هل كانَ الإمامُ العسكريّ (ع) عقيماً؟  

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكم ورحمة الله  

 إنّ منَ الإشكالاتِ التي كانَ يثيرُها - ولا يزالُ - كثيرٌ منَ المُشكّكينَ والمُخالفينَ بينَ الحينِ والحين هيَ دعوى أنّ الإمامَ الحسنَ بنَ علي العسكريّ (ع) كان عقيماً لم يعقّب، والغرضُ مِن هذا الإشكالِ - كما هوَ واضحٌ - نقضُ عقيدةِ الشيعةِ الإماميّةِ فيما يعتقدونَه في إمامةِ الإمامِ الثاني عشر مِن أئمّةِ أهلِ البيتِ عليهم السّلام الذي هوَ الإمامُ الحجّةُ المُنتظر محمّدٌ بنُ الحسن العسكريّ (عج) كما هوَ معروفٌ بينَ أهلِ العلم. وفي الآونةِ الأخيرةِ ازدادَ طرحُ هذا الإشكالِ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعيّ، حتّى تأثّرَ به بعضُ شبابِ الشيعةِ ممّن لا علمَ لهم بأساليبِ التدليسِ والتمويه التي ينتهجُها المخالفونَ حينَ يطرحونَ مثلَ هذه الإشكالاتِ بأسلوبٍ مُنمّقٍ بزعمِ أنّها حقائقُ مُغيّبةٌ عن الشيعة، فمِن هذهِ الإشكالاتِ التي نراها بكثرةٍ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعيّ، ما أوردَه بعضُ كتّابِ الوهّابيّةِ المدعوّ عبدُ الرّحمنِ دمشقيّة في كتابِه المُسمّى (حوارٌ هادئٌ بينَ السنّةِ والشيعة)، إذ أوردَ هذا الإشكالَ في كتابِه بهذهِ العبارة: (لقد أكّدَت كتبُ الشيعةِ بحزمٍ أنَّ الحسنَ العسكري - الإمامُ الحادي عشر - كانَ عقيماً ولم تحمل منهُ زوجاته ولا جواريه، وأنّه لمّا ماتَ سنةَ 260 هـ دخلَ أقرباؤه على زوجاتِه وجواريه لعلّهم يجدونَ واحدةً منهنّ حاملاً، فلم يجدوا واحدةً منهنّ حاملاً. ممّا جعلهم يقسّمونَ ميراثَه بينَ أمّه وأخيهِ جعفر (الكافي الحُجّة 1/505 الإرشادُ للمُفيد 339 كشفُ الغمّة 408 الفصولُ المُهمّة 289 كتابُ جلاءِ العيون 762:2 وكتابُ أعلامِ الورى للطبرسي 377).وأنَّ السّلطانَ أرسلَ إلى دارِ الحسنِ العسكري مَن يفحصُ زوجاتِه وجواريه، فتبيّنَ له أنّه لم يكُن لهُ ولدٌ أبداً. (المقالاتُ والفِرق للقمّي 102 كتابُ الغيبةِ للطوسي 74).ولهذا قالَ الشيخُ الشيعي المُفيد « فلم يظهَر لهُ ولدٌ في حياتِه ولا عرفَه الجمهورُ بعدَ وفاتِه » (الإرشادُ 345 إعلامُ الورى بأعلامِ الهُدى للطبرسي 380).  

واعترفَت كتبُ الشيعة، بأنّه:" لم يُرَ لهُ خلفٌ، ولم يُعرَف له ولدٌ ظاهر، فاقتسمَ ما ظهرَ مِن ميراثِه، أخوهُ جعفرٌ وأمّه" قالَه القُمّي - الشيعي - في كتابه "المقالاتُ والفِرق" ص/102). انتهى كلامُه.  

 أقولُ تعقيباً على ما أوردَه هذا الكاتب: إنّ مَن يقرأ عنوانَ هذا الكتابِ يحسبُ أنّ مؤلّفَه استخدمَ الطريقةَ العلميّةَ في النقاشِ والحوار، فناقشَ الشيعةَ وحاورَهم حواراً هادئاً كما ادّعى، بعيداً عن التعصّبِ والتجريحِ والمُغالطةِ والتزويرِ والتدليس والقذف والبهت وقلبِ الحقائق وطمسِها، إلّا أنّه إذا تصفّحَ القارئُ المُنصفُ هذا الكتابَ وقرأ مضمونَه يجدُ خلافَ ذلكَ تماماً، إذ يجدُ مؤلّفَه يلصقُ بالشيعةِ ما هُم منهُ براءٌ، وينسبُ إليهم منَ العقائدِ ما لا يؤمنونَ به، ويلزمُهم بلوازمَ لا يصحّ إلزامُهم بها، وأتى فيه بالكثيرِ ممّا هوَ مُجانبٌ للحقيقةِ ومخالفٌ للواقعِ الذي عليهِ الشيعة. فضلاً عن تلاعبِه بالنّصوصِ واقتناصِه منها ما يؤدّي إلى قلبِ الحقيقة رأساً على عقب، فعلى سبيلِ المثال: في هذا الموضعِ انظُر كيفَ تقوّلَ على علماءِ الشيعةِ ما لم يتلفّظوا بهِ مُطلقاً، فهو يعبّرُ في كتابه تارةً بقوله: (لقد أكّدَت كتبُ الشيعةِ بحزمٍ أنَّ الحسنَ العسكري - الإمامَ الحاديَ العشر - كانَ عقيماً ولم تحمل منهُ زوجاتُه ولا جواريه). وتارةً بقوله: (ولهذا قالَ الشيخُ الشيعي المُفيد « فلم يظهَر لهُ ولدٌ في حياتِه ولا عرفَه الجمهورُ بعدَ وفاته ». وتارةً بقوله: (واعترفَت كتبُ الشيعةِ، بأنّه:" لم يُرَ له خلفٌ، ولم يُعرَف لهُ ولدٌ ظاهر، فاقتسمَ ما ظهرَ مِن ميراثِه، أخوه جعفر...)، ثمَّ تراهُ يذكرُ المصادرَ التي اعتمدَها في نقلِ عباراتِه، ليوهِمَ القارئَ بأنّه ليسَ إلّا ناقلاً لِـما وجدَه في هذهِ المصادر والكتب!!   

ولكن عندَ الفحصِ والتدقيقِ فيما نقله نجدُ أنّ الأمرَ بخلافِ ذلك، وأنّه كانَ يتلاعبُ بالنّصوصِ فيضيفُ إليها عباراتٍ مِن عنده، وينقصُ منها أخرى لغايةٍ في نفسِه، فنحنُ – على سبيلِ المثال – إذا رجعنا إلى كتابِ المقالاتِ والفرق، لأبي خلفٍ سعدٍ بنِ عبدِ الله الأشعري القمّيّ، (ص102)، حينَ كانَ يترجمُ للإمامِ العسكريّ (ع)، نجدُه يوردُ في ترجمتِه النصّ الآتي: (وولدَ حسنٌ بنُ عليّ في شهرِ ربيعٍ الآخر سنةَ إثنتينِ وثلاثينَ ومائتين، وتوفّى بسرَّ مَن رأى يومَ الجمعةِ لثمانِ ليالٍ خلونَ مِن شهرِ ربيعٍ الآخر سنةَ ستّينَ ومائتين، ودفنَ في دارِه في البيتِ الّذي دفنَ فيه أبوه، وهوَ ابنُ ثمانٍ وعشرينَ سنة، وصلّى عليهِ أبو عيسى بنُ المتوكّل، وكانَت إمامتُه خمسَ سنين وثمانيةَ أشهرٍ وخمسةَ أيّام، وتوفّى ولم يرَ لهُ خلفٌ ولم يعرَف لهُ ولدٌ ظاهر، فاقتسمَ ما ظهرَ مِن ميراثه أخوهُ جعفرٌ وأمُّه وهيَ أمّ ولدٍ كانَ يقالُ لها عسفان

ثمّ سمّاها أبوه حديث، فافترقَ أصحابُه مِن بعدِه خمسَ عشرةَ فرقة).   

  

وهاهنا سؤالٌ يفرضُ نفسَه: هل يجدُ القارئُ المُنصفُ في عبارةِ القمّيّ: أنّ العسكريّ (ع) كانَ عقيماً؟!

هذا فضلاً عن أنّ هذا الكاتبَ قد دلّسَ على القرّاءِ ما كانَ يعتقدُه القمّيّ في الإمامِ الحُجّةِ المُنتظر (عج) في نفسِ كتابه (المقالاتُ والفرق)، وذلكَ أنّ المحدّثَ القمّيَّ الثقة بمجرّدِ أنِ انتهى مِن ترجمةِ الإمامِ الحسنِ العسكريّ (ع)، وفي الصّفحة (102) نفسِها، شرعَ في بيانِ الفِرقِ التي افترقَت بعدَ وفاةِ العسكريّ (ع)، فبدأ بأوّلِ فرقةٍ يؤمنُ بها، وهيَ فرقةُ الإماميّة، وذكرَ فيها ما كانَ يعتقدُه في الإمامِ الحُجّة المُنتظر (عج) صريحاً، وإليكَ بعضاً من كلامِه الدالِّ على ذلك، إذ قالَ: ففرقةٌ منها وهيَ المعروفةُ بالإماميّة، قالت للهِ في أرضِه بعدَ مُضيّ الحسنِ بنِ عليٍّ حجّةٌ على عبادِه وخليفةٌ في بلاده، قائمٌ بأمرِه مِن ولدِ الحسنِ بنِ عليٍّ بنِ محمّدٍ بنِ عليّ الرّضا ، آمرٌ، ناهٍ، مُبلّغ عن آبائِه مودعٌ عَن أسلافِه ، ما استودعوهُ مِن علومِ اللهِ وكتبِه وأحكامِه وفرائضِه، وسننِه ، عالمٌ بما يحتاجُ إليه الخلقُ مِن أمرِ دينهم ومصالحِ دُنياهم خلفٌ لأبيه ، ووصيٌّ له ، قائمٌ بالأمرِ بعدَه ، هادٍ للأمّة مهديٌّ على المنهاجِ الأوّلِ والسّننِ الماضيةِ منَ الأئمّةِ الجارية ...، إلى أن قال: فنحنُ متمسّكونَ بإمامةِ الحسنِ بنِ عليّ ، مقرّونَ بوفاتِه موقنونَ مؤمنونَ بأنّ لهُ خلفاً مِن صلبِه ، متديّنونَ بذلك، وأنّه الإمامُ مِن بعدِ أبيه الحسنِ بنِ علي ، وأنّه في هذهِ الحالةِ مُستترٌ خائفٌ مغمودٌ مأمورٌ بذلك ، حتّى يأذنَ اللهُ عزّ وجلّ له فيظهرَ ويعلنَ أمرَه ، كظهورِ مَن مضى قبلَه مِن آبائِه إذ الأمرُ للهِ تباركَ وتعالى يفعلُ ما يشاء ويأمرُ بما يريدُ مِن ظهورٍ وخفاء ونطقٍ وصموت ، كما أمرَ رسوله صلّى اللهُ عليه وآله في حالِ نبوّتِه بتركِ إظهارِ أمرِه والسكوتِ والإخفاءِ مِن أعدائِه والاستتار ، وتركِ إظهارِ النبوّةِ الّتي هي أجلُّ وأعظمُ وأشهرُ منَ الإمامة ، فلم يزَل كذلكَ سنينَ إلى أن أمرَه بإعلانِ ذلكَ وعندَ الوقتِ الّذي قدّرَه تباركَ وتعالى فصدعَ بأمرِه وأظهرَ الدّعوةَ لقومِه ...، وقالَ أيضاً: هذا معَ القولِ المشهورِ مِن أميرِ المؤمنينَ على المنبر : « إنّ اللّه لا يُخلي الأرضَ مِن حجّةٍ له على خلقِه ظاهراً معروفاً أو خافياً مغموراً لكي لا يبطلَ حجّته وبيّناته » وبذلكَ جاءَت الأخبارُ الصّحيحةُ المشهورةُ عن الأئمّةِ ، وليسَ على العبادِ أن يبحثوا عَن أمورِ اللهِ ويقفوا أثرَ ما لا علمَ لهُم به ويطلبوا إظهارَه، فسترَه اللهُ عليهم وغيّبَه عنهم ، قالَ اللهُ عزّ وجلّ لرسولِه : ولا تقفُ ما ليسَ لكَ بهِ علمٌ، فليسَ يجوزُ لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ طلبُ ما سترَه الله ، ولا البحثُ عن اسمِه وموضعِه ، ولا السؤالُ عن أمرِه ومكانِه، حتّى يُؤمروا بذلك، إذ هوَ عليه السّلام غائبٌ خائفٌ مغمودٌ مستور بسترِ اللّهِ مِن متّبعٍ لأمرِه عزّ وجلّ ولأمرِ آبائِه ، بل البحثُ عن أمرِه وطلبُ مكانِه والسّؤالُ عن حالِه وأمرِه محرّمٌ ، لا يحلُّ ولا يسعُ لأنّ في طلبِ ذلكَ وإظهارِ ما سترَه اللهُ عنّا وكشفِه وإعلانِ أمرِه والتنويهِ باسمِه معصيةُ الله ، والعونُ على سفكِ دمِه عليهِ السّلام ودماءِ شيعتِه وانتهاكِ حرمتِه ، أعاذَ اللهُ مِن ذلكَ كلَّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ برحمتِه وفي ستِر أمرِه والسكوتِ عن ذكرِه حقنَها وصيانتَها سلامةُ ديننا والانتهاء إلى أمرِ اللّه وأمرِ أئمّتنا وطاعتِهم ، وفّقنا اللهُ وجميعَ المؤمنينَ لطاعتِه ومرضاتِه بمنِّه ورأفتِه .  

وهكذا الحالُ فيما أوردَ الشيخُ الحسنُ بنُ موسى النوبختي، في كتابِه فرقُ الشيعة، (ص108)، إذ نقلَ عينَ ما نقلَه القمّيُّ آنفاً. ونقلَ كذلكَ الكلامَ على الفرقِ التي افترقَت بعدَ الحسنِ العسكريّ (ع)، فذكرَ الفرقةَ الثانيةَ عشرة في (ص112) من كتابِه هذا، ونقلَ ما نقلَه القمّيّ آنفاً مع اختلافٍ يسيرٍ جدّاً لا يضرُّ في أصلِ المعنى، ... إلى أن قالَ في نهايةِ المطاف: فهذا سبيلُ الإمامةِ والمنهاجُ الواضحُ اللاحب الذي لم تزَل الشيعةُ الإماميّة الصّحيحةُ التشيّعِ عليه.  

وأمّا الشيخُ المُفيد (قدّ)، فإليكَ عبارتَه في كتابِه الإرشاد، (ص336) بفصِّها ونصّها، إذ يقولُ: (ومرضَ أبو محمّدٍ عليهِ السّلام في أوّلِ شهرِ ربيعٍ الأوّل سنةَ ستّينَ ومائتين، وماتَ في يومِ الجُمعة لثمانِ ليالٍ خلونَ من هذا الشهِر في السنةِ المذكورة، ولهُ يومَ وفاتِه ثمانٌ وعشرونَ سنة، ودُفنَ في البيتِ الذي دُفنَ فيهِ أبوه مِن دارهِما بسرَّ مَن رأى. وخلّفَ ابنَه المُنتظرَ لدولةِ الحقّ. وكان قد أخفى مولدَه وسترَ أمرَه، لصعوبةِ الوقت، وشدّةِ طلبِ سلطانِ الزّمانِ له، واجتهادِه في البحثِ عن أمرِه، ولِـما شاعَ من مذهبِ الشيعةِ الإماميّة فيه، وعرفَ مِن انتظارِهم له، فلم يظهَر ولدُه عليه السّلام في حياتِه، ولا عرفَه الجمهورُ بعدَ وفاته. وتولّى جعفرٌ بنُ عليّ أخو أبي محمّدٍ عليه السّلام أخذَ تركتِه). إنتهى كلامُه.   

فانظُر أخي القارئ المُنصف إلى هذا الكاتبِ كيفَ دلّسَ على الشيخِ المُفيد (قدّس)، حينَ اقتطعَ مِن عبارتِه: (وخلّفَ ابنَه المُنتظر لدولةِ الحقّ)، التي هيَ نصٌّ واضحٌ في إمامةِ الحجّةِ المُنتظر (عج) الذي خلّفَه والدُه الإمامُ العسكريّ (ع)، واقتصرَ على بقيّةِ كلامه: (فلم يظهَر لهُ ولدٌ في حياتِه ولا عرفَه الجمهورُ بعدَ وفاتِه). ليوهِمَ القارئَ أنّ الشيخَ المُفيد ممَّن يقولُ بمقالتِه.

وهكذا كانَ حالُ الكاتبِ في عرضِه لعباراتِ المؤلّفينَ في مواضعَ أخرى مِن كتابِه هذا، ولذا ردّ عليهِ بعضُ أهلِ العلمِ بكتابٍ سمّاهُ (الحصونُ المنيعةُ في الردّ على كتابِ (حوارٌ هادئ بينَ السنّةِ والشيعة)، هذا فضلاً عن جهلِ الكاتبِ بمُرادِ علمائِنا الأعلام ومقصودِهم فيما عبّروا بهِ في هذا الموضعِ حينَ كانوا يُعبّرونَ بقولهم: (ولم يُرَ له خلفٌ، ولم يُعرَف له ولدٌ ظاهرٌ)! أو عبارة: (فلم يظهَر ولدُه عليهِ السّلام في حياتِه، ولا عرفَه الجمهورُ بعدَ وفاتِه). إذ عدمُ رؤيةِ الخلفِ لا تدلُّ على عدمِ وجوِده كما لا يخفى ذلكَ على أهلِ العلمِ، وكذلكَ فإنّ عدمَ معرفةِ أنّ للإمامِ العسكريّ (ع) ولداً ظاهراً، لا يدلُّ على عدمِ وجودِ ولدٍ له مُختفٍ عن الأنظارِ كما هوَ واقعُ الحالِ الذي يدينُ به علماءُ الإماميّةِ سلفاً عَن خلف، حينَ استندوا في ذلكَ إلى عدّة أدلّةٍ تثبتُ ما ذهبوا إليه وتؤكّده، فمِن هذهِ الأدلّةِ التي إسنادُها كالشمسِ في رائعةِ النهار، ما رواهُ الشيخُ الكلينيّ (ره) في كتابِه (الكافي ج1/ص377) عن مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللَّه ومُحَمَّدُ بنُ يَحيَى جَمِيعاً عَن عَبدِ اللَّه بنِ جَعفَرٍ الحِميَرِيِّ قَالَ اجتَمَعتُ أَنَا والشَّيخُ أَبُو عَمرٍو رَحِمَه اللَّه عِندَ أَحمَدَ بنِ إِسحَاقَ فَغَمَزَنِي أَحمَدُ بنُ إِسحَاقَ أَن أَسأَلَه عَنِ الخَلَفِ، فَقُلتُ لَه: يَا أَبَا عَمرٍو إِنِّي أُرِيدُ أَن أَسأَلَكَ عَن شَيءٍ ومَا أَنَا بِشَاكٍّ فِيمَا أُرِيدُ أَن أَسأَلَكَ عَنه، فَإِنَّ اعتِقَادِي ودِينِي أَنَّ الأَرضَ لَا تَخلُو مِن حُجَّةٍ، إِلَّا إِذَا كَانَ قَبلَ يَومِ القِيَامَةِ بِأَربَعِينَ يَوماً، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ رُفِعَتِ الحُجَّةُ، وأُغلِقَ بَابُ التَّوبَةِ فَلَم يَكُ يَنفَعُ نَفساً إِيمَانُهَا لَم تَكُن آمَنَت مِن قَبلُ أَو كَسَبَت فِي إِيمَانِهَا خَيراً، فَأُولَئِكَ أَشرَارٌ مِن خَلقِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ وهُمُ الَّذِينَ تَقُومُ عَلَيهِمُ القِيَامَةُ، ولَكِنِّي أَحبَبتُ أَن أَزدَادَ يَقِيناً وإِنَّ إِبرَاهِيمَ (ع) سَأَلَ رَبَّه عَزَّ وجَلَّ أَن يُرِيَه كَيفَ يُحيِي المَوتَى قَالَ أولَم تُؤمِن قَالَ بَلَى ولَكِن لِيَطمَئِنَّ قَلبِي، وقَد أَخبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ أَحمَدُ بنُ إِسحَاقَ عَن أَبِي الحَسَنِ (ع) قَالَ سَأَلتُه وقُلتُ مَن أُعَامِلُ أَو عَمَّن آخُذُ وقَولَ مَن أَقبَلُ؟ فَقَالَ لَه - العَمرِيُّ ثِقَتِي فَمَا أَدَّى إِلَيكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي، ومَا قَالَ لَكَ عَنِّي فَعَنِّي يَقُولُ، فَاسمَع لَه وأَطِع، فَإِنَّه الثِّقَةُ المَأمُونُ، وأَخبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ أَنَّه سَأَلَ أَبَا مُحَمَّدٍ (ع) عَن مِثلِ ذَلِكَ، فَقَالَ لَه: العَمرِيُّ وابنُه ثِقَتَانِ، فَمَا أَدَّيَا إِلَيكَ عَنِّي، فَعَنِّي يُؤَدِّيَانِ، ومَا قَالا لَكَ، فَعَنِّي يَقُولَانِ، فَاسمَع لَهُمَا وأَطِعهُمَا، فَإِنَّهُمَا الثِّقَتَانِ المَأمُونَانِ، فَهَذَا قَولُ إِمَامَينِ قَد مَضَيَا فِيكَ، قَالَ: فَخَرَّ أَبُو عَمرٍو سَاجِداً وبَكَى ثُمَّ قَالَ: سَل حَاجَتَكَ؟ فَقُلتُ لَه: أَنتَ رَأَيتَ الخَلَفَ مِن بَعدِ أَبِي مُحَمَّدٍ (ع)؟ فَقَالَ إِي واللَّه، ورَقَبَتُه مِثلُ ذَا، وأَومَأَ بِيَدِه، فَقُلتُ لَه: فَبَقِيَت وَاحِدَةٌ، فَقَالَ لِي: هَاتِ. قُلتُ: فَالاسمُ؟ قَالَ: مُحَرَّمٌ عَلَيكُم أَن تَسأَلُوا عَن ذَلِكَ، ولَا أَقُولُ هَذَا مِن عِندِي، فَلَيسَ لِي أَن أُحَلِّلَ، ولَا أُحَرِّمَ، ولَكِن عَنه (ع)، فَإِنَّ الأَمرَ عِندَ السُّلطَانِ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ (ع) مَضَى، ولَم يُخَلِّف وَلَداً ، وقَسَّمَ مِيرَاثَه وأَخَذَه مَن لَا حَقَّ لَه فِيه وهُوَ ذَا عِيَالُه يَجُولُونَ لَيسَ أَحَدٌ يَجسُرُ أَن يَتَعَرَّفَ إِلَيهِم أَو يُنِيلَهُم شَيئاً وإِذَا وَقَعَ الِاسمُ وَقَعَ الطَّلَبُ فَاتَّقُوا اللَّه وأَمسِكُوا عَن ذَلِكَ. وغيرُها منَ الرّواياتِ التي أوردَها الكلينيّ في هذا الموضعِ التي تثبتُ ولادةَ الإمامِ (عج)، وتثبتُ وجودَ مَن رآه ، فمَن أرادَ المزيدَ فليرجِع إلى المصدرِ أعلاه.

وما يعنينا في هذا المقامِ الذي نريدُ أن يلتفتَ إليه كلُّ إنسانٍ يحترمُ عقلَه وأن يكونَ فيه بعضُ الإنصافِ العلميّ، أن يُدقّقَ فيما يُنقلُ منَ المسائلَ الخلافيّةِ، ويتحرّى الصّوابَ خدمةً للحقيقةِ وتأييداً، لئلّا يكونَ سبباً في تشويشِ الحقائقِ وضياعِها كما يفعلُ الوهابيّةُ، وبالتالي فإنّهُ لا يضرُّ إلّا نفسَه ومن تابعَه في ذلكَ وقلّده، وسيُكتشفُ تدليسُه على الناسِ ولو بعدَ حين، ولات حينَ مندم، لاسيّما أنّ في هذهِ الرّوايةِ التي رواها ثقةُ الإسلامِ الكلينيّ (أعلى اللهُ تعالى مقامه) يُصرّحُ فيها السّفيرُ الأوّلُ في الغيبةِ الصّغرى، وهوَ أبو عمرو عثمانُ بن سعيدٍ العمري بأنّه رأى الإمامَ الحجّة (عج)، يقولُ صريحاً: إنّي رأيتُ الإمامَ الحُجّة الخلفَ (ع)، وإنّه لا يحلُّ ذكرُ اسمِه، لأنّ الأمرَ عندَ السّلطانِ أنّ الإمامَ العسكريّ (ع) لم يخلّف، وإلّا لو علمَ السّلطانُ بولادتِه (عج) لطلبَه، ولذلكَ حصلَت الغيبةُ للإمام (عج)، فكيفَ يُدّعى عقمُ الإمامِ العسكريّ (ع) بعدَ رواياتِ الولادة، وهذهِ الرّوايةُ نفسُها تؤكّدُ على ولادةِ الإمام وتُعلِّلُ سببُ إخفاءَ أمره؟!  

وعليه: فإنّ ما ينقلُ مِن أخبارٍ عَن عقمِ الإمامِ العسكريّ (ع) فإنّه يدخلُ في دائرةِ الإعلامِ المُضلّلِ المسوّقِ الذي يهدفُ إلى نقضِ عقيدةِ الشيعة الإماميّة المبنيّةِ على أُسسٍ متينة، خصوصاً أنّ عباراتِ علمائِهم لا تنفي وجودَ ولدٍ للإمامِ العسكريّ (عليه السّلام) كما تقدّمَ بيانُ ذلك، غاية ما في الأمرِ أنّ السلطةَ وأغلبَ النّاسِ في ذلكَ الوقتِ ما كانوا يعلمونَ بوجودِ ولدٍ للإمامِ العسكريّ (عليه السّلام)، وذلكَ لأنّ الأخبارَ المُستفيضةَ علّلَت ذلكَ بوجودِ السريّةِ التامّة التي كانَ يعيشُها الإمامُ العسكريّ (عليه السّلام) للحفاظِ على ولدِه المُبارك، حتّى إنّ أقربَ النّاسِ إليه وهوَ أخوهُ جعفرٌ لم يكُن يعلمُ بالولادةِ المُباركة، فالولدُ موجودٌ، لكنّه غيرُ ظاهرٍ كما هو واضحٌ، وبإمكانكَ التدقيقُ في عبارتي القمّيّ والشيخِ المُفيد (قدّس) التي يتبنّاهما علماءُ الإماميّةِ سلفاً عَن خلف، لتطمئنّ إلى ذلك. ودمتُم سالمين.