هل هناكَ فرقٌ بينَ الزوجةِ والمملوكةِ مِن ناحيةِ الحقوقِ؟

السّلامُ عليكم  " إلّا على أزواجِهم أو ما ملكَت أيمانُهم فإنّهم غيرُ ملومين "  هل هناكَ فرقٌ بينَ الزوجةِ والمملوكةِ مِن ناحيةِ الحقوقِ؟  وكيفَ نردُّ على مَن يستدلُّ بهذهِ الآيةِ على أنَّ الإسلامَ يستعبدُ النساءَ؟ 

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :   

هذا المقطعُ منَ الآيةِ وقعَ استثناءً مِن حُكمٍ كلّيٍّ هوَ وجوبُ حفظِ الفروج، وهوَ قولهُ تعالى: (والذينَ هُم لفروجِهم حافظون)، فيتأكّدُ مِن ذلكَ بأنَّ الأزواجَ ومُلكَ اليمينِ مُستثنىً مِن هذا الحفظِ، والاستثناءُ لا يكونُ مفهوماً إلّا إذا كانَت هناكَ صورٌ مُتعدّدةٌ وأشكالٌ مُختلفةٌ للعلاقاتِ بينَ الرجالِ والنساءِ، ومِن ثمَّ يتمُّ استثناءُ بعضِ تلكَ الصور، كما أنَّ المُستثنى لا يكونُ تأسيساً جديداً لِما ليسَ له وجودٌ في الواقعِ، وإنّما يكونُ ممّا هوَ موجودٌ ومعمولٌ به في الواقع، وعليهِ تكونُ الآيةُ إقراراً لنوعينِ منَ العلاقةِ وتحريمِ ما دونهما منَ العلاقات، وليسَ تأسيساً لأمرٍ ليسَ لهُ وجودٌ بالفعل، ومِن هُنا فإنَّ الإسلامَ أقرَّ الزواجَ ضمنَ شروطٍ خاصّةٍ أضافَها لِما هوَ معمولٌ به، كما أنّه أقرَّ مُلكَ اليمينِ بوصفِه عُرفاً معمولاً به معَ بعضِ الشروطِ الخاصّةِ التي تحفظُ حقَّ المملوك، وإذا أردنا تطبيقَ هذهِ الآيةِ على واقعِنا المُعاصرِ لاستحالَ علينا استثناءُ مُلكِ اليمينِ، إذ كيفَ نستثني أمراً غيرَ موجود؟ ومنَ المعلومِ بالضرورةِ أنَّ الحُكمَ الشرعيَّ يدورُ مدارَ الموضوعِ وجوداً وعدماً، فإذا انعدمَ الموضوعُ ينعدمُ الحُكمُ الخاصُّ بهِ بالضرورة، ومنَ المُؤكّدِ أنَّ مُلكَ اليمينِ لم ينتفِ كموضوعٍ فقط وإنّما انتفَت معهُ الظروفُ التي تسمحُ لهُ بالوجودِ منَ الأساس، وعليهِ لا يُعتبرُ مُلكُ اليمينِ منَ الموضوعاتِ التي يُبتلى بها المُسلمُ المُعاصر، ولا تدخلُ ضمنَ الخياراتِ في علاقةِ الرجلِ بالمرأة، وعليهِ كلُّ ما يثارُ في هذا الأمرِ يُعدُّ شكوىً مِن غيرِ علّةٍ، ومنَ الضروريّ أن نُعيدَ ما قُلناهُ سابقاً في سؤالٍ مُشابه، وهوَ أنَّ الإسلامَ لم يؤسِّس لمُلكِ اليمينِ وإنّما كانَ عُرفاً اجتماعيّاً سائِداً قبلَ الإسلامِ، وقد قُلنا هناكَ أنَّ الكثيرَ منَ الظواهرِ الاجتماعيّةِ قد تكونُ مقبولةً في مُجتمعٍ ومذمومةً في مُجتمعٍ آخر، أو أنّها مقبولةٌ في حِقبةٍ تاريخيّةٍ ومرفوضةٌ في حقبٍ لاحقةٍ، بالتالي التباينُ الثقافيُّ والتاريخيُّ يتدخّلُ بشكلٍ مُباشرٍ في فهمِ وتقييمِ كثيرٍ منَ الظواهرِ الاجتماعيّة، وقضيّةُ مُلكِ اليمينِ قبلَ الإسلامِ كانَت منَ الظواهرِ الضاربةِ بجذورِها في المُجتمع، بحيثُ لا يفهمُ العرفُ المُجتمعيُّ في ذلكَ الوقتِ إمكانيّةَ وجودِ مُجتمعٍ مِن دونِ رقيقٍ ومُلكِ يمين، ومِن غيرِ الجائزِ مُحاكمةُ ظاهرةٍ اجتماعيّةٍ بأدبيّاتِ العصرِ الحاليّ وهيَ لا تنتمي لهذا العصرِ، فمنَ الضروريّ مراعاةُ الفوارقِ الثقافيّةِ والظرفيّةِ بينَ مُجتمعِ اليومِ وذلكَ المُجتمع، ومِن هُنا فإنَّ مُحاكمةَ العقلِ الاجتماعيّ المُعاصرِ للعقلِ الاجتماعيّ قبلَ 1400 عام مُحاكمةٌ غيرُ عقليّةٍ وغيرُ منطقيّة، ولو قُدّرَ لمُنظّماتِ حقوقِ المرأةِ أن تعيشَ في ذلكَ الزّمنِ ووكّلَ لها محاربةُ هذهِ الظاهرةِ لمَا تمكّنَت مِن تغييرِها بمُجرّدِ سنِّ القوانينِ الرّادعة، وإنّما تطلّبَ منها ذلكَ الكثيرَ منَ المرونةِ بغرضِ التغييرِ التدريجيّ لثقافةِ المُجتمع، وهذا ما قامَ بهِ الإسلام، فمنَ المؤكّدِ أنَّ تغييرَ النمطِ الحياتيّ للمُجتمعِ يحتاجُ إلى تدرّجٍ مِن نوعٍ خاصٍّ يستهدفُ البُنيةَ الثقافيّةَ المُتحكّمةَ فيه، ولذا عملَ الإسلامُ على تأسيسِ بُنيةٍ تحتيّةٍ لثقافةِ المُجتمعِ تُفضي في خاتمةِ المطافِ إلى تخلّيهِ عن ظاهرةِ الرقِّ ومُلكِ اليمينِ والنفورِ منه، وما يثيرُ العجبَ هوَ مُطالبةُ البعضِ للإسلامِ أن يُحرّمَ مُلكَ اليمينِ في أوّلِ أيّامِه مِن خلالِ إصدارِ مرسومٍ يحظرُه، جهلاً منهُم بالطبيعةِ المُعقّدةِ لتركيبِ المُجتمعاتِ وكيفيّةِ التعاملِ معها، فالتغييرُ الجذريُّ للظواهرِ السلبيّةِ يتطلّبُ مُعالجةً جذريّةً تحفرُ عميقاً لتبديلِ الأساساتِ وتعديلِ الأصول، ولا يمنعُ ذلكَ مِن وضعِ قوانينَ أوليّةٍ تستدركُ بعضَ المظالمِ وتردُّ بعضَ الحقوقِ إلى حينِ حدوثِ التحوّلِ الكبيرِ في المُجتمع، ولذلكَ عندَما أباحَ القرآنُ نكاحَ مُلكِ اليمينِ إنّما أباحَه بوصفِه نكاحاً مشروعاً لدى المُجتمعاتِ البشريّةِ آنذاك، فأمضاهُ الإسلامُ بحدودِه المشروعةِ عندَهم، أي في إطارِ ما يقبله البناءُ العقلائيُّ آنذاك، ممّا لا يراهُ المُجتمعُ الإنسانيُّ موردَ عيبٍ أو ضررٍ اجتماعيّ بنظرِهم، وحتّى يصلَ الإسلامُ إلى مستوى تحريمِه لابدَّ أن يصلَ بالمُجتمعِ أوّلاً إلى مستوىً منَ الوعي يرى فيهِ أنّه أمرٌ معيبٌ يجبُ التخلّصُ منه، وقبلَ الوصولِ إلى تلكَ المرحلةِ وضعَ الإسلامُ بعضَ التوصياتِ والضوابطِ حيثُ أوصى بالإحسانِ إليهنَّ وإطعامهنَّ ممّا يطعمُ بهِ عيالَه وعدّهنَّ مِن أهلِ بيتِه وجُزءاً مِن عائلتِه وحرّمَ ضربهنَّ أو الإضرارَ بهنَّ أو إهانتهنَّ وجوّزَ تزويجهنَّ للآخرينَ وضمنَ لهُنَّ حُرّيّةَ الفكرِ والاعتقادِ بعدَ أن كُنَّ يعشنَ حالةَ الاحتقارِ والذلّةِ والمَهانة.  

وفي المُحصّلةِ أمضَت الآيةُ مُلكَ اليمينِ بوصفِه عُرفاً اجتماعيّاً معمولاً به ولا يمكنُ التخلّي عنهُ بمُجرّدِ تحريمِه، وبالتالي لا يصحُّ الاستدلالُ بهذهِ الآيةِ على أنَّ الإسلامَ يستعبدُ المرأةَ طالما لم تؤسِّس الآيةُ لهذا الأمر.