هل لكُم أن تبيّنوا لنا بشيءٍ منَ التفصيلِ الخطوطَ العامّةَ لكتاباتِ نصر حامد أبو زيد؟ 

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  

يمكنُ توثيقُ رحلةِ نصر حامِد أبو زيد الفكريّةِ منذُ حصولِه على ليسانس اللغة العربيّةِ وآدابِها مِن جامعةِ القاهرة كليّةِ الآدابِ سنةَ 1972م بتقديرِ ممتاز، ومِن ثمَّ حصولِه على درجةِ الماجستير تحتَ عنوان (المجازُ القرآنيُّ عندَ المُعتزلة) سنةَ 1976، ومِن هُنا يمكنُنا رصدُ التحوّلِ الفكريّ لأبي زيدٍ الذي كانَ مُعجباً في بدايةِ حياتِه بكتاباتِ سيّد قطب وحسنِ البنا وغيرِهم مِن أقطابِ الإخوانِ المُسلمين إلى إظهارِ الميلِ الواضحِ نحوَ الفكرِ المُعتزليّ العقلاني، ممّا جعلَ المسافةَ تتّسعُ رويداً رويداً بينَه وبينَ التفكيرِ الإسلاميّ ذي الأصولِ السلفيّة.  

وقد استمرَّ انفتاحُ نصر أبو زيد على المشاربِ المعرفيّة في التاريخِ الإسلاميّ عندَما سجّلَ أطروحتَه في الدكتوراه في موضوعِ (التأويلِ عندَ ابنِ عربي) والتي كانَت تحتَ إشرافِ الدّكتور عبد ِالعزيزِ الأهواني أستاذُ الأدبِ العربيّ والأندلسي، والذي كانَ مُعاصراً للدكتور طه حُسين ومُصطفى عبدِ الرازقِ وأمين الخولي، الأمرُ الذي جعلَ نصر حامد أكثرَ انفتاحاً على التوجّهاتِ النقديّةِ ذاتِ الطابعِ العقلاني، وقد ظهرَ ذلكَ في تأويليّتِه التي توصلُ بينَ المُعتزلةِ وابنِ رُشد والتصوّفِ وبخاصّةٍ ابنَ عربي الذي قامَ منطقُ تصوّفِه على التأويل، وبذلكَ مُهّدَ له الطريقُ للوصولِ إلى الهرمنيوطيقا الحديثةِ أو فلسفةِ التأويل، والتي أحدثَت تحوّلاً كبيراً في مشروعِه، وقد وظّفَ ذلكَ بشكلٍ واضحٍ في كتابِه (مفهومُ النّص) الذي كانَ سبباً في ظهورِه على سطحِ الأحداثِ الفكريّة والمعرفيّة، حيثُ عملَ في هذا الكتابِ على تقديمِ تصوّرٍ آخرَ للتفسيرِ والتأويلِ يتعارضُ معَ التصوّرِ التقليدي، الأمرُ الذي حرّكَ حفيظةَ الكثيرِ بوصفِه مشروعاً مُهدّداً للإسلامِ في أهمِّ مصادرِه وهيَ النصُّ وتفسيراتُه، وقد يتّضحُ ذلكَ إذا نقلنا شاهداً مِن هذا الكتابِ حيثُ يقول فيه: (إنَّ الخطأ الجوهريَّ في موقفِ أهلِ السنّةِ قديماً وحديثاً هو النظرُ إلى حركةِ التاريخِ وتطوّرِ الزمنِ بوصفِها حركةً نحوَ الأسوأ على جميعِ المُستويات، ولذلكَ يحاولونَ ربطَ معنى النصِّ ودلالتَه بالعصرِ الذهبي، عصرِ النبوّةِ والرّسالةِ ونزولِ الوحي مُتناسينَ أنّهم في ذلكَ يؤكّدونَ زمانيّةَ الوحي لا مِن حيثُ تكوُّنِ النّصِّ وتشكُّلِه فقط، بل مِن حيثُ دلالتِه ومغزاه كذلك، وليسَ هذا مجرّدَ خطأٍ (مفهوميّ) ولكنّهُ تعبيرٌ عن موقفٍ أيديولوجيّ منَ الواقع، موقفٌ يساندُ التخلّفَ ويقفُ ضدَّ التقدّمِ والحركة ) (مفهومُ النصِّ دراسةٌ في علومِ القرآن ص 223). وبذلكَ يُحدّدُ نصر أبو زيد موقفاً سلبيّاً منَ التراثِ بوصفِه غيرَ صالحٍ ليكونَ مرجعاً للمعرفةِ الإسلاميّة، وهكذا يقومُ مشروعُ أبو زيد على مقاطعةِ الموروثِ وتأسيسِ معرفةٍ إسلاميّةٍ بأدواتٍ حديثةٍ تنسجمُ معَ روحِ العصر، إلّا أنَّ مشروعَه التأويلي يُفضي في خاتمةِ المطافِ إلى تجريدِ الإسلامِ مِن أيّ معانٍ ومفاهيمَ أصليّةٍ طالما لا يحتفظُ النصُّ بمعانٍ ومفاهيم ثابتةٍ يجبُ الوقوفُ عندَها، بل المعنى بحسبِ أبو زيد في حالةٍ منَ التحوّلِ الدائمِ بحسبِ الأفقِ الثقافي الذي يحمله المُؤوّل والمُفسّرُ للنص.  

وهكذا أصبحَ أبو زيد عدوّاً للإسلامِ في نظرِ الخطابِ التقليدي حتّى وصلَ الأمرُ إلى الحُكمِ القضائيّ بتفريقِه عَن زوجتِه، وقد واصلَ أبو زيد في مشروعِه بعدَ هِجرتِه مِن مصرَ إلى هولندا والتحاقِه بجامعةِ لايدن، وكتبَ العديدَ منَ الكُتبِ في نقدِ الخطابِ الدّيني، مثلَ المرأةُ في خطابِ الأزمة، ودوائرُ الخوفِ قراءةٌ في خطابِ المرأة، والتفكيرُ في زمنِ التكفير وغيرُ ذلكَ منَ البحوثِ والدراسات.