَرِيبُ .ثُمَّ قَالَ : " وَ أَمَّا يَومُ عَاشُورَاءَ فَيَومٌ أُصِيبَ فِيهِ الحُسَينُ ( عليه السّلام ) صَرِيعاً بَينَ أَصحَابِهِ وَ أَصحَابُهُ صَرعَى حَولَهُ عُرَاةً ، أفَصَومٌ يَكُونُ فِي ذَلِكَ اليَومِ كَلَّا ! وَ رَبِّ البَيتِ الحَرَامِ مَا هُوَ يَومَ صَومٍ ، وَ مَا هُوَ إِلَّا يَومُ حُزنٍ وَ مُصِيبَةٍ دَخَلَت عَلَى أَهلِ السَّمَاءِ وَ أَهلِ الأَرضِ وَ جَمِيعِ المُؤمِنِينَ ، وَ يَومُ فَرَحٍ وَ سُرُورٍ لِابنِ مَرجَانَةَ وَ آلِ زِيَادٍ وَ أَهلِ الشَّامِ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِم وَ عَلَى ذُرِّيَّاتِهِم ، وَ ذَلِكَ يَومٌ بَكَت عَلَيهِ جَمِيعُ بِقَاعِ الأَرضِ خَلَا بُقعَةِ الشَّامِ ، فَمَن صَامَهُ أَو تَبَرَّكَ بِهِ حَشَرَهُ اللَّهُ مَعَ آلِ زِيَادٍ مَمسُوخُ القَلبِ مَسخُوطٌ عَلَيهِ ، وَ مَنِ ادَّخَرَ إِلَى مَنزِلِهِ ذَخِيرَةً أَعقَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى نِفَاقاً فِي قَلبِهِ إِلَى يَومِ يَلقَاهُ وَ انتَزَعَ البَرَكَةَ عَنهُ وَ عَن أَهلِ بَيتِهِ وَ وُلدِهِ وَ شَارَكَهُ الشَّيطَانُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ " [ينظر الكافي ج4/ص147] .
ومَن أرادَ المزيدَ منَ الأدلّةِ والإستقصاءِ في هذا الموضوع ، فليرجعُ إلى ما كتبَه العلّامةُ الشيخُ نجمُ الدّينِ الطبسي في كتابِه المُسمّى : صومُ عاشوراء بينَ السنّةِ النبويّةِ و البدعةِ الأمويّة.
و في الختامِ نقولُ : ﴿ يُرِيدُونَ أَن يُطفِؤُوا نُورَ اللّهِ بِأَفوَاهِهِم وَيَأبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ ﴾ .ودمتُم سالِمين .
اترك تعليق