قصر مصادر المعرفة على المشاهدات والتجربة مغالطة علمية خطيرة.
Adel Fouad: السلام عليكم ممكن الرد على هذا الإشكال انّ المعرفة البشرية محدودة بالتجربة ولا يمكن ان يتجاوزها على الاطلاق. الدليل: كل معرفة مدعمة بالتجربة لديها مصداق على الواقع. سؤالي: أين مصداق أو حتى ربع مصداق على القناطير المقنطرة من الكلام حول الميتافيزيقا؟ له الحق من قال بان المعرفة الميتافيزيقية كالأعمى، الذي يبحث في حجرة مظلمة، عن قطعة سوداء.
الأخ عادل فؤاد المحترم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبلَ الجواب هناك ملاحظتان:
الملاحظة الأولى: (المعرفةُ البشريةُ محدودةٌ بالتجربة ولا يمكنُ تجاوزها على الإطلاق) هذه الجملةُ تحملُ تناقضاً ذاتياً؛ لأنّ نفسَ هذه الجملة يستحيلُ الإستدلالُ عليها بالتجربة، فهيَ مقولةٌ تبطل نفسها بنفسها.
الملاحظةُ الثانية: (بأنّ المعرفةَ الميتافيزيقية كالأعمى، الذي يبحثُ في حجرةٍ مظلمةٍ، عن قطعةٍ سوداء) هذه الجملةُ لا معنى لها؛ فإذا فرضته أعمى فلا فرقَ لديه بين كون المكان مضيئاً أو مظلماً، ولا فرقَ لديه بين كون القطعةِ سوداء أو بيضاء! هو أعمى على كل حال فكيفَ له الحق، مع أنّ التوصيفَ لا معنى له؟!!.
إذن، أصلُ وأساسُ الإشكال لا قيمةَ له؛ لأنّه ينقضُ نفسهُ، وهكذا التشبيهُ والتوصيفُ لا معنى له؛ فالإشكال كلّهُ لا معنى له ولا قيمةَ له.
ولكن مع ذلك نجيبُ فنقول: أولاً وثانياً
أمّا أولاً: قصرُ مصادرِ المعرفة على المشاهداتِ والتجربةِ هي مغالطة علميةٌ خطيرةٌ وباطلةٌ وظلمٌ للدّليل والعلم التجريبي؛ لا يمكنُ للدّليل التجريبي أن ينتجَ إلاّ بالإعتماد على الدّليل العقلي، مستحيلٌ أن ينتجَ الدليلُ التجريبي إلا بالإعتماد على الدليل العقلي، كيف؟
هناك مقدّمةٌ عقليّةٌ مطويةٌ وهي: حكمُ الأمثال فيما يجوزُ وما لا يجوزُ واحدٌ، هذه المقدّمةُ العقليةُ ما لم يُعتمدْ عليها لا يمكنُ أن يكونَ الدليلُ التجريبي منتجاً، وكمثال على ذلك: لو قمنا بالتجربة على مليار فردٍ من الماء، إستقرأنا مليارَ فردٍ من الماء ووجدنا أنّ كلّ فردٍ من هذا المليار يغلي إذا بلغتْ درجةُ حرارته (مئة)، كيف نستطيعُ أنْ نصدرَ حكماً عامّاً وقضيّةً كليةً تشملُ المياهَ في جميع مناطق العالم وتشملُ المياهَ الموجودةَ والمياهَ التي ستُخْلَقُ بعد ألفِ سنة؟ كيف نستطيعُ أن نصدرَ نتيجةً عامة؟ كيفَ نستطيعُ أن نقولَ: كلُّ ماءٍ يغلي إذا بلغت درجة حرارته (مئة) ونحنُ لم نستقرئ إلاّ مليارَ فرد؟! لعلّ غيرَ هذا المليار لا يغلي إذا بلغتْ درجةُ حرارته (مئة)! كيف نستطيع أنْ نُصدِر حكماً كلياً يشملُ المياهَ التي إستقرأناها والمياهَ التي لم تُوجد بعدُ والتي تُوجد بعدَ ألفِ سنة والتي تُوجد بعدَ مليون سنة؟! كيف نستطيعُ أنْ نُصدرَ حكماً عاماً؟! لا يمكنُ للدّليل التجريبي أن يصدرَ حكماً عاماً إلاّ إستناداً لتلك المقدّمة العقلية، تقول: هذه المياه مياهٌ، والمياه التي ستُوجد بعد ألفِ سنةٍ مياهٌ، والمياه التي ستُوجد بعد مليارِ سنةٍ مياهٌ، فبما أنّ الجميعَ مياهٌ وهذه المياهُ تغلي إذا بلغت درجةُ حرارتها (مئة) إذن المياهُ التي ستأتي ستكونُ مثلها، فأقحمنا ضمنَ الإستدلال مقدّمةً عقلية: حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحدٌ، لولا هذه المقدمة العقلية لَما كان الدليلُ التجريبيّ منتجاً.
أمّا ثانياً: ليست كلّ معرفةٍ مُدعمةٌ بالتجربة لديها مصداقٌ على الواقع، نسألكم: ما هو الميزانُ في أنْ يكون للقضية معنى؟ هل الميزان أن تكونَ القضيّة قضيةً حسيةً وإلاّ لا يكون لها معنى؟! هل أنّ القضيةَ الصادقةَ هي القضيةُ ذاتُ المعطى الحسّي فقط، وأيّ قضيةٍ مُعطاها غير حسي إذن هي قضيةٌ غيرُ صادقة؟! هل هذا هو المقصود؟! إذا كانَ هذا هو المقصود إذن لا يمكنُ إثباتُ الجاذبية ولا القوى الأربعة (الجاذبية، النووية الضعيفة، النووية القوية، الكهرومغناطيسية) هذه القوى الأربع التي تحكمُ الكون كيف نُثبتها؟! ليس لها معنى حسياً، لا نرى معطى حسياً لها، إذن كيف تم إثباتها؟! هل يمكنُ إنكارها !؟لا يمكن ذلك، بل إنّ الكثيرَ من الموضوعاتِ والحقائقِ الكونيّة لا يتناولها العلمُ التجريبي، وأنّ كثيراً من المواضيع (كالمعاني الكيفيّة - الحب والبغض - وكمعياريّة الصواب والخطأ والحسن والقبح). فكيفَ تكونُ مثلُ هذه المعارف الوجدانية مدعمةً بالتجربة؟!! لا، هي ليست من مجال العلوم التجريبية أصلا.
إذن، ليس عندنا شيءٌ إسمهُ دليلٌ تجريبيّ ، أصلاً
نفسُ هذا التقسيم الى دليل عقلي وتجريبي خطأٌ، فكلّ الأدلة أدلةٌ عقليةٌ؛ لأنّ الدليلَ التجريبيّ أيضاً لا ينتجْ إلاّ إذا إعتمدَ على مقدّمةٍ عقليةٍ وكبرى عقلية؛ وإلاّ لا يكونُ مُنتجاً، ولا مجالَ للتنصّل من ذلك أبدًا، العقلُ هو الحاكمُ على الحس؛ لأنّ العلماء التجريبيين أنفسَهم يقولون أنّ عدم َالتناقضِ الذاتي من شروط النظرية، وأنّ كثيراً من المقدّمات التي يُبنى عليها العلمُ التجريبي والتي تسبقُ المشاهدةَ هيَ مقدماتٌ عقليةٌ أو فرضيّات نظرية لا يمكن الإستدلالُ عليها بالتجربة، وأنّ عدم التناقض العقلي شرطٌ أساسيّ في التجربة العلميّة.
الآن نحنُ نسألُكم (من باب هذه بضاعتُكم رُدّت إليكم): آتونا بمصداقٍ أو ربعِ مصداقٍ على أنّ التجربة والدليل العلمي التجريبي - من حيث المبدأ والنتيجة - يمكنُ أن يعطينا قانوناً واحداً كلياً من دون الاستعانة بالميتافيزقيا - البديهيات والوجدانيات والدليل العقلي !
اترك تعليق