هل معنى الصّلاةِ على النبيّ (ص) أنَّ كماله وكلَّ ما ينعمُ من الله عليه يتوقّفُ على دعاءِ الناس؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أمرَ اللهُ بالصّلاةِ على النبي في قولِه تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسلِيمًاً)، وقد جاءَ أمرُ المؤمنينَ بالصّلاةِ بعد أن سبقَهم اللهُ وملائكتُه لتلكَ الصّلاة، ممّا يدلّلُ على عظمةِ تلكَ الصلاةِ وما لها مِن شأنٍ عندَ الله، فصلاةُ اللهِ على النبيّ تكشفُ ما للنبيّ مِن مقامٍ عندَ اللهِ تعالى، فمحورُ الأمرِ الإلهيّ بالصّلاةِ في هذهِ الآيةِ هوَ مكانةُ النبيّ وعظيمُ منزلتِه، وقد يبعثُ ذلكَ على الحيرةِ إذ كيفَ يمكنُ للمؤمنِ أن يُصلّي على النبيّ صلاةً تكشفُ عن حقيقةِ النبيّ ومكانتِه؟ وقد دلَّت الآيةُ على أنَّ الأمرَ بالصّلاةِ جاءَ مُترتّباً وتبعاً لصلاةِ اللهِ على نبيّه، أي كما صلّى الله ُعليهِ صلّوا عليه، وهذا ما يستحيلُ على المؤمنِ القيامُ به، فمهما بلغَ منَ المعرفةِ بالنبي لا يدركُ مقدارَ مكانتِه وكُنهَ عظمتِه، وبعبارةٍ أخرى، إذا كانَت الصلاةُ هيَ بيانُ مكانةِ النبيّ وعظمتِه، كيفَ يمكنُ للمؤمنِ أن يُدركَ هذهِ العظمةَ وبأيّ عبارةٍ يمكنُه أن يصفَ تلكَ المنزلة؟ فما عساهُ أن يقول؟ فمهما اجتهدَ لا يمكنُه ذلكَ طالما كانَ اللهُ هو الذي بدأ تلكَ الصّلاة، فصلاةُ اللهِ عليه إشادةٌ وتزكيةٌ منه تعالى لنبيّه، كما أنّها سكينةٌ ورحمةٌ على قلبِه الطاهر، وهذا الأمرُ لا يمكنُ أن يقومَ بهِ إلّا اللهُ تعالى، ومِن هُنا كانَ الحلُّ الوحيدُ حتّى يُحقّقَ المؤمنُ الصلاةَ على النبي؛ هوَ أن يطلبَ منَ اللهِ أن يُصلّي على النبيّ نيابةً عنه، وهكذا جاءَت صيغةُ الصلاةِ كما علّمنا رسوله الكريم (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ)، وكأَنَّ لسانَ حالِهم يقول: أنتَ العالمُ يا الله بمكانةِ نبيّك ونحنُ عاجزونَ عن بلوغِ قدرِه ومكانتِه، فصلِّ عليهِ نيابةً عنّا، فنحنُ نقولُ في حقّه ما تقول، ونشهدُ له بما تشهدُ أنتَ له، وبذلكَ تعيدُنا الصلاةُ على النبي إلى اللهِ سُبحانَه مِن جديدٍ في حلقةٍ منَ التواصلِ الدائمِ بينَ المؤمنِ وربّه ورسولِه.
وعليه؛ فإنَّ صلاةَ المؤمنِ على الرسولِ هيَ إقرارٌ لِما لهُ مِن كمالٍ وليسَت هيَ التي تمنحُه الكمال، ولا يمكنُ للمؤمنِ أن يُحقّقَ رضا اللهِ إلّا بعدَ أن يشهدَ بمكانةِ الرّسولِ كما شهدَ بها ربُّه، وبذلكَ يكونُ المؤمنُ في أشدِّ الحاجةِ إلى هذهِ الصّلاة، فبها يتحقّقُ الربطُ والتواصلُ بينَه وبينَ رسولِه، ومِن هُنا كانَت الصّلاةُ على النبيّ شعارَ المؤمنِ الذي يُحدّدُ هويّتَه ومصدرَ انتمائِه، فلا يكونُ المؤمنُ مُوحّداً ومُسلّماً لأمرِه ووحيه ما لم يكُن تابعاً لرسولِه، قالَ تعالى: (قُل إِن كُنتُم تُحِبُّونَ اللهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ ٱللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، وقد ربطَ اللهُ بينَ محبّةِ النبيّ وتوقيرِه وبينَ تسبيحِ اللهِ، حيثُ قال: (لِّتُؤمِنُوا بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا) فبما أنَّ المؤمنَ لا يُمكِنُه أَن يكونَ بعيداً عنِ اللهِ لا يُمكنُه أَيضاً أَن يكونَ بعيداً عنِ النبي (صلّى اللهُ عليهِ وآله).
اترك تعليق