هل يصح تفسير الدين بالعلم؟
تركي الحمد/: تفسير الدين بالعلم، او العلم بالدين، لا يخدم اي منهما، فلكل منهج مختلف عن الاخر في البحث عن الحقيقة.. تداخل المناهج هنا يفسد الحقيقة العلمية، ولا يخدم الحقيقة الدينية، فلا نلنا بلح الشام ولا عنب اليمن..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
أن التمايز بين موضوعات العلوم يؤدي حتماً إلى تمايز بين مناهجها، ومن هنا لا يمكن الحديث عن منهج عام لكل العلوم والمعارف؛ بل لكل علم منهجه الذي ينسجم مع طبيعته ويتحرك في إطار موضوعاته، ومع ذلك فقد حاول بعض الفلاسفة الغربيين تعميم مناهج العلوم الطبيعية لتشمل العلوم الإنسانية، ولكنها كانت محاولات غير واعية بالطبيعة الإنسانية ذات القصد والإرادة، فلا يمكن مساواة الإنسان بموضوعات الطبيعة التي تتصف بنوع من الثبات والاستمرار، فإذا كان موضوع العلوم الطبيعية هي الطبيعية فإن موضوع العلوم الإنسانية هو الإنسان، وبالتالي يختلف رصد الإنسان علمياً ومعرفياً عن رصد الظواهر الطبيعية.
والدين كنظام معرفي له علاقة بالإنسان حيث يستهدف وعي الإنسان وفكره وثقافته وبالتالي يعمل على ضبط سلوكه الإرادي من خلال معالجة نظامه القيمي، وعليه لا يمكن الخلط بين مناهج العلوم الدينية ومناهج العلوم الطبيعية، وقد ابدع علماء الإسلام مناهجهم الخاصة في ما يتعلق بالتفسير والاستنباط والتاريخ وغير ذلك، ومن هنا لا وجود لتوجه واضح وملموس يستهدف تفسير الدين بمناهج العلوم الطبيعية أو تفسير العلوم الطبيعية بمناهج الدين، والتحفظ الذي يبديه السائل قد يكون ناتجاً من الخلط بين مفهومين بينهما حالة من التباين
المفهوم الأول هو: تفسير الدين بمناهج العلوم الطبيعية.
والمفهوم الثاني هو: تفسير الدين بنتائج البحث العلمي.
الأول مرفوض وغير واقعي، بينما الثاني لا غبار عليه؛ فقد يستند الدين على حقيقة علمية للبرهنة على مصداقية فكرة ما، فمثلاً عندما يثبت العلم الحديث اطوار الجنين في بطن الام وكان ذلك متطابقاً مع آية قرآنية فحينها تكون النتيجة العلمية معززة لمعنى الآية، مضافاً إلى انها تعمق فهمنا بتلك الآية، وقد اصطلح على ذلك بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم، وهناك بحوث علمية ومختصة تمكنت من الجمع بين آيات القرآن وبين بعض ما توصل له العلم الحديث، واثبتوا بذلك اعجاز القرآن لكونه أشار إلى تلك الحقائق قبل أربعة عشر قرناً من الزمن.
وعليه فان التفسير العلمي هو محاولة فهم دلالة الآيات الكونية في كتاب الله في إطار المعرفة العلمية المتاحة للعصر، ولا حرج أن يوظف المفسر الحقائق القطْعية الثابتة لفهم أعمق لكتاب الله؛ لأن التفسير في الأساس هو محاولة بشرية لفهم أكثر تكاملاً لدلالة الآيات القرآنية، فكما يستعين المفسر باللغة وأسباب النزول ومعرفة الناسخ والمنسوخ وغير ذلك من الأدوات يجوز له الاستعانة بالمنجزات القطعية للعلوم لتحسين فهمه بكتاب الله. ولا يعد هذا خلط بين المنهجيات لأن المفسر هنا يستعين بنتائج البحث العلمي لا بمنهجيته العلمية.
وعليه تظل العلوم الطبيعية لها منهجيتها الخاصة كما للدين منهجيته الخاصة إلا أن النتائج المتحصلة من المنهجيات العلمية يمكن توظيفها من اجل الوصول إلى حقيقة أخرى.
كما يبدو أن السائل فات عليه إن المحصلة النهائية من كل العوم سوى كانت إنسانية أو طبيعية تسعى للتفسير وهو جعل الأشياء معقولة في نظر الإنسان، أي أنها تخدم القناعة المنطقية للإنسان، وعليه حتى لو كانت متباينة في المناهج إلا انها في المحصلة تلتقي جميعها عند الإنسان الذي يقوم بتوظيفها فيما يخدم مشروعه الحضاري.
اترك تعليق