ما هيَ الأدلّةُ على وجوبِ معرفةِ اللهِ معَ الشرحِ باختصار؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكمورحمة الله وبركاته   

أكّدَ معظمُ علماءِ الكلامِ على أنَّ معرفةَ اللهِ تعالى مِن ضروراتِ العقلِ، وأرجعوا ذلكَ إلى مبدأ وجوبِ شُكرِ المُنعم، ودفعِ الضررِ المُحتمل، فمِن خصائصِ الإنسانِ العاقلِ هوَ جلبُ المصلحةِ لنفسِه ودفعُ المفسدةِ عنها، ومِن هُنا فإنَّ العقلَ يُلزمُ صاحبَه بضرورةِ التعرّفِ على مَن تفضّلَ عليه بتلكَ النعم، ابتداءً مِن نعمةِ الخلقِ وإخراجِه إلى طورِ الوجودِ بعدَ أن كانَ عدماً، ومروراً بكلِّ ما عندَه مِن كمالاتٍ وجوديّةٍ مثلَ السمعِ والبصرِ والعلمِ والقُدرةِ والإرادةِ والشعورِ وغيرِ ذلكَ، وانتهاءً بالنعمِ التي تأتي إليه بسببِ تسخيرِ كلِّ ما في عالمِ الوجودِ مِن أجله، قالَ تعالى: (وَإِن تَعُدُّوا نِعمَةَ اللَّهِ لَا تُحصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) ومنَ الطبيعيّ أن يبحثَ الإنسانُ عن مصدرِ تلكَ النعمِ ليقومَ بواجبِ الشكرِ لمَن أنعمَ عليهِ بها، قالَ تعالى: (وَاذكُرُوا نِعمَةَ اللَّهِ عَلَيكُم وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذ قُلتُم سَمِعنَا وَأَطَعنَا ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)   

ومِن جانبٍ آخر فإنَّ العقلَ يُوجبُ على صاحبِه السّعيَ لدفعِ أيّ ضررٍ يُحتمَلُ وقوعُه، فإذا استشعرَ الإنسانُ وجودَ عدوٍّ يتربّصُ به لابدَّ أن يتحرّكَ بحُكمِ منطقِ العقلِ لحمايةِ نفسِه مِن تلكَ المخاطرِ المتوقّعةِ، والإنسانُ العاقلُ عندَما ينظرُ لفلسفةِ وجودِه في هذهِ الحياةِ لابدَّ أن يعترفَ بوجودِ هدفٍ وغايةٍ لوجودِه، وعليهِ لابدَّ أن يبحثَ عنها ويعملَ على طبقِها حتّى يتفادى أيَّ مُحاسبةٍ أو عقابٍ يترتّبُ على تقصيرِه في القيامِ بها.  

 وعلى ذلكَ فإنَّ رسالاتِ اللهِ تقومُ على تحفيزِ هذا المبدأ في الإنسانِ، قالَ تعالى: (وَمَا أَرسَلنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) فالتبشيرُ مِن خلالِ ترغيبِ الإنسان ِفي جنّةٍ عرضُها السّماواتُ والأرض، والنذيرُ مِن خلالِ تخويفِ الإنسانِ مِن نارٍ وقودُها الناسُ والحجارة، وعليهِ فإنَّ العاقلَ يقودُه التفكيرُ السّليمُ إلى معرفةِ صاحبِ النعمةِ الذي لا تُرجى إلّا منه، وإلى صاحبِ الحفظِ والسلامةِ الذي لا يُرجى كشفُ الضُّرِّ إلّا منه، قالَ تعالى: (وَمَا بِكُم مِّن نِّعمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيهِ تَجأَرُونَ)، وقاَل تعالى: (وَإِن يَمسَسكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدكَ بِخَيرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ)، وقد استخدمَ القرآنُ هذا المبدأ في ردِّه على مَن يعتقدُ في إلهٍ غيرِ اللهِ تعالى بقولِه: (وَلَئِن سَأَلتَهُم مَّن خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُل أَفَرَأَيتُم مَّا تَدعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِن أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَل هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَو أَرَادَنِي بِرَحمَةٍ هَل هُنَّ مُمسِكَاتُ رَحمَتِهِ ۚ قُل حَسبِيَ اللَّهُ ۖ عَلَيهِ يَتَوَكَّلُ المُتَوَكِّلُونَ) أي مِن غيرِ العقليّ والمنطقيّ عبادةُ مَن لا يملكُ لنا نفعاً ولا يدفعُ عنّا ضرّاً.   

وكلُّ ذلكَ ليسَ كافياً لو لَم تكُن معرفةُ اللهِ فطريّة، فقد فطرَ اللهُ العبادَ على معرفتِه، إلّا أنَّ الشهواتِ والأهواءَ وهمومَ الدّنيا وحاجاتِها تشغلُ الإنسانَ وتبعدُه بعيداً عَن واقعِ تلكَ الفطرة، فلا يستغني حينَها عن التذكيرِ والتنبيه، وأكثرُ ما يذكّرُ الإنسانَ ويشدُّ انتباهَه هوَ الأمورُ المُتعلّقةُ بمصالحِه ومفاسدِه وبخاصّةٍ ما لهُ علاقةٌ بمصيرِه الأبدي، ومِن هُنا كانَ مبدأ وجوبِ شكرِ المُنعمِ ودفعِ الضررِ المُحتملِ هوَ المبدأ الذي تقومُ عليه أكثرُ آياتِ البشارةِ والنذارة.