إشكالٌ على أفضليّةِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام)
أحد المستشكلين يقول لاتوجد دلالة لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (يا علي لايحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ) على افضلية الامام علي عليه السلام على الصحابة لان الرسول جعل حب علي اختبار للامة كما جعل الله تعالى ناقة صالح ع اختبار للمؤمن من غير المؤمن وكذلك الشرب الماء من النهر جعل اختبار للناس في قوله تعالى (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )فهل يدل ذلك على ان الناقة والنهر افضل ؟ ارجو منكم الاجابة على هذا السؤال الذي اشكل فيه على الحديث في فضل امير المؤمنين عليه السلام على غيره جزاكم الله خيرا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
1ـ الأدلّةُ كثيرةٌ على أفضليّةِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) على جميعِ الأصحاب، بل على جميعِ الأنبياءِ والمُرسلينَ ما عدا خاتمِ الأنبياءِ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله).
كقولهِ تعالى: { فَمَن حاجَّكَ فيهِ مِن بَعدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُل تَعالَوا نَدعُ أَبناءَنا وَأَبناءَكُم وَنِساءَنا وَنِساءَكُم وَأَنفُسَنا وَأَنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَعنَتَ اللَّهِ عَلَى الكاذِبينَ } [آل عمران: ٦١].
فقد جعلَ اللهُ تعالى عليّاً بنَ أبي طالبٍ (عليهِ السّلام) نفسَ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) كما أجمعَ عليهِ المسلمونَ في حادثةِ المُباهلةِ أنّهُ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) أخرجَ عليّاً وفاطمةَ والحسنَ والحُسين (صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين).
فإذا كانَ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) أفضلَ الخلق، فيكونُ نفسُه أيضاً أفضلَ الخلقِ بعدَه.
وغيرُها منَ الأدلّةِ الكثيرة.
2ـ حصرُ سببِ المحبّةِ بالاختبارِ لا دليلَ عليه، فمِن أينَ علمَ أنّ اللهَ جعلَ حبَّ عليٍّ (عليهِ السلام) اختباراً للأمّةِ فقط ؟ وهل يُعقلُ أن يُقال: أنّ اللهَ جعلَ حبَّ أنبيائهِ اختباراً لأممِهم فقط، فلا فضلَ لهم مِن جهةِ وجوبِ المحبّة؟ أو يقالُ: إنّ اللهَ جعلَ طاعةَ أنبيائهم اختباراً للأمّة، فلا فضلَ لهُم مِن جهةِ دليلِ وجوبِ طاعتِهم؟! هل هذا منطقُ إنسانٍ مُسلمٍ يحترمُ عقله؟!
3ـ هذا الحديثُ يتكوّنُ مِن فقرتين:
الفقرةُ الأولى: حبُّ عليٍّ (عليهِ السلام) إيمانٌ. (لا يحبّني إلّا مؤمنٌ):
يعني أنّ اللهَ جعلَ حبّه علامةً كاشفةً عن إيمانِ الفردِ المُسلم، وأنّه تجاوزَ مرحلةَ الإسلامِ إلى الإيمان، وأنّ حبّه شرطُ الإيمان، ولا إيمانَ من دونِ حبّه، فحبُّه مِن أركانِ الإيمان.
الفقرةُ الثانية: بغضُ عليٍّ (عليهِ السلام) نفاقٌ. (ولا يبغضُني إلّا منافقٌ):
وبغضُه علامةٌ كاشفةٌ عن نفاقِ الإنسان، وأنّه خارجٌ عن الإيمانِ وزمرةِ المؤمنين، وليسَ في صفّهم.
وهذا الحكمُ بالإيمانِ والنفاق، كاشفٌ كشفاً تكوينيّاً عن وجودِ صفةِ الإيمانِ في مُحبّه، وصفةِ النفاقِ في مُبغضِه، فمحبُّه مؤمنٌ حقيقةً وواقعاً، فيترتّبُ عليه جميعُ ما يترتّبُ على المؤمنِ مِن أحكام، ومبغضُه منافقٌ حقيقةً وواقعاً، فيترتّبُ عليه جميعُ ما يترتّب على المنافقِ مِن أحكام.
والجميعُ يعلمُ أنّ مصيرَ المنافقِ إلى نارِ جهنّم، قالَ تعالى: { وَعَدَ اللَّهُ المُنافِقينَ وَالمُنافِقاتِ وَالكُفّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدينَ فيها هِيَ حَسبُهُم وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُم عَذابٌ مُقيمٌ } [التوبة: ٦٨].
فنحنُ لمّا نقيسُ رجلاً له هذهِ المواصفاتُ بغيرِه منَ الصحابةِ، نفهمُ أفضليّتَه على بقيّةِ الصحابة.
4ـ هذا الحديثُ يعدُّ مِن مناقبِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام)، بل مِن خصائصِه التي اختصَّ بها، ولم يشاركُه فيها أحدٌ منَ الصحابة، فإنّ حبّه إيمانٌ، وبغضَه نفاق.
وأمّا بغضُ غيرِه منَ الصّحابةِ ممّن ثبتَت استقامتُه – إن لم يكُن لجهةِ إيمانِهم – فهو نقصٌ في الكمال، لا سلبٌ للإيمان، ونقصٌ في الأخلاقِ، لا كشفٌ عن النفاقِ، فتدبّر.
والخصائصُ في مثلِ هذهِ الجهاتِ كاشفةٌ عن الأفضليّة.
5- إنّ عليّاً (عليه السّلام) لهُ مقامُ قسيمِ الجنّةِ والنار، فإنّ المؤمنَ في الجنّة، والمنافقَ في النار، وقد صحّحَ أحمدُ بنُ حنبل بهذا الحديثِ حديثَ قسيمِ الجنّةِ والنارِ فقالَ فيما رواه ابنُ أبي يعلى في طبقاتِ الحنابلةِ بسندِه عن محمّدٍ بنِ منصورٍ قال: كنّا عندَ أحمدَ بنِ حنبل فقالَ لهُ رجلٌ: يا أبا عبدِ الله ما تقولُ في هذا الحديثِ الذي يروى أنّ عليّاً قالَ : أنا قسيمُ النار؟
فقالَ : وما تنكرونَ مِن ذا أليسَ روينا أنّ النبيّ (ص) قالَ لعليٍّ : لا يحبُّكَ إلّا مؤمنٌ ولا يبغضُك إلّا مُنافق؟
قُلنا: بلى.
قالَ: فأينَ المؤمن؟
قُلنا: في الجنّة؟
قالَ: وأينَ المُنافق؟
قُلنا: في النار.
قالَ: فعليٌّ قسيمُ النّار. (طبقاتُ الحنابلة: 1 / 320).
والحمدُ للهِ ربّ العالمين.
اترك تعليق